
بقلم احسن خلاص
مع اقتراب شهر سبتمبر الذي ضربته السلطة موعدا لاستئناف الحركية السياسية المرتبطة بالإصلاحات الدستورية اختار ما يقرب من 135 فعالية سياسية واجتماعية من أحزاب وجمعيات وشخصيات الانضواء تحت لواء التكتل الذي اقترحه رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة وعضده في ذلك ناشطون ورؤساء أحزاب وهو الذي اختاروا له عنوان “القوى الوطنية للإصلاح” وقد اجتهدوا ما أمكن من أجل إبعاد هذا العنوان من الرائحة الأيديولوجية الإسلامية وتركوا المجال واسعا للتساؤل عن موقع هذا التكتل وطبيعة أهدافه المعلنة في أرضية المبادرة المطروحة وغير المعلنة والتي تكون قد تبلورت في كواليس المشاورات السابقة واللاحقة حول التعاطي مع المراحل المقبلة.
نحاول قراءة هذه المبادرة قراءة متأنية من منطلق الخطاب الذي تسوق له من جهة ومن السياق الذي جاءت فيه إضافة إلى خلفياتها السياسية التي ظهرت بعض ملامحها في نص المبادرة ومن تتبع المسار والمواقف التي انتجها بعض العناصر المكونة لهذا التكتل خلال الأزمة السياسية التي أنتجها الحراك العام الماضي.
وإن فضل التكتل النأي بنفسه عن ضم القوى السياسية “الوطنية” التي ساندت مقترح العهدة الخامسة للرئيس السابق بوتفليقة لاسيما حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي إلا أنه لم يتردد في تبني بعد الوطنية في عنوانه وهو الذي يبدو أنه صار ملكية شاغرة بعدما طردت منه الأحزاب المذكورة لذا فضلت مبادرة هذا التكتل وصف القوى المتكتلة بالنزيهة لكي لا يختلط الأمر على الرأي العام والشركاء القائمين والمحتملين في هذه المبادرة. وهي النزاهة التي تكتسب مشروعيتها من تمسك القوى المتكتلة بمرجعية بيان أول نوفمبر باعتباره”مرجعية الدولة الجزائرية التي حلم بها الشهداء” وتواصلت من أجل تجسيدها نضالات الشعب منذ الاستقلال إلى غاية أن جاء حراك 22 فبراير الذي طالب صراحة بالتغيير الحقيقي بوعي ونضج وإصرار وسلمية وثقة تامة بين الشعب وجيشه وانحياز إلى الخيار الدستوري في تجاوز الفراغ في أهم مؤسسات الدولة وهي الخيارات التي يقول أصحاب التكتل أنهم ساهموا في مرافقتها خلال أزمة العام الماضي وانتجوا من أجل ذلك مبادرات جادة لتحقيق أهداف الحراك و”تأمين مسار التحول الوطني الذي أسس له الحراك والحفاظ على بوصلته والتأكيد على الوحدة الوطنية والدفاع عن الهوية وحماية الثوابت الوطنية واستمرارية الدولة النوفمبرية…” وقد كانت هذه العبارات كافية لتحديد الهوية السياسية لهذا التكتل من خلال التذكير بجهود مكوناته لدعم الخيار الذي تبناه الجيش لتجسيد للانتقال السياسي والعمل الاتصالي والدعائي الذي قامت به من أجل إقناع المجتمع بجدواه وتحسيسه بخطر الأطروحات المقابلة لاسيما أطروحة المرحلة الانتقالية وإنشاء المجلس التأسيسي التي تبنتها بعض القوى الراديكالية اليسارية لاسيما تلك التي انضوت تحت سقف عقد البديل الديمقراطي.
فما الذي دعى هذه القوى للتكتل من جديد وبعث نشاطها ودعمه تنظيميا والرغبة في توسيعه ليضم أكبر عدد من الأطراف الوطنية النزيهة؟ يرى بيان التكتل أن المسار الديمقراطي الذي انطلق بانتخابات الرئاسة نهاية العام الماضي بات مهددا بفعل عوامل عديدة بعضها موضوعي، وهذه العوامل قد تحول دون تجسيد الإصلاح السياسي العميق الذي طالب به الحراك لاسيما وأنها تزامنت مع أزمة اقتصادية وصحية عالمية لذا من الضروري في نظر أصحاب البيان العمل على تأمين هذا المسار ومرافقته إلى بر الأمان وهو ما يفرض “على الوطنيين المخلصين التحرك والمبادرة لبناء أسس عمل جماعي مشترك عبر فضاء الالتقاء والتشاور والتنسيق يرتقي لتكتل يجمع القوى الوطنية المؤمنة برسالتها النبيلة”. هذا ما قاله البيان. غير أن ما لم يقله صراحة البيان الموجه للاستهلاك العام أن هذا التكتل إنما هو رسالة تنبيه للرئيس عبد المجيد تبون وتذكير له بفضل مكونات هذا التكتل في الوصول إلى هذه المرحلة التي يقود فيها البلاد، وفضلها أيضا في وصوله إلى سدة الحكم وهي التي لم تنل حظها في قيادة مرحلة ما بعد الأزمة لاسيما وأن تبون أعلن مرارا أنه لن يغطي أي تكتل سياسي مما يجعل هذه القوى تبحث لنفسها عن إطار مستقل لكنه قابل للتعاون مع الرئيس إذا ما توافقت أهداف الطرفين وهو ما يوحيه تعمد أصحاب المبادرة إقحام مكونات المجتمع المدني في نشاطهم وهو القطاع الذي يفضل الرئيس العمل في إطاره.
غير أن مؤشرات ظهرت خلال الأشهر التي قضاها تبون في الرئاسة توحي أن الرئيس يتجه نحو التعامل مع أغلب أطراف الساحة وقد اصطدم هذا التيار الوطني ذي الاتجاه الإصلاحي بعدة عقبات أهمها مخرجات اللجنة الوطنية لاقتراح التعديلات الدستورية التي لم ترق للكثير من الفعاليات الوطنية المحافظة التي تمثل اليوم جزءا من هذا التكتل الذي لم يحظ بالمواقع التي كان ينتظرها بل ذهب الأمر إلى حد الاستغناء عن خدمات العدد القليل من عناصره الذين الذين أوتي بهم لمواكبة العهد الجديد فضلا عن أن تواجد هذا التيار في الحكومة يكاد لا يذكر بينما تواجد فيها من كانت مواقفة غير متوافقة مع توجه هذا التيار. ومن مؤشرات التعبير عن الغضب اختيار الانضواء تحت قيادة عبد القادر بن قرينة المرشح المنافس لتبون في انتخابات الرئاسة وقد نال المرتبة الثانية مما يمكنه من أن يصبح ورقة ضغط سياسية تضطر تبون للتعامل مع هذا التيار لإنجاح سياساته أو مواجهته بتكتل آخر.