الأولىالعالم

تأزم متزايد أم تطبيع بمحددات جديدة ‏

عباس ميموني/الأناضول

 

لا تزال العلاقات الجزائرية الفرنسية، داخل نفق مظلم تسبب فيه الرئيس إيمانويل ماكرون بتصريحات مسيئة، ومع صعوبة ‏التكهن بمآلات الأزمة، يتوقع محللون بروز محددات جديدة للتطبيع بين البلدين ومنذ استدعاء الجزائر سفيرها لدى باريس في 2 أكتوبر الماضي، لم تظهر أي مؤشرات عن تطبيع محتمل ‏للعلاقات.‏

وجاء سحب السفير الجزائري، على خلفية تصريحات نقلتها صحيفة لوموند عن الرئيس الفرنسي، يتساءل فيها “عما إذا كانت ‏هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي (1830-1962”.واتهم ماكرون النظام الجزائري، بالاستثمار في “ريع الذاكرة” وتنمية الضغينة تجاه فرنسا. وإثر ذلك، قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حظر تحليق الطيران العسكري الفرنسي العامل في الساحل الإفريقي ضمن ‏قوة برخان، في الأجواء الجزائرية وحتى نشر التقرير، لم تعلن الجزائر عودة سفيرها عنتر داود إلى باريس.‏

من الواضح أن الرئيس الفرنسي، تسبب في أخطر أزمة بين البلدين، منذ عدة سنوات، حيث أكد الرئيس الجزائري أنه “لن يكون ‏المبادر للتهدئة”.‏

فيما نقلت المجلة الألمانية “شبيغل” مطلع نوفمبر المنصرم الجاري، في مقال تضمن مقابلة مع تبون، أن الأخير يرفض الرد ‏على اتصالات من نظيره الفرنسي. واعتبر تبون في هذه المقابلة تصريحات ماكرون “خطيرة جدا”، وقال: “لا ينبغي المساس بتاريخ الشعوب، ولا يجب أن يهان ‏الجزائريون”.‏

وأكد أنه لن يبادر بتخفيف الأزمة، لأنه “لا يوجد جزائري سيقبل أن استأنف الاتصالات مع من أطلقوا هذه الشتائم”، مضيفا: “لا ‏ينبغي المساس بتاريخ الشعوب، ولا يجب أبدا إهانة الجزائريين”، وحسب ما كشفته صحيفة “لوبينيون الفرنسية”، رفض الرئيس الجزائري الرد على اتصال نظيره الفرنسي الذي كان يريد دعوته ‏لحضور مؤتمر باريس حول ليبيا قبل أسبوعين، وشاركت الجزائر في المؤتمر، بوزير الخارجية رمضان لعمامرة، الذي أكد أن “الحضور، كان من أجل دعم الليبيين وليس لشيء ‏آخر”. ‏

ولم يشهد سير لعمامرة إلى باريس أي لقاء بينه وبين نظيره الفرنسي، جون إيف لودريان. هذا الأخير، قال لصحيفة لوموند الجمعة الماضي، إن “بلاده تطمح لعلاقة ثقة مع الجزائر، تتجاوز الجروح المرتبطة بالذاكرة ‏والتي تظهر من حين لآخر”. ‏

وسبق هذا التصريح بيان لقصر الإليزيه، جاء فيه أن “الرئيس (ماكرون) يأسف للخلافات وسوء الفهم” الذي نجم عن التصريحات ‏المذكورة، مضيفًا “أنه يحترم كثيرا الأمة الجزائرية وتاريخها وسيادة الجزائر”. واعتبرت الجزائر محتوى البيان “معقولا”، مثلما صرح وزير الخارجية رمطان لعمامرة. ‏

ازدواجية في الخطاب الرسمي الفرنسي

وفي غياب خطوات ملموسة لتجاوز الأزمة باستثناء بيان الإليزيه وتصريح لودريان، يبقى المستقبل القريب للعلاقات الثنائية بين ‏البلدين مفتوحا على جميع الاحتمالات، بما فيها زيادة حدة الأزمة. ‏

ويعزز مراقبون هذا السيناريو، انطلاقا من استعداد ماكرون لتحمل علاقات متأزمة مع الجزائر إلى غاية الانتخابات الرئاسية ‏المقبلة، طمعا في أصوات اليمين المتطرف المعادي للجزائر. وفي السياق، يؤكد المؤرخ عامر رخيلة للأناضول، وجود ازدواجية في الخطاب الرسمي الفرنسي تجاه الجزائر “بين التودد ‏والتهدئة، وبين اقتراح مشروع قانون اعتذار وتعويض للحركى الذي قتلوا وعذبوا الجزائريين إبان الثورة التحريرية (1954-‏‏1962)». ‏

ويشاطر أستاذ العلوم السياسية، إدريس عطية، هذا السيناريو، بالنظر للحملة المسبقة للرئاسيات الفرنسية والتي “تشهد تصريحات ‏غير مقبولة وغير مسبوقة تجاه الجزائر”. وقال عطية: “هذا التوظيف غير المقبول للجزائر في هذه الحمى الانتخابية لن يدفع تجاه تطبيع العلاقات، التي ربما ‏تتجه نحو تأزيم أكبر في انتظار وصول قادة جدد للإليزيه غير متشبعين بالفكر الاستعماري القديم أو منطق الأبوية”. ‏

وأكد أستاذ العلوم السياسية أنه “لا يمكن أبدا اعتبار بيان الأسف الصادر عن الرئاسة الفرنسية اعتذارا، وما هو سوى مجرد ‏مناورة لإعادة العلاقات بعيدا عن التاريخ والأبعاد السياسية العميقة”. ويستند عطية في قراءته لواقع العلاقات بوجد عوامل تأزم لدى الجانب الفرنسي “كعدم الجدية في معالجة الذاكرة، والتصرفات ‏المسيئة للسيادة الجزائرية، ناهيك عن إيواء باريس قادة حركة ماك الانفصالية التي صنفها القضاء الجزائري الصيف الماضي ‏منظمة إرهابية ومحاولة توظيف أشباه معارضين للضغط وابتزاز الدولة الجزائرية”. ‏

علاقات الجزائر وفرنسا تمر بأسوأ فتراتها

الخبير الدولي في الأزمات، حسان قاسيمي، يعتقد من جانبه، أن علاقات الجزائر وفرنسا تمر بأسوأ فتراتها، “وحتى وإن استأنفت ‏فلن تعود كما كانت”.ويقصد المتحدث، حسب توضيحه للأناضول أن “الجزائر ليست تلك المحمية الفرنسية بالمعنى السياسي والتي توفر لها امتيازات ‏اقتصادية خاصة”.‏

وتابع: “جزائر اليوم ليست جزائر فال دوغراس”، في إشارة إلى المستشفى الفرنسي الذي عالج فيه الرئيس السابق عبد العزيز ‏بوتفليقة، سنة 2013. وقال قاسيمي: “فرنسا قامت بابتزاز الرئيس السابق (عبد العزيز بوتفليقة)، بعلاجه وملفه الصحي مقابل الحصول على امتيازات ‏بملايين اليوروهات”. ‏

ويؤكد أن العلاقات ستستأنف حتما، ولكن وفق محددات جديدة، خاصة وأن الجزائر قطعت أشواطا معتبرة، في بناء علاقات مع ‏شركاء جدد داخل الاتحاد الأوروبي كألمانيا، إيطاليا وإسبانيا، ناهيك عن تقوية العلاقات الاستراتيجية مع روسيا والصين وتركيا. ‏

وتابع: “جزائر اليوم تمنع تحليق الطيران العسكري الفرنسي في أجوائها، وتجعله يقطع رحلة بتسع ساعات بدل أربع ساعات وهو ‏مؤشر واضح على تبنى قواعد جديدة في التأسيس لعلاقات تقوم على الندية والاحترام المتبادل وليس على الامتيازات المجانية”. ‏

وفي وقت سابق، دعا رئيس مجلس الأمة ، صالح قوجيل، إلى ضرورة “توضيح” العلاقات ‏الجزائرية، “في ظل بروز بقايا الاستعمار الفرنسي، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية من أحزاب وجمعيات كانت ‏متخفية”. ‏

وقال قوجيل، في كلمة أعقبت جلسة التصويت على ميزانية 2022، بأنه “من المستحيل أن تقبل الجزائر بالخطاب الذي يسبق ‏الحملة الانتخابية الفرنسية والمبني على مغازلة المعمرين (المستوطنين) الذي كانوا في الجزائر إبان الفترة الاستعمارية”. ‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى