بما أن الصحوة الاجتماعية في أصلها فلسفة أخلاق وتطور فكري ووعي مجتمعي, وفي نفس الوقت استفاقة ثورية شعبية إن صح التعبير, فرضتها المتغيرات العالمية والتموقع المصلحي والتكنولوجيا الحديثة, والتكالب الغربي وازدواجية المعايير, وترهل الإنسانية بسبب القطبية العالمية, وفرض هيمنة سياسية واقتصادية على دول العالم الثالث, ومتناقضات دبلوماسية وسياسية عرت الصهيونية الصليبية و دعاتها, وفضحت طلائع الفتن الموجهة للأمة العربية و الإسلامية والعمق الإفريقي, وزرع النعرات في إفريقيا, وبما أن الجزائر كانت وما تزال مستهدفة من طرف قوى ظلامية ضاغطة, بسبب سياستها النزيهة وتعاطفها ومساندتها للقضايا العادلة في العالم, إلا أنها استطاعت أن تتعامل مع هذه المتغيرات السلبية بحكمة, دون أن تفقد توازنها السياسي والدبلوماسي, وهذه حكمة وسياسة رشيدة يشهد لها بها العالم الحر وكل محبي السلام, بحيث استطاعت من خلالها أن تقلب الموازين السياسية وأن تحصد تعاطفا كبيرا, دوليا وشعبيا وخاصة في معركتها النضالية ضد فرنسا لارغامها على التعويض و بالاعتراف بجرائمها في حق الشعب الجزائري وخاصة قضية التجارب النووية وأماكن دفن نفاياتها السامة في الصحراء الجزائرية.
الشعب الجزائري اليوم بكل فئاته ومن خلال معايشته لهذا الوضع، والتجارب التي عايشها والويلات التي مر بها من فتن الحركات الإرهابية المسلحة والتيارات المتطرفة بداية مع حركة مصطفى بويعلي في الثمانينات إلى العشرية السوداء, أدرك يقينا أن بلاده مستهدفة, وأن هذه الأيديولوجيات السامة الظرفية ماهي إلا فقاعات أتت بها رياح السموم بإتجاه من ولاءهم للخارج ويريدون التغيير بسفك الدماء وتقسيم الأمة ببنادق أجندات أجنبية, فهناك أسئلة كثيرة طرحت منها من مون الشباب الجزائري للسفر من الجزائر إلى إسلام أباد؟ ومنها إلى مخيمات بيشاور للجهاديين ثم العبور للجهاد في أفغانستان؟ وبالرغم من إنها فتنة كادت تطول لعودة هؤلاء الشباب إلى الجزائر بعد تلقيهم تدريبات عسكرية, إلا أنها غيرت الأفكار وأزاحت الضبابية وبينت أمورا كانت مفاتحها غائبة, ومن هنا بدأ الحس يتطور والوعي المجتمعي يزداد قوة, وهذا ما تفسره الحركات الاحتجاجية الكثيرة التي عرفتها الجزائر, والتي كان فيها الشباب الجزائري واعيا في كل تصرفاته, وطنيا في أفكاره, ديمقراطيا في تعامله مع محيطه وروحيا متزنا في شعاراته.
هذه الصحوة الاجتماعية غيرت الكثير من المفاهيم الجامحة والفلسفات المتنطعة, والفكر الديني الموجه والمركز, وباتت أكثر اتزانا في نظرتها للواقع بكل أبعاده, فأصبح الفكر الإصلاحي أكثر انتشارا, الذي غير الخطاب الديني المتشدد وأطاح بأغلب الفتاوي الموجهة لإحداث تصدع بين صفوف المسلمين, وتشكيكهم في دينهم, ومن فوائد هذه الصحوة تكسير شوكة العصابة والموالين لها, التي أرادت إحداث فوضى في البلاد لاحتكارها للسلع ذات الاستهلاك الواسع, كما أن الخطاب المسجدي لعب دورا مهما في التحسيس ونشر الوعي المجتمعي, وهذا بفضل مجهودات وتعليمات الوزارة الوصية ومتابعة مديرياتها الولائية.
بلخيري محمد الناصر