
اعتقد الإسرائيليون أن العرب ضعفاء ويعيشون مرحلة خضوع الشعب العربي ونهاية الأمة العربية وسيطرة «شعب الله المختار» عليهم وإقامة «إسرائيل العظمى»، فازدادوا طمعاً وصلفاً وتصلباً واستهتاراً وغطرسةوعنصريةوإجراماً.
وخرجت بعض أطماعهم من السر إلى العلن، فأعلنوا عن رغبتهم في السيادة على المسجد الأقصى مقدمة لهدمه وبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه وجعل القدس عاصمة اليهود والعالم.
جاءت الانتفاضة بعد تسع سنوات من المفاوضات العقيمة والمذلة وغير المتكافئة وبرعاية يهود أميركا، وبعد توقيع عدة اتفاقيات فرضتها «إسرائيل» والراعي الأميركي المنحاز وتنصلت منها بحجة أن المواعيد غير مقدسة وإندلعت الانتفاضة في ظل الضغوط الأميركية والإسرائيلية المذلة وتنازلات القيادة الفلسطينية المستمرة والتزامها باتفاقيات الإذعان في أوسلو وعدم التزام «إسرائيل» بها.
وانفجرت على التزام السلطة بالتخلي عن المقاومة ومواجهتها ونعتها بالإرهاب وعدم قناعة الشعب الفلسطيني بجدوى المفاوضات والرعاية الأميركية اليهودية لها.
وعبّرت عن حالة الاضطهاد والقهر والممارسات الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وعن الخديعة الكبرى لاتفاقات كمب ديفيدوأوسلو ووادي عربة وعن التراجع السياسي لقضية فلسطين في الساحتين الإقليمية والدولية.
وإستمدت الانتفاضة استمراريتها من الشارعين الفلسطيني والعربي، ومن مواكب آلاف الشهداء الأبرار ومئات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والتي تجعل من محاولة إجهاض المقاومة أمراً مستحيلاً. فالحديث عن إجهاضها في نظر المواطن العربي خيانة، لأنه لم ينس بعد الانتفاضة الأولى التي استمرت سبع سنوات وفشلت «إسرائيل» في اخمادها، فأجهضهاعرفات في دهاليز أوسلو المظلمة والظالمة.
إن المقاومة أصبحت حتمية استراتيجية بعد فشل الحلول السياسية التي أملتها «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية وبعد إحتلال وضم القدس والجولان والاستمرار في الاستيطان والقتل والتدمير وإحراق المتازل والسيارات والمزارع في حوارة وترمسعيا واللبن وجنين ونابلس وأريحاوالقدس وشعفاط.
إن المحادثات والاتصالات الأمنية والسياسية العلنية والسرية التي أجرتها بعض قيادات السلطة الفلسطينية مع العدو الإسرائيلي تعتبر بمثابة التفاف على نضالات الشعب الفلسطيني وتفريط بدماء شهدائه وتضحيات أبنائه. وإن عمليات المقاومة وتصعيدها وتسليح الضفة والعودة الى الميثاق هي الوسيلة الوحيدة لاقتلاع الاستعمار الاستيطاني اليهودي وكنس الاحتلال والابارتايد الإسرائيلي.
نبذ ياسر عرفات في بيانه بجنيف عام 1988 الكفاح المسلح ونعته بالإرهاب، ووثقت «إسرائيل» ذلك في اتفاق الإذعان في أوسلو بتاريخ 13/9/1993 وتوابعه.
وأدى موقف القيادة الفلسطينية إلى بروز التباين بين حركة فتح والفصائل الأخرى حول وسائل النضال الفلسطيني وأهدافه والتمسك بإتفاق وسلطة اوسلو والتنسيق الامنيمع العدو المحتل.
وأصبح الخلاف بين أنصار أوسلو ومعارضيه يتمحور حول الموقف من الكفاح المسلح، لا سيما وإن اتفاق أوسلو يلزم السلطة وأنصارها بملاحقة المعارضين للاتفاق، والمؤمنين بالكفاح المسلح وتحرير القدس وعودة اللاجئين.
ولم يقتصر الخلاف داخل الفصائل الفلسطينية حول الكفاح المسلح فقط وإنما تعداها إلى أهداف النضال الفلسطيني، وطبيعة النظام السياسي الفلسطيني وعلاقاته وتحالفاته الإقليمية والدولية وآفاق التسوية النهائية مع «إسرائيل» والتمسك بالتسوية.
إن الوحدة الوطنية الفلسطينية، ووحدة الشعب الفلسطيني، والتوافق والإجماع الفلسطيني يتطلب من قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية إعادة النظر في نظرتها للحل النهائي والتحالفات التي أقامتهاوالعودة الى الميثاق وخيار المقاومةحتى عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم والمستوطنين الغزاة لاوطانهو.
إن الجريمة الوطنية والقومية والدينية والقانونية الكبرى التي ارتكبها نهج أوسلو تجسدت في اعترافه بالكيان الصهيوني وفي تخليه عن المقاومة والكفاح المسلح وإلغاء الميثاق والمقاومة المسلحة وإدانتهاوتأجيل قضية القدس والمستوطنات واللاجئين إلى مفاوضات الحل النهائي وقبل تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني خلافاً لما حصل مع حركات التحرير الوطني والمقاومة ضد القوى الاستعمارية والانظمة العنصرية والاستيطانية في العالم.
د.غازي حسين