تقوم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة على أساس السيطرة على مصادر الثروات الطبيعية وفي طليعتها النفط والغاز وتهويد القدس بشطريها المحتلين وبقية فلسطين، والتصدي لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وليبيا، ومواجهة حركات التحرر الوطني والأنظمة الوطنية والقومية، والإطاحة بها ومشاركة العدو الإسرائيلي في حروبه العدوانية، والدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان ومزارع شبعا في جنوب لبنان، والمحافظة على النفوذ الغربي في المنطقة وتقوية “إسرائيل” سياسياً واقتصادياً وعسكرياً والتطبيع معها كقائد ومركز للشرق الأوسط الجديد، ومحاربة العروبة والإسلام وحركات التحرر والمقاومة.
تبنّت الولايات المتحدة الاستراتيجيات التي وضعتها إسرائيل في الخمسينيات والستينيات والثمانينيات من القرن الماضي لتفتيت الدول العربية الكبيرة كالعراق والسودان وسورية وليبيا وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد ورسم خريطة للمنطقة أسوأ من خارطة سايكس بيكوبالتعاون والتنسيق الكاملين مع آل سعود وجماعة الإخوان المسلمين وجامعة الدول العربية، ورفع الرئيس أوباما الدفاع عن كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي “إسرائيل” إلى مرتبة القداسة الدينية.
فرص الحصار والعقوبات الاقتصادية
إنَّ انطلاق الإدارات الأمريكية من هذه الاستراتيجية يجعلها تحدد أساليب السياسية، والاقتصادية والعسكرية، وفرص الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تتبعها في هذه المنطقة، وتلقى سياسات وممارسات إسرائيل الاستعمارية والإرهابية والعنصرية التأييد والدعم الكاملين من الولايات المتحدة داخل الأمم المتحدة وخارجها وممن أسمتهم رايس وأسماهم أولمرت بالمعتدلين العرب وعلى رأسهم آل سعود وآل ثاني ونهيان لبيع فلسطين لليهودية العالمية.
تناضل الجماهير العربية وحركات المقاومة من أجل تحقيق وتوطيد الاستقلال الكامل بنوعيه السياسي والاقتصادي ومن أجل استغلال النفط من قبل العرب ولمصلحة العرب من أجل بناء حياة أفضل للأجيال العربية القادمة، وتعزيز وترسيخ التضامن والتعاون والتنسيق العربي وصولاً إلى تحقيق الوحدة العربية. وتصطدم خلال عملية النضال هذه بالإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية والرجعية العربية وتقف الولايات المتحدة على رأس الدول الاستعمارية التي تقاوم حقوقا ومصالح وأهدافا وآمال وأحلام الشعوب العربية الإسلامية.
وتلتقي مصلحة الولايات المتحدة و “إسرائيل” في مقاومة أهداف الجماهير العربية والإسلامية وعرقلة التنمية والتطور والاستقرار والازدهار بجميع الوسائل المتوفرة لديها بما فيها الحروب العدوانية. ويتحدد الموقف الأمريكي من قضية فلسطين وبقية القضايا العربية والإسلامية في المنطقة انطلاقاً من التناقض الحاد بين المصالح الإمبريالية والصهيونية وبين حقوق ومصالح شعوب المنطقة. وتلعب قوة اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة وازدواجية ولاء اليهود مع أولوية ولائهم لإسرائيل وقوة نفوذ اليهود الانتخابية والمالية والإعلامية دوراً أساسياً في تصعيد الموقف الأمريكي المعادي لقضية فلسطين وللعروبة والإسلام وحركات المقاومة.
وتعادي الإدارات الأمريكية حركات التحرر الوطني العربية وحركات المقاومة وتحارب نضال الشعوب من أجل التحرر وممارسة حقها في تقرير المصير دون التدخل الخارجي.
وتحارب “إسرائيل” أيضاً حركات المقاومة، وتعتبرامتداداً للغرب وتتعاون مع الإمبريالية الأمريكية وبقية الدول الغربية والصهيونية العالمية وبعض الأنظمة العربية وجامعة الدول العربية للقضاء عليها أو لإضعافها وترويضها ومحاربة تغيير توجهاتها.
وتبدي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً بالغاً بالمنطقة وتعتبرها حيوية جداً للأمن القومي الأمريكي لوجود “إسرائيل” وكميات هائلة من النفط والغاز فيها، ويجلب النفط والغاز والأسواق العربية الأرباح الأسطورية لشركات النفط الأمريكية وللصناعات الحربية ومصدر أساسي لتزويد أوربا الغربية وحلف الناتو الطاقة النفطية والغاز، وتولي واشنطن المنطقة اهتماماً بالغاً لموقفها الاستراتيجي الهام وقربها من أوربا ولوجود قناة السويس وخليج هرمز وباب المندب وخليج العقبة ومضيق البوسفور فيها.
دور الشرطي العالمي
وتقوم الولايات المتحدة بالتعاون مع العدو الإسرائيلي وفرنسا وبريطانية بدور الشرطي العالمي للمحافظة على مصالح الدول الاستعمارية و “إسرائيل” في المنطقة واستغلال ثروات شعوبها وفي طليعتها النفط والغازوعقد صفقات الأسلحة الضخمة مع دول الخليج العربية للتخفيف من الأزمات الاقتصادية في أمريكا وبريطانية وفرنسا.
ونشرت العديد من القواعد العسكرية فيها ونقلت غرفة العمليات المركزية للجيوش الأمريكية الوحيدة من فلوريدا إلى قاعدة العديد من قطر لخدمة مصالحها ومصالح “إسرائيل” المعادية لمصالح شعوب المنطقة وجميع الشعوب في العالم.
فرضت الولايات المتحدة قرارتقسيم فلسطين رقم 181 واستغلته بالتعاون ،والتنسيق الكاملين مع اليهودية العالمية لتأسيس إسرائيل باستغلال معزوفتي اللاسامية والهولوكوست وصوَّرت اضطهاد النازية على أنَّه لليهود فقط كما بالغت كثيراً في أعداد الضحايا وتناست الآخرين.
وحاولت تشكيل عدة أحلاف عسكرية للمحافظة على مصالحها النفطية وقواعدها العسكرية وإسرائيل ومنها الناتو وحلف بغداد ومبدأ أيزنهاور واتفاقات الادعانفي كمب ديفيد وأوسلو والتطبيع والإبراهيمية.
وكان الهدف من تشكيل الأحلاف العسكرية المحافظة على مصالح أمريكا النفطية ونشر قواعد عسكرية على حدود الاتحاد السوفيتي وحماية إسرائيل وممارسة الضغوط القوية على سورية ومصر إدخالهما في هذه الأحلاف والقضاء على الوحدة العربية وتحرير القدس والعمل العربي المشترك.
وأكدت الصحف الأمريكية ومنها نيويورك بوست الصادرة في 3/1/1957 أنَّ “الهدف من مبدأ أيزنهاورهوحماية المصالح البترولية للغرب في الشرق الأوسط والتعاون مع الأصدقاء في المنطقة وإنذار البلدان العربية بأنَّ لا تؤمم امتيازات النفط التي تملكها شركات النفط الأمريكية”
ووضع بن غوريون حلف الطوق برعاية الولايات المتحدة لوأد الوحدة العربية ومحاربة العروبة والإسلام وفبركة إسلام أمريكي بمساعدة وتمويل السعودية.
فشلت استراتيجية الأحلاف العسكرية كما فشل أيضاً مبدأ أيزنهاورلذلك تواطأ الاستعمار الأمريكي مع إسرائيل والسعودية للقيام بحرب حزيران العدوانية عام 1967.
الحرب العدوانية
وازداد موقف الولايات المتحدة عداءً للعرب وتأييداً لإسرائيل بعد الحرب العدوانية، لأنَّ مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية والنفطية موجودة في البلدان العربية وبدلاً من القضاء عليها بعد الحرب العدوانية ازدادت هذه المصالح وازدادت تبعية دول الخليج العربية للإمبريالية الأمريكية واستعدادهم لإعطاء القدس وفلسطين لليهودية العالمية للمحافظة على كراسيهم بإرضاء الولايات المتحدة والصهيونية العالمية.
لقد صوّرت اللوبيات اليهودية للرؤساء الأمريكيين أنَّ إسرائيل هي الحامي والمدافع عن المصالح الأمريكية في المنطقة وهي العصا الغليظة بيد الولايات المتحدة لتأديب كل من يتمرد على السياسات الأمريكية، ورأت الولايات المتحدة ضرورة دعم إسرائيل دعماً مطلقاً لأنَّ مصالحها لم تتأثر بعد حرب حزيران على الرغم من الدور الأمريكي في الحرب ودور واشنطن في الدفاع عن نتائجها داخل الأمم المتحدة وخارجها.
إنَّ السيطرة العالمية هي، الأمريكية الشاملة وسيطرتها على الشرق الأوسط تعتبر أهم عناصر هذه الاستراتيجية. وتسخّراستخدام القوة بإشعال الحروب العدوانية أو التهديد باستخدامها.
والعقوبات الاقتصادية والإطاحة بالأنظمة الوطنية والقومية التي لاتروق لها وصناعة الرؤساء والقيادات لتحقيق استراتيجتها.
لذلك وقَّعت العديد من معاهدات التحالف الاستراتيجي مع “إسرائيل” عدوة الوطن والمواطن وعدوة الله والرسل والعروبة ومع السعودية والإمارات العربية والبحرين وغيرها لتحقيق التطبيع والإبراهيمية واستراتيجيتها الشاملة المعادية لحقوق ومصالح شعوب المنطقة والمخالفة لأبسط مبادئ الحق والعدالة والإنصاف ومبادئ القانون الدولي، مما أدى إلى فشل الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط لأنَّها موجّهة ضد عروبة القدس وفلسطين والمصالح الحيوية وحقوق الشعوب العربية والإسلامية مما أدى إلى فشلها والقضاء على هيمنة القطب الواحد وبروز تعدد الأقطاب العادل في العلاقات الدولية ومصير الإمبراطورية الأمريكية إلى الزوال والتقوقع على نقسها.
د. غازي حسين