أقلام

تقدير موقف..7‪ ‬أكتوبر المفاجأة وغفلة العدو المتذاكي‬

رامي أبو زبيدة

عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر لا يزال صداهما يتردد في أروقة مؤسسات الكيان الأمنية والعسكرية، فقيادة العدو لم تتوقف لحظة عن البحث والتحليل والتعليل ، وما بين تضارب تحقيقات وأقوال العدو وشهاداته حول عملية طوفان الأقصى وقدرة القسام النوعية في مفاجأة العدو وامتلاك مركبات القوة والقدرة متعددة الأطراف والأبعاد، لكن محصلة هذه التحقيقيات كما ترى وسائل إعلام العدو المختلفة هو وجود جمود فكري لدى جهاز الاستخبارات، الجيش والشاباك على رأسه‪.‬‬
يقول ضابط كبير عمل في تحقيقات 7 أكتوبر: “إن تقرأ الوثائق التي أعدت قبل الهجوم فإنك تمر بتجربة صادمة، محبطة وحزينة جدا، فأنت تكون وكأنك في فيلم نهايته معروفة، تمزق شعرك كيف يمكن أن يكون كل هؤلاء الأشخاص في قيادة المنطقة الجنوبية، وفي هيئة الأركان، وفي قيادة الشاباك أو في قيادة 8200 لا يرون ما يجري!؟‪”‬‬
تبعات طوفان الأقصى مازال مستمر لأن هكذا عمل يشمل قدرًا كبيرًا من المعلومات حول العوامل المسبّبة له، لكن الثابت بهذه العملية الكبيرة تحوَّلها إلى مشكلةٍ استراتيجيَّةٍ في ساحة المعركة نتيجة الإِخفاقات الاستخباراتيَّة، والفشل في اتّخاذ القرار، وقلت في حينها إن ما أحدثته معركة طوفان الأقصى من إخفاق استخباري وميداني، ستسهم في خلق مشاكل خطيرة وزيادة الشك في كل عمل استخباري ذات نطاق واسع‪.‬‬
لقد كانت فرص المفاجأة الاستراتيجية، بحكم طبيعة المواجهة المفتوحة مع الاحتلال محدودة بدرجة أو بأخرى، فغزة يطبق عليها الحصار والاستحكام الإسرائيلي، وأهداف المقاومة في تغير الوقائع على الأرض معلنة وغير خافية، والطبيعة الجغرافية لقطاع غزة والاتجاهات الممكنة للهجوم شبه محددة بالضرورة‪.‬‬
فالمفاجأة بمعناها الاستراتيجي الجذري والجوهري غير سهلة إن لم تكن شبه مستحيلة، ومع ذلك فقد انتزعت قيادة المقاومة المفاجأة بجدارة بدرجة حققت كل أهدافها وتركت العدو في حالة تامة من العمى ثم التخبط فالذهول فاللوعة‪ .‬‬
ومازال الجميع يتساءلون في كل الدنيا عن ذلك السر الغامض والمحير الذي اعمى الإسرائيليين عن كل علامات المعركة ومؤشراتها ونذرها وهي التي كانت “تحملق في عيونها بشدة‪”‬‬
يقول الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت في قراءة نشرتها صحيفة “معاريف” إن الغطرسة وتجاهل التحذيرات أدى إلى فشل مستمر وأن فريق التحقيق جمع وثيقة مذهلة من 1000 صفحة حول واحدة من أعظم إخفاقات الاستخبارات في التاريخ‪.‬‬
والحق أن المرء كلما ازداد إمعانا في التفكير في قضية المفاجأة، لم يملك إلا أن يزداد تعجبا وإعجابا: تعجبا من غفلة العدو المتذاكي، وإعجابا ببراعة الخطة العسكرية للمقاومة الفلسطينية الكتومة، مجموعات عسكرية كبيرة للمقاومة بكل معداتها وبكل تجهيزاتها تتحرك تحت ستار المناورات وتتخذ أوضاعا هجومية، كل ذلك على مسرح عملياتي مكشوف، وتحت سمع العدو وبصره بل تحت أنفه، كيف يمكن إخفاء كل هذا، وكيف يخفى كل هذا؟
على أية حال، تشكلت أركان هذه المفاجأة ببراعة عسكرية منقطعة النظير، من ناحية عامل السرية الذي كان مكفول بدرجة فذة، كما سارت عملية الخداع الاستراتيجي للعدو حسب تخطيط كفء طويل المدى‪.‬‬
هذا عن السرية والتمويه، أما عن التوقيت فقد اختارت الخطة لساعة الصفر توقيتا مرنا ذكيا وبارعا شل الجهاز العصبي لقيادة العدو برغم كل مخابراته وادعاءاته ، حيث كان منشغلا بنشاطاته وأعياده التي تصاب فيها حياته بشلل تام، عدا عن غرور العدو الأكبر والأبقى ذلك الذي وصل به إلى حد استبعاد تجاسر القسام على المبادرة الواسعة‪.‬‬
بكل هذا وبغيره تم تحقيق المفاجأة الكاملة للعدو، تلك التي أطارت صوابه ووضعته لفترة ثمينة وحرجة في حالة من انعدام الوزن عسكريا وسياسيا ، ورغم كل ما قيل من أن العدو تنبه لاحتمالات الهجوم يوم 7 أكتوبر أو علم به قبل وقوعه بساعات قليلة ، كما كشفت التقارير العبرية عن اعتراف مكتب نتنياهو بتلقي تحديثات بشأن التطورات على الحدود مع قطاع غزة، فقد كان سلوك العدو الميداني في الساعات الأولى من الهجوم، كما أحست به قيادة المقاومة نفسها، دليلا عمليا على أنه أخذ بالمفاجأة تماما‪.‬‬
ترجع التحقيقات الأخيرة الفشل الاسرائيلي حول يوم 7 أكتوبر بشكل كبير للمفاجأة .. فالعدو بعد أن صعقته ضربة القسام، وإنقاذا لسمعته العسكرية التي تحطمت، راح يبرر النصر القسامي بعامل المفاجأة وحده، وانه لولاه لما هزم ولا انتصر كما تعود ، إلى أخر هذه النغمة الدعائية غير المجدية وغير الصحيحة‪ .‬‬
وفي الوقت نفسه فقد اكتشفت إسرائيل أن منطق التبرير هذا هو اعتراف ضمني منها على الأقل بعجز وفشل أجهزة استخباراتها التي تمرغت سمعتها في التراب، وخواء قدراتها التجسسية التي طالما تباهت بها. لقد وجد قادة الاحتلال أنفسهم على الحالين، كالمستجير من الرمضاء بالنار‪.‬‬
ختاما نحن أمام رأيان متعارضان لدى الاحتلال بصدد عوامل هزيمة 7 أكتوبر : رأي مخادع يلقي اللوم والمسئولية كاملة على الاستخبارات الإسرائيلية، ورأي أكثر صراحة يعتبر مسؤولية الاستخبارات جزئية فقط والخطأ أوسع منها واشمل وان هناك نقص في الرؤية وفي الواقعية على جميع المستويات‪.‬‬
على أية حال، فليس صحيحا أن فشل الاحتلال المدوي يرجع إلى عامل المفاجأة وحده، كما يحاول هو أن ينظر ليثبت أن الأمر كله كان فلتة ومجرد مصادفة لا تتكرر. فهذه ليست إلا محاولة يائسة كما هي بائسة من جانب الاحتلال لتغطية فشله وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من روحه العسكرية المنهارة ، والواقع الذي لا يريد أن يقر به الاحتلال أن المفاجأة على أهميتها القصوى ليست إلا عنصرا واحد فقط من مركبات القوة والقدرة لدى المقاومة متعددة الأطراف والأبعاد‪ .‬‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى