د.غازي حسين
انتصرت القيم والمبادئ الإنسانية التي أرستها شعوب العالم بعد المآسي والويلات التي سببتها الحرب العالمية الثانية وتجسدت في العديد من العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية.
انتصر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للشعب الفلسطيني بالموافقة على تقرير غولدستون, الذي يتضمن اتهام “اسرائيل” بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب على غزة في 2014.
وصوتت 25دولة بالموافقة على التقرير، وعارضته ست دول، منها خمس دول أوروبية والدولة السادسة هي الولايات المتحدة الأميركية الشريك والحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني في حروبه على فلسطين وبقية البلدان العربية. وامتنعت 16 دولة عن التصويت من بينها فرنسا وبريطانيا.
وأوضح القاضي غولدستون أن اللجنة استعانت في تحقيقاتها بأشرطة وثائقية وصور مصورة بالأقمار الصناعية. وبعد منع “إسرائيل” اللجنة من زيارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها المباشرة، استمعت لشهادات بعض إسرائيليين المنقولة عبر الهاتف وقال: “الدلائل واضحة كما شوهدت على الأرض, هنالك سياسات متعمدة وعمليات عسكرية اتبعت عن قصد، كقصف مسجد إبراهيم المقاومة” ونفى أن يكون في المسجد أي مسلحين أو أسلحة، لأنه لم تحدث أي انفجارات بعد القصف الذي راح فيه عدد كبير من الضحايا وهم يصلون.
وقال إن بإمكان “إسرائيل” قصف المسجد خارج ساعات الصلاة إذا كانت تقصد تدمير الأسلحة فقط.
وصوتت لصالح القرار. جميع دول أمريكا اللاتينية الأعضاء في المجلس وهي: كوبا، نيكاراغوا, البرازيل, الأرجنتين، تشيلي وبوليفيا.
الشكر لدول أمريكااللاتينية، والخزي و العارلازدواجية المعايير حول القانون الدولي العام والانساني لدول الاتحاد الأوروبي, والولايات المتحدة الذين يتشدقون بحقوق الإنسان وينحازون انحيازاً أعمى لمجرمي الحرب الإسرائيليين.
التقرير ضربة مؤلمة للكيان الصهيوني، لأنه يؤكد انتهاك الجيش الإسرائيلي للقانون الدولي الإنساني وارتكابه جرائم حرب، وذلك لأول مرة في تاريخه.
تطرق التقرير إلى العقوبات الجماعية المحرمة دولياً على غزة وإغلاق المعابر بما فيها معبر رفح، مؤكداً أن الحصار الجائر منع دخول البضائع، وقطع إمدادات الوقود والكهرباء.
وأدى الحصار إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية الصحية والتعليمية، وانقطاع المياه والخدمات الأخرى.
ويذكر أن “إسرائيل” شنت عدة حروب وهجمات على مبان وأفراد، وقتلت عدداً كبيراً من المدنيين. وقصفت مبنى المجلس التشريعي، والسجن المركزي في غزة، وأن لجنة تقصي الحقائق ترفض الموقف الإسرائيلي الذي يرى في هذه المنشآت جزء من البنية التحتية لحماس.
وأشار التقرير إلى القصف الإسرائيلي لمراكز الشرطة الذي أدى إلى استشهاد 240 شرطياً, وقال إن قصفهم ينتهك القانون الإنساني الدولي.
وبرأ التقرير حركات المقاومة من مزاعم (أكاذيب) صهيونية حول اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية، وأكد أن اللجنة لم تجد دليلاً على مزاعم بأن المقاتلين شنوا هجمات من المستشفيات، أو أنهم اتخذوا سيارات الإسعاف وسائل لنقل المقاتلين، كما أكد عدم لجوء المقاتلين للاختباء في مقرات الأمم المتحدة في غزة أثناء العمليات العسكرية.
وأشار التقرير إلى القصف الإسرائيلي لمقر وكالة غوث اللاجئين، وعده انتهاك للقانون الدولي.
وانتقد التقرير الهجوم الإسرائيلي على مستشفى الشفاء, واستخدام قنابل الفوسفور الأبيض، والقذائف المسمارية، وأشار التقرير إلى تقارير عن أطباء فلسطينيين وأجانب تقول إن الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل “دايم” ضد المدنيين وهي قنابل محرمة دولياً ومحظور استخدامها في القانون الدولي.
وتطرق إلى هجمات الجيش الإسرائيلي على مرافق الحياة المدنية في قطاع غزة كتدمير البنية الصناعية، والإنتاج الغذائي، ومنشآت المياه ومعالجة الصرف الصحي و السكن، وهو ما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي،. ويمكن أن يشكل جريمة حرب بحسب التقرير.
لقد رفضت “إسرائيل” منذ البداية السماح للجنة تقصي الحقائق الدولية بالتحقيق، ورفضت التقرير، كما رفضت المحاولات السابقة للتحقيق في سلوكها ومحاسبتها تطبيقاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني.
واعتبرت التقرير غير منصف وغير متوازن ومتحيز.
كانت الولايات المتحدة ولاتزال تدعم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وضد السلام التي ترتكبها “إسرائيل” بأكذوبة الدفاع عن النفس، للحيلولة دون محاكمة قادتها كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين وبقية مجرمي الحرب في كل زمان ومكان. ونجحت في أن تجعل قادة “إسرائيل” يفلتون من العقاب، لذلك وعدت هيلاري كلينتون “إسرائيل” باستخدام الفيتو لمنع محاكمتها.
لقد انهارت ألمانيا النازية في السابع من أيار 1945، وخلّدت اليهودية العالمية عقدة الذنب لدى الشعب الألماني، وخلدت أيضاً في الأمم المتحدة وفي جميع بلدان العالم وجوب عدم نسيان جرائم النازية ضد اليهود. وشطبت على جرائم الحرب النازية ضد الشعوب والأمم الأوروبية. وقبضت الأموال والأسلحة الهائلة التي لا مثيل لها في العلاقات الدولية كتعويضات ألمانية عن ضحايا النازية. واستغلت جرائم وأموال ألمانية النازية وألمانية الاتحادية ومعزوفة الهولوكوست واللاسامية لتهجير يهود أوروبا إلى فلسطين، وتشريد شعبها وإقامة دولة “إسرائيل”.
وتستغلها اليوم لتبرير الهولوكوست الاسرائيلي على شعبنا في قطاع غزة. وتطارد من تبقى من النازيين لمحاكمتهم في تل أبيب أو في بلدانهم.
إن من الطبيعي أن يأخذ تقرير غولدستون مجراه في مجلس حقوق الإنسان، وهذا ما حدث بالفعل.
ويأخذ مجراه بعد ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وبعدها في المحكمة الجنائية الدولية، وفي المحاكم الوطنية لمحاكمة قادة العدو، وعزل “إسرائيل” وطردها من الأمم المتحدة تماماً كما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وصولا إلى تفكيك الكيان الصهيوني ككيان إرهابي وعنصري وآخر نظام استعمار استيطاني في العالم.
كان تقرير غولدستون إنجاز كبير للشعب الفلسطيني، وفرصة فريدة لإدانة “اسرائيل”، لذلك كان التأجيل يخدم مصلحة العدو الإسرائيلي.
إن طلب السلطة الفلسطينية تأجيل التصويت على تقرير غولدستون، يعد تعبيراً واضحاً عن النهج الذي تسلكه السلطة الفلسطينية، على الرغم من أنه لم توجد حركة تحرر وطني في العالم قامت بتبرئة جلاد شعبها كما فعلت سلطة اوسلو.
إن “إسرائيل منذ تأسيسها وحتى اليوم تنتهك القواعد الملزمة في القانون الدولي وأهم العهود والمواثيق الدولية لتهجير اليهود إلى فلسطين وتهويدها وترحيل شعبها، وكسر إرادته والإرادات العربية وإقامة “اسرائيل” العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد, و الهيمنة على النفط وممراته وأسواقه وأمواله وعلى الثروات الطبيعية في البلدان العربية.
لذلك يتعرض شعبنا الفلسطيني باستمرار إلى الإبادة الجماعية (الهولوكوست) والإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني والترحيل القسري والعقوبات الجماعية لمسحه من الوجود بالترحيل والتوطين والتشريد والتفتيت والوطن البديل وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيةوالملاحقة الدائمة في أصقاع الدنيا كافة.
مبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية
يقضي القانون الدولي ومبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية بوجوب الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، ومعاقبة “إسرائيل” المعتدية على حروبها العدوانية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وإلزامها بدفع التعويضات عن الخسائر التي حلت بالشعوب والبلدان العربية.
وينص القانون الدولي والمواثيق التي وافقت عليها عصبة الأمم والأمم المتحدة على معاقبة مجرمي الحرب على الجرائم التي ارتكبوها في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية, وذلك في معاهدة فرساي وفي معاهدة بوتسدام ونظام محكمة نورنبيرغ الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين.
تذرع النازيون بعدم وجود معاهدات ومواثيق دولية تحظر وتعاقب على ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان، وتمنع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وتحافظ على سلامة المدنيين وممتلكاتهم.
فبماذا يتذرع قادة “إسرائيل” وهم أسوأ وأخطر من قادة ألمانيا النازية وأكثر منهم عنجهية وصلفاً ووقاحة؟ وخاصة بعد تأسيس الأمم المتحدة، والموافقة على العهد الدولي لتحريم الإبادة الجماعية (جينوسايد)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949؟.
وهكذا خطت البشرية في أعقاب الحرب العالمية الثانية خطوات هائلة في مجال حقوق الإنسان، وحماية المدنيين خلال الحروب والنزاعات المسلحة، وعدم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ومحاكمة مجرمي الحرب على الجرائم التي ارتكبوها ضد الإنسانية وضد السلام.
وكانت أولى هذه الخطوات الهامة محكمة نورنبيرغ والإقرار بنظام المحكمة كجزء من القانون الدولي وعدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وجاء تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في روما لتعزيز هذا الاتجاه وحددت المادة الخامسة من نظام المحكمة الاختصاصات التي تتعلق بعملها وهي:-
أولاً: جرائم الإبادة الجماعية.
ثانياً: الجرائم ضد الإنسانية.
ثالثاً: جرائم الحرب.
رابعاً: جريمة العدوان.
وتتجسد جميع هذه الجرائم في ممارسات قادة “إسرائيل”، والذين لا يريدون السلام، وإنما الأرض والمقدسات العربية، والتطبيع، واستسلام العرب وخضوعهم للمشروع الصهيوني.
لذلك يجب تقديمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين وتطبيقاً لتقرير غولدستون الذي وافق عليه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف
ومعاقبة قادة الكيان الصهيوني وفي مقدمتهم أولمرت وليفني وباراك ونتنياهوكمجرمي حرب, ورفع قضايا أيضاً أمام المحاكم الوطنية في كل بلد من بلدان العالم ضد كل من خطط أو نفذ أو اشترك في الحروب الستة على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، خشية أن يلاقي قرار مجلس حقوق الإنسان حول تقرير غولدستون نفس المصير الذي لاقاه قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية: وهو الإلغاء.