أقلام

ثمرة طيبة من ثمار معركة سيف القدس

بقلم : أ. محمد حميد “أبوالحسن”

عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

 

شكلت معركة سيف القدس علامةً فارقة في مسيرة نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، فقد تمكن الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في هذه المعركة التي استمرت أكثر من عشرة أيام  من تلقين العدو درساً قاسياً سيظل محفوراً في ذاكرة الأجيال القادمة، فكيف لهؤلاء الفقراء المحاصرين منذ أكثر من عقدٍ من الزمان أن يسطروا هذا الصمود البطولي طيلة هذه الأيام العجاف أمام هذه العنجهية والعلو والصلف الصهيوني المتسلح بأحدث وسائل الفتك والقتل والإجرام من طائرات حربية مقاتلة وتكنولوجيا منقطعة النظير؟، كيف لهؤلاء الذين مورس بحقهم جميع أنواع الظلم والقهر والتمييز العنصري منذ عام 1948م أن يقفوا بوجه ظُلَّامهم؟، كيف لأبناء المدينة المقدسة وفلسطيني الداخل الذين أُغْرقوا بالمخدرات والجريمة المنظمة بتدبير من أجهزة أمن العدو أن يكونوا خط الدفاع الأول عن القدس ضد الهجمة الاستعمارية بنموذجٍ رائعٍ من نماذج المقاومة الشعبية؟

 

لقد مثلت صرخات المقدسيين العزل، والعصيان المدني الذي أقدم عليه فلسطينيو الداخل، ومظاهرات الفلسطينيين في الضفة الغربية، وزئير مجاهدي غزة المحاصرة منذ سنوات، مثلوا جميعاً صورة نضاليةً رائعة، وجَرْساً جهادياً منوعاً وفق ما أتيح لكل منهم، فالتحمت صواعق صواريخ غزة مع حناجر المقدسيين وأهل الضفة و قنابل فلسطيني الداخل الحارقة، لتمثل جميع هذه المظاهر صرخة الفلسطيني العالية نحو الحرية والتحرر والانعتاق من الاحتلال، رغم الفظائع والجرائم التي ارتكبت بحقهم ومحاولة الاحتلال شرذمتهم وطمس هويتهم الوطنية، عبر ممارسة سياسات عنصرية وحصارٍ خانق يستهدف صحة هذا الشعب وتعليمه وجميع تفاصيل حياته على مدى سنينٍ طوال من الظلم والقهر والعدوان

 

ورغم هذه الملحمة الوطنية الفريدة التي أنتجتها معركة سيف القدس خاصةً في ساحة غزة، خرج علينا بعض الدعاة والوعاظ في وسائل التواصل الاجتماعي يتحدثون عن حرمة الاستعانة بمحور المقاومة وعلى رأسه إيران وتبعهم في ذلك بعض نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي ، خرجوا جميعاً في وقتٍ متزامن يطرحون نقاطاً متسقة بما يثير الريبة حول وقوف جهةٍ سياسية أو دينية ما خلفهم في الكواليس، فما نلبث حتى نسمع هذا الطرح متستراً بنصيحةٍ أو تحذيرٍ أو عظة في أمرٍ يمكن قراءته كمحاولةٍ للطعن في الاجتهاد الشرعي والسياسي الذي استدت إليه حركات المقاومة في فلسطين لرد الجميل لمحور المقاومة وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية في إيران التي لم تبخل في تقديم الدعم العسكري واللوجستي لها، فهي الدولة التي وقفت إلى جانب المقاومة الفلسطينية تسليحاً وتدريباً وتمويلاً، ولم تستأثر بخبرة فنية أو معرفية، فشهد أداء المقاومة الفلسطينية تحسناً ملحوظاً بعد دعمها، وامتلكت أسلحةً محليةً متطورة، وأصبحت صواريخها أكثر دقةً وتحمل رؤوساً متفجرةً نوعية، بل وفاجئتنا المقاومة بالتقاط خبرة تصنيع المسيرات بمختلف أنواعها، فتعاظمت ثقتنا بها وبقدراتها الميدانية، وأصبحنا نرى موعد النصر قريباً –رغم المعاناة الممتدة لسنواتٍ-.

 

لا شك أن لكل امرئٍ الحق في إبداء رأيه سواء كان شخصاً عادياً أو مؤطراً في سائر القضايا سواءً كانت خاصة بالمقاومة وتحالفاتها أو غير ذلك، ولكن –وفي الوقت نفسه- تفرض هذه الحرية على صاحبها واجباً شرعياً متمثلاً بأداء الأمانة كاملةً وعدم حجب شيءٍ من الحقيقة الشرعية أو السياسية، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” المائدة [67]، فما أعظمها من فاحشةٍ أن تبرز ما يحبه هواك وتحجب ما يضير مصالحك!، فلماذا لا نسمع صوتكم أيها المنكرون على فصائل المقاومة تحالفهم مع مكونات محور القدس تخلف كياناتٍ إسلامية وعربية كبيرة عن نصرة المقاومة؟!، لماذا لا توجهون سهام انتقادكم إلى الذين قعدوا عن دعم المقاومة الفلسطينية في الوقت الذي خرج في محور المقاومة في ركب دعم مسيرة المقاومة؟!، لماذا تصمتون على ما أقدمت عليه بعض الدول العربية من تطبيع مثل طعنة للقضية الفلسطينية؟ ما موقفكم أيها المنكرون من التعاون الأمني مع الاحتلال الصهيوني في المنطقة ؟! لماذا تقاعستم عن بيان الحكم الشرعي أو السياسي في إقامة قواعد أميركية في بلدانٍ عربية تستخدم في شن الغارة تلو الغارة ضد المسلمين؟ لماذا لم تنكروا دفع الجزية من دولٍ إسلامية إلى أميركا بلا مقابل؟! وكثيرٌ من الأسئلة تنتظر اجتهادكم الفقهي والسياسي أيها الحريصون على الأمة!

 

لا مشكلة في تقديم النصيحة إلى حركات المقاومة بشأن تحالفاتها فيما يظن الناصح أنه الحق، ولكن الواجب عليه أيضاً أن يتحدث بنسقٍ متوازٍ عن تقصير معظم الدول الإسلامية وقلة دعمها للمقاومة بل وطعناتها لها، وذلك حتى نحسن الظن في هذه النصيحة، يبرئ الناصح نفسه من الاتهام بازدواجية المعايير، فموقع النصيحة يفرض عليك أن تكيل الأمور بمكيالٍ واحدٍ لا أكثر، وإلا فإن وعظك ونصيحتك هو الهوى وما تريده دولٌ ما وليس الدين. قال تعالى: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ” الجاثية [23].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى