
فاجأني صديقي المهندس لخضر رحموني؛ صديقي في الاهتمام بالحرف والأدب وزميلي في تَـخَـصُّصِه العِـلمي، بأنْ خَـصَّصَ لي حيزا من جريدة الوسط – طبعا مع الامتنان للقائمين عليها –تَكَـلَّـمَ فيه عن جُــزْءٍ من سيرتي كما عـرفها هو لمّا كنتُ في قسنطينة طالبا ثم أستاذا في ثانوية يوغرطا. لقد كان ذلك في1983 وما قبل؛ أي منذ أربعين سنة. إنها مدة ليستْ بالقليلة وإني لأكْـبِـرُ فيه روحَ الـبَـحْثِ والاهتمام وتقديره لشخصي وروحَ المثابرة،والبحثَ في الأرشيف. فبعض الأعداد من “الثقافة” التي أشار إليها لم يعد لدي نسخٌ منها.. ولكنه وجَــدَها وبالترتيب الزمني..!!فبارك الله فيه..ولا أدري في أي أرشيفٍ وجدها هل وجدها في أرشيف مكتبة الولاية في قسنطينة أم وجدها في أرشيف مكتبة الجيش في ساحة سي الحواس (مقابل قصر الباي)..أم تُـراه وجدها في أرشيفٍ ما بِمدينة باتنة.. أيًّــا كان.. فإن جهوده في البحث لا تَـخْـفَى كما لا يَـخْـفَى اهتمامه ببعض التفاصيل ذلك أنه عايشها.. وصنع معنا جزءا منها
أساتذتي لا أرقَى أبدا لأكون بينهم
إني وإنْ كنتُ أُثمِّنُ ما قام به مِنْ عمل فإنني ألومه على المبالغة، فالأشخاصُ –الأفاضل – الذين ذَكَـرَهُم في بداية مقاله على أساس أنني واحدٌمنهم.؛ هم أساتذتي ولا أرقَى أبدا لأكون بينهم ، صحيح هم نشروا في مجلة الثقافة ونشرتُ فيها ولكن هذا ليس مبررا ..فلو أخذنا – على سبيل المثال- الشيخ موسى الأحمدي نويوات..كتابُه المتوسط الكافي مُقــرَّرٌ في معاهد وكليات التربية والتعليم في أغلب دوَّلِ المشرق العربي..ولمّا انتقلتُ إلى التعليم المتوسط وَجَــدْتُـه في بيتنا (الكتاب) وكنتُ ألاحظ اهتمام الوالد به واتمنى – في ذلك الوقت – في قرارة نفسي أن أقرأه وأفهم ما فيه؛ طبعا لم أكن اقوى على ذلك ؛لا السِّـنُّ ولا المستوى التعليمي ولم أفعلْ إلا لمّا انتقلتُ إلى الــثانوية( محمود بن محمود في قالمة)….. مع الأسف لم ألتق به، ولكنّ الوالد فعل ولعله سافر إلى مسيلة خصيصا لذلك؛ قلتُ لم ألتق به ولكني التقيتُ بابنه د. مختار لمّا سجّلتُ في جامعة عنابة في الماجستير (تحليل الخطاب) كان ضمن المدرسين المكلفين بذلك القسم.. وأُسَـجِّلُ هنا تـواضُعَه ومَوْسُوعِــيَّـتَـه وتمكُّـنَه من اللّغات”العربية والفرنسية” واطلاعه على النظريات الحديثة في اللغة والأدب رغم أنه تخـرّج قبل ظهور هذه النظريات ..؟ سألته مرة: ماذا عن الوالد؟قال:”له كل الاحترام بصفته والدا وأمَّا من حيث العِـلْـمِ فإننا نتناقش مناقشة العلماء”.. . رحمه الله؛…وربما أعود إلى شيء من ذلك في وقت آخر .. إنّ صَدِيـقِي لخضر، من طيبته وثِــقَـتِـه فِيَّ، وَضَعَـنِي مع موسى الأحمدي نويوات في خانة واحدة في حين أنه لو حَـصَلَ و كنتُ واحِــدًا مِنْ تلاميذه لكان ذلك شيئا كبيرًا .
وعلى ذِكْـــرِ “مجلة الثقافة” أريد أنْ أنــوِّه برجلٍ كبير آخــر إنــه الدكتور حنفي بن عيسى – رحمه الله- كان استاذا دكتورا في علم النفس التربوي محاضرا في جامعة الجزائر ورئيس تحــرير “الثقافة” ، وكنتُ طالبا يتلمّس خطواته الأولى بصعوبة في جامعة قسنطينة … كنتُ يوما مارا من أمام مقر المجلة- في العاصمة طبعا- وعَـــنَّ لي أنْ أزوره بعد أن نشرتُ فيها نصين أو أكـثـر؛ استـقـْـبَـلَـنِي الرَّجُـلُ بكلّ حَـفَـاوَةٍ، ما إنْ أبْلَـغَـتْهُ الموظفة المكلفة بالاستقبال بإسمي حتى هــلَّ هاشًـا مـبـتـسِما وأخذ بيدي إلى مكتبه وقد لاحظ ارتباكي وخَـجَـلي وقال: «ما دمنا قَـبِـلْـنا أنْ ننشر لكَ فإننا نعاملك كأي كاتبٍ آخر نَـشَـرْنا له مهما كانت قيمته “.ثم أطلعني على كيفية النشر ؛ ذلك أنّهم يُغْـفِـلـُونَ النصوص، تــماما كما نَـفْـعَـلُ في الامتحانات الرسمية ، ينزعون عنها أسماء أصحابها ويضعون عليها إشارة دالة لا يعرفها أعضاء لجنة القراءة ثم يُــسَــلِّـمُونَها للجنة ،كلُّ عُــضْوٍ على حِـدَه ، على أن ْيكتبَ بعد ذلك تقريرا على شكل استمارة محورها الأول يتعلق باللغة والنحو وما إلى ذلك ومحورها الثاني يتعلق بضوابط الفن المكتوب فيه النص والمحور الثالث يتعلق بِـتَـوَافُـق موضوع النّص بِـتَـوَجُـهات الدولة ، فـقـد كانتْ المجلة تابعة لوزارة الثقافة وكان يجب أنْ لا يتعارض مايُنْشَرُ فيها مع خط السياسة العامة المُعْـلَنِ عنه في ذلك الوقت… وفي أسفل الاستمارة يُـوجَـدُ مربّع “أو هو مستطيل” مكتـوبٌ فيه”يُنشر” وآخر مكتوبٌ فيه” لا يُنْشَر” وثالثٌ مكتوبٌ فيه “يُؤجَّــل ” وبهـذه الطريقة تُسْتبـعـدُ
(المعريفة )والمحسوبية وشُهرةُ الكاتب وانتشاره في الصحافة والإعلام ؛ قلا اعتبارَ إلا للنص ، ولا عِــزّةَ إلا للنص ..ولعلَّ قول بارت ” موتُ المؤلف” كان مُـطَـبَّـقا كأحْسن ما يكون …..وأظنُّ ، والله أغلم، أنهم كانوا يُطبّقون ذلك على الكُــتَّــاب الذين يَـنْـظَـمُـونَ إلى المجلة حديثا حتى إذا اكتسبوا الثقة فيهم وفي نُـصُوصِهم.. أطلقوا أيديهم ..بل أطلقوا نُـصُوصَهم . إنَّ هـــذه الطريقة أكــسـبـتني الثقة في نصوصي ولعل ذلك ما دفع زميلي لخضر رحموني إلى هذه المبالغة.
مجلة “الثقافة والثورة”
أمَّــا بالنسبةِ لمجلة “الثقافة والثورة” التي تُصـدرها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فقد نَـشَــرَتْ مِلَـفًّـا حول جـوائِـزَ مهرجان الشعر الجامعي الذي كان يــُقـامُ كُــلَّ ســنةٍ وقد نِلْتُ في تلك السنة الجائزة الأولى(سنة1979) ونشرتْ المجلة في هذا المِلـَـفِّ الـنُّـصُوصَ الفائـزة أما ترتيبُ هذه النصوص فيها فــقــد خَـضَعَ لاعتباراتٍ تـقـنـية تـتـعـلـّق بالمجـلـة وبالـطـبـاعـةِ ؛ وقد كانتِ اللجنة مؤلـفـة من ثلاثة أعضاء: الشاعر عبد العالي رزّاقي (رحمه لله)عضوا والشاعر أحمد حمدي مقررا والروائي الطاهر وطار رئيسا. وقد قال لي عمّي الطاهر حـيـنـئـذ لـمّـا عَـرَفَ أنني من سوق أهراس أي أنني قريبٌ من مداوروش :” إنَّ تلك المنطقة لها في ذِمَّـتِي عَـمَـلٌ”؛ ولعلَّـه كان يـقـصِدُ روايته التي ظهرتْ فيما بعد (الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي). الإشْكال أنَّ تقرير اللجنة لم يُـنْـشَـرْ مع النصوص ،بل نُشِرَ في بداية المجلة فَـبَـدَا (التقرير)كأنَّه مَـدْخَـلٌ للـمَـجَـلة وليس تقريرَ اللجنة.. أنا نفسي لم أنْـتَـبِهْ لذلك إلا بعد شهرين أو ثلاثة عندما خَـطَـرَ لي أن أقرأ المجلة من الغلاف إلى الغلاف….. وعلى ذِكْـرِ الغلاف فقد كانتْ صورة الغلافِ – الوجه الأوّلِ منه – مستوحاة من النص الفائز وكانت لفتى صغير شاحِبِ الوجه رَثِّ الثياب ؛وكان اللون بُـنِـيًّا داكنا وبجوار الفتى قطعة ُخبز تُـوجَـدُ في مستوىٍ أعلى منه قليلا وعلى مسافة أفـقـية أكبرَ من طول ذراعه ولعل الرسم كان من إنجاز حنكور؛ فقد نَـشَـرَتْ النَّـصَّ جريدةُ المساء (أو نَـشَــرَتْ جزءا منه)في صَـفْـحَـةٍ ثـقـافـية يُشْـرفُ عليها الأمين الزاوي (وكان لايزالُ طالبًا في وهران) وأرْفَــقَــتْه برسمٍ تخطيطي كراكتيريًّا بِـنَـفْـسِ مواصفات الرسم الذي ذَكَــرْتُ وكان إمْـضَاءُ حنكور واضحا ومقروءا.. والفائزون هم : أنا، وعبد السلام (نسيتُ لَـقَـبَه ) طالبٌ من علم الاجتماع من عندنا في قسنطينة والدكــتـور عـمّـار بن زايد وكان لايزال طالبا في ليسانس بجامعة الجزائر.. ومنَ الـفـائـزين أيضا – في القصة القصيرة- عمار يَــزْلي الكاتب الـسـاخــر المعروف الذي أصدر جــريدة “الصح آفة” .. نَـقـدٌ سـاخِـرٌ والآن هو يُدير صفحة في جــريدة الشروق اليومية ساخرة طبعا.. عمار يزلي نال جائزة القصة القصيرة في تلك الطبعة عن قصته “الصاعـقـة”؛ وقد أعجبتني كثيرا ..وبحثتُ عنها فَـوَجَـدْتُها مكتوبةً ، فأنا أعـيـدُ قراءتها من حين إلى آخر …. إلى الآن…و قد كتبَ الصحافي مبعوث جريدة الشعب إلى قاعة الـنَّـفَـق الجامعي حيث يجري التكريم:” القصة بخير والشعر يتبع الغير”.. لأنني وظَّفْتُ بَطَلَ “البؤساء”.. فقد رأى في ذلك أتّـِبَاعاً، في حين أنَّني أرى فيه تجديدا وإبداعا؛ قد كان عنوان القصيدة ” قِــراءات في كتاب الجوع لجانْ فالْ جان”… أين الأتِّـباع هل كَـتَـبَ جان فال جان كتابا اسمه كتاب الجوع؟ !! ثم إنَّ هناك في داخل النص تصريحٌ بأصل الـتَّـضْــمِــين ِومَـصْـدَرِهِ؛ أقول….
جَانَ فَالْجَـانَ تَـعَــثّـرْ
في رِداءِ البؤسَــاء فــتـشَــرَّدْ
ذاك خُـبْـزِي، خُـبْـزُ أولادي مُهـَـدَّدْ
بالضَّــياعِ، بالــتَّــبَــدُّدْ
والمَـوَاقِـــفْ تَـتَـحَــدّدْ
وِفْـــقَ آراءِ المُـسَـيْـطِـرْ
إنَّ جان فالْجان هنا ليس إلا مثالا ؛ إنَّـه نَـمـوذَجٌ للـفُــقَـراء مَهْضُومِي الحقوق الذين أصابهم الضياع فضاع خبزهم وخبز اولادهم بسبب مواقف معينة لمسئولين في مستوياتٍ مختلفة …. عفوا قد أخــذتني التداعياتُ
وها وَجَــدْتُـنِي أردُّ على “تابْـلِـيتْ” (صحافي الشعب) بــعـد أكثر من أربـعين سـنة،ولم أفعل حينها .. وقد فتح صديقي (رحموني)جُــرْحا آخــرَ في نـفْـسِي كاد أنْ يَـنْـدَمِل مع السنين… لا عـليْنا … نعــود إلى ماكُـنَّا فيه .. إنَّ نص (قــراءات في كتاب الجوع لجان فالْجان) نــالَ الجائزة الأولى لـتلك السنة وليست الثانية…..
قالتِ اللجنة أنَّ الـنَّـصَّ جميلٌ وهَـادِف.. لــكِـنَّـكَ لم تُـحْـسِنِ الإلْــقـاء..كان في صوتي رَجْـفَـة وجَـفَـافٌ في حلقي جعلني أتَـلَـعْــثَـم؛ وتَـتَـبَّعَ حمدي العَـرُوض فالـقـصيـدةُ من شِـعْـر التفعيلة وحــدَّدَ خطأً عَــرُوضِيًّا واحدا
ذَكَـــرَهُ ، وحَــمِـدْتُ الله أنه خطأٌ واحــدٌ ( ربما يكون قد ذكره على سبيل المثال لا الحَصْـر) ؛ ذلك أنني لم أكُـنْ قد تَمَكَّـنْـتُ من العَـرُوضِ بَـعْـد، حتى المتوسط الكافي في العروض والقوافي بـدا لي أن فيه شيءٌ من الـتّـعْـقـيـد فـهـو مليءٌ بمناقشة الزحافات والعلل وأنواع الضرب والقافية في البحر الواحد ، كان يقف بجــواري سليمان جوادي ويقف بجواره شاعر آخر لعله حمري بحري كنتُ التقيتُ بهما في التظاهرة الشعرية المُـقَـامَة في قسنطينة مِنْ طَـرَف الخدمات الجامعية إثْـرَ رحيل هواري بومدين وقد حَـضَـرْتُ ثلاثة أعدادٍ منها …
بَقيَ أنْ أُنَــبِّهَ صديقي المهندس أنَّ “طاغَـسْـت” هو الاسم القديم لمدينة ســوق اهـــراس أما تاورة فإن اسمها في مرحلةٍ ما “تـاغـورة” وطاغـســت يكتُبُها البعض بالتاء وبِسَبَـبِ التضخيم الـذي يلـحقُ التاء فإنني أكتُبُها طاء أما الغِـين فهي” Ga” قُلْتُ في “القصيدة التي لم تُقْــرَأ” التي ذكَــرْتَها:
إنِّــي أَتَــيْـتُـكِ مِـنْ “طاغستَ” مُرْتَــحِــلا
كَـيْ ما أراكِ فتسْــقي الجَـــدْبَ أمطارُ
……..
إنْ كُـسّرَ الـــوَزْنُ فالأيــــامُ تُــصْـلِــحُهُ
وتَـــرْسُـمِ الـحَـرْفَ أضـواءٌ وأنْـــوارُ
وَوَاضحٌ أنَّ الإشارةَ في البيتِ الثاني تتعـلّـقُ بقضــيةِ الغموض في الـشعر وفي الأدب بشكلٍ عام ؛ فالـمُـتَـلَـقِّي الـذي لايَـفْـهَـمُ النَّص ولـو جُـزْئيا لا يُمْكِـنَه أنْ يتـفـاعَـلَ معه ؛ أيْ أنَّ النص لم يصلْ وبالتالي فهو لم يُـؤدِ دَوْرَهُ
وقفات ضرورية
ودَعْــنا منَ هذه الآراء التي ظهرتْ مع البنيوية والنظريات الـنّـسَـقِـيّة التي تَـدَّعي أنَّ اللغةَ لها القـدرةُ على الوُلـُوج إلى الـنَّـفْـس وإلى الإحساس حتى وإنْ كانتْ غَـيْرَ واضحةِ الدلالة والمعنى … بقيَ يا صديقي أنني لم أفهم قَــوْلَـكَ “مُـسْـتَـوْحاة” ثم أرْدَفْـتَها ” حتى في الوزن والروي” معناها أن الوزن والروي جاءا في مرحلةٍ مُتَـأخِرَة بالنسبة للأشياء الأخرى “المستوحاة”، فماهي هذه الأشياءُ الأخْـرى هل هي الموضوع مثلا ؟ أمْ ماذا ؟
و “حــتى” هذه حَـيْـثُـمَا حَـلّتْ تُــذَكِّــرُنا بالمَـقُـولة (أمُـوتُ وفي نفسي شيءٌ مِنْ “حتى” )… وفي حَــدِّ عـِلْمِي أنَّ الوزنَ( البحر وأضربه وقـوافيه وعـلله وزحافاته) ليس حِكْـرًا على أحَـد، ولا الرَّوِي.. وأظنُّ أنَّ الخليل بن أحمد لـمّا أوْجَـدَ بُحُـورَ الشِّعر لم يُـقْـصِرْ أَحَـدَها على أحــد – مع تقديري لأبي القاسم خمّار وإكْباري له- أما الموضوع فَـقَـصِيدَةُ خَـمّار تَـسْـتَـنْـكِـرُ الـتَّــوَسُّــع الـعُــمْــراني وطـُغْـيانَـه على الطــبِـيـعَةِ وغابات النَّخِيل التي هي أصْلا في بسكرة.؛ وأنا لا أنْـفِي أنني اطّـلَعْتُ على قصيدة خمّار وأعجبْتُ بـها ولكنْ قبلَ ذلك بِـسَـنَـوات؛أمّا الـقـصيـدة التي لم تُقرأ- وإنِّي أقـْــبلُ بِتَخْــرِيجِكَ للعنوان- فقد كَـتَـبْـتُهـا خِــصِّيصًا لمهــرجان محمد العيــد و بَـنَـيْـتُهَا في عدة فـقـرات كلُّ فَـقـْرةٍ لها موضوع؛ الأولى طلـلية وضَّحْتُ فيها لماذا لم أحضر في الطبعة الأولى (إذْ كان د. العربي دحو – وكان على رأس الاتحاد – قد أرسل لي دعوة لحضور الطبعة الأولى ولكنني كنتُ مصابا في حادث مرور ولم أحضر):
……..
تَحْــدوه ذِكْــــرى الألى قــد كنتِ مَــرْتَـعَــهم
يحْـــــدوه حُـــسْـنٌ، جـــمــالٌ فـيكِ، إصــرارُ
يحـــدوه جَـمْـــعُ الألى قَـــدْ عَـــزَّ مَــقْــدَمُـهم
قـــد غـــابَ عـــامًـا مَـــضَى خـانَـتْـهُ أقـْــدارُ
والــيــومَ عـــاد لـجَــمْـعِ الـطـَّلـْـعِ مُــرْتَــقِــبًا
فـَـصْــلَ الــرّبــيــعِ فــــإنَّ الــطـَّـلـْـعَ ذُكّــــــارُ
الخطاب لمدينة بسكرة وقد كان محمد العيد يُـقـيـمُ فيها و” الألى قد عـزَّ مقدمهم ” أعْـنِي الـشـُّعـراء المدعوين للمهرجان وأما “ذُكَّـارُ” هـذه فَـمُـفْـرَدَةٌ صَحْــرَاوِيَّـة بَـحْتَة يَعْـرِفُها الـذين يـَزْرَعُـون النَّخيل ويهتمون به
أمَّا الـفـقـرةُ الأخـرى فخَـصَّصْـتُها للصراع الداخلي والغُـرْبَة التي أعِـيـشُها بَيْنَ الشعر والعلم:
بَــيْـنَ الـنَّـقِـيـضَـيْـنِ مَـهْــزُومٌ ومُـغْــتَــرِبٌ
مُــشَــتَّــتُ الـفِــــكْــــرِ في الاثـْنـَــيْـــنِ مُـحْــتـارُ
فالـعِـلـْـمُ للـشِّـعْــرِ خـصْـمٌ إنْ هُمَا اجْـتَـمَعَـا
لا عِــلـْــمَ، لا شِـعْـــرَ، أُخْـــوَتْ مِـنْـهُـمَا الــــدارُ
يـا قِـبْلـَةَ الـشِّـعْــرِ، يـا “زيــبـانُ” مـَعْـــذِرَةً
إنْ قَــــدْ أتــــيْــــتُــكِ للأ شـْــــعـَــارِ جَـــــــــزّارُ
وفي فَـــقْـــرَةٍ اخـــــرى ناقشْتُ دعــاة الحــداثة الـذين يقـــولون أنَّ الأدب ،الشعرُ خاصة عليه أنْ يُــواكِـبَ الـتطــوُّر والتِّكْــنولوجيا ؛ أين نحن من ذلك، فالـتطـــوّرُ في الغرب والتكــنولوجيا في الغرب ولم يصلنا منهما إلا الــنَّــزَرَ الـقلـيـل ، ثم هـــذا الجـهلُ يـَضْــربُ أطـــنابَه بَـيْـنَـنَـا فـلا سَـبِـيلَ للحـــديثِ عَــنْ ذلك إذنْ:
أين الــتــحـضُّــــرُ للـتـحـديثِ يَــدْفَــعُــنِي
مـــــاذا أحـــدِّثُ والـــجُـــــلاسُ أبْـــــــــقـَــارُ
و”أُحَــدِّثُ” هنا بمعنى «أُجَــــدِّدُ” (طبعا هــذا الكــلام كان منذ أربعين سنة)
وفي الفــقْــرة الأخـــيـرة وهي مُــوَجَّهَةٌ لمحمد العــيـد أحَــدِّدُ فيها انتمائي وأرُدُّ على قضيةٍ أُثـِـيرتْ؛ فقد نَـشَـرتْ صــحيفة ما مقالا تَعِـيبُ فــيه سـلـوك المدعوين الذين حضروا في الطبعة الأولى إذ شاركوا في حفلٍ راقصٍ في النَّـزْلِ الذي كانوا يُقيمون فيه (حَـسْـبَها) فَـرَّدَّ أحَــدُهم أنَّ محمد العيد كان يقبلُ الرقص !!!
أتَـقْــبـَـلُ الــرَّقـْـصَ رقْــصًا منْ يُـــصَــدِّقـُـها
حـاشاكَ…حـاشاكَ.. أنْ يــعــديكَ أشــــــرارُ
مــحــمَّـدَ الـعــــيــدِ لا تـَـحْــــزَنْ فَـــفـاتِـنَـتِـي
سـَـــمْـــراء أعـْــشِــقـُها والعِـــشْـقُ جَــــرّارُ
والـحُـبُّ في بَـــــلَــدِي في الـنــَّـار مَـنْـبَـتُـهُ
والـــــدَّمُّ يُــذْكي أتــُـــونَ الحـبِّ والـنـَّــــارُ
والـــشـِّـعْــرُ يُـضْـِرِمُ أشْـــواقي ويُـشْـعِـلـُهـا
يــنْــأى الـــظـــلامُ وتـَــنْــأى فِــيهِ عِـشْــتَارُ
والحُـــبُّ يـــبْـقى فَـلِـلـسَّمْـــراءِ خـَــالِــصُهُ
تـَــنْــمُـو الـطـَّـحَــالِبُ لـَوْ مَــسَّــتْه أقـــــــذارُ.
ها تتبعتُ بعض أبيات القصيدة التي لم تُقرأ بحثا عن هذه الأشياء “المستوحاة”؛,إني لأستغربُ كيف لي أنْ أستوحي من خمار أنّ الطابونة تحرق وجه أمي وهي تُنضج الخبز إذ لا يوجد في دارنا “طارُ”أو كيف لي أنْ أستوحي قضية أنّ الشعر للعلم خصمٌ وأنني بينهما “مهزومٌ ومُغتربٌ” …الحقيقة أنّ صديقي المهندس، ولـعـلَّه أكثر قـُـرْبًا مما يُتـوَقّعُ بسبب انتمائه العلمي وانتمائه الأدبي ، لو أستعمل “في”بدل “حتى”لكان الأمـرُ ممكنا فتكونُ الجملة ُحينئذٍ :” مستوحاة مــنْ … في الـوزن والروي ” لكانت الجملة مقبولة وقابلة للأخذ والعطاء
ولـَكـَانَ لـَخْـضَر قَـدْ وَفّــرَ عَـلَـيْنا عَـناءَ البَحْـثِ في أبْياتِ القصيدةِ عَـنْ “مستوحاة”واقْـتـَـصَـدَ في حَـجْـمِ”التعقيب” ؛إنَّ “حتى”هـذه دائما وراءَهَا مشكل…
وقَـبْلَ أنْ أشكـرَ لخضر عَـلَيَّ أنْ أشكرَ مُحَـمّـد شايطة فهو لا يزال وَفِـيًّا يَذْكُـرُنِي بِخَـيْـر وقَـدْ أشْـعَـلَ شـمْعَةً في ذاكِـرَةِ لخضر وهذا أشْـعَـلَ فَانُـوسًا في ذاكرتِي أنا … فَـشُـكْـرًا لَهُمَا معًا وشُـكْـرًا للـقـائـمِـينَ عَـلى “الوسط”….إنْ كَانَ فِي العُـمْـرِ بَـقِـيَّة فَـسَـأعُـودُ لـتَـفْـصِيلِ بَعْـضِ ما جَـاء فِي هـذا الـتَّعْـقِـيب.
تــــوفــيق ســـالـمي
أستاذ الفيزياء والكيمياء”متقاعد”ســوق أهراس ( طاغست)