بقلم: جمال نصرالله
عبارة جليلة ومفيدة كان بمكان الرجوع إليها وفي كذا من مناسبة. قالها وركز عليها مفكرنا مالك بن نبي، وهي أن المرء الذي هو محسوب على عقيدة الإحباط والتلاشي لاحق لأحد أن يفكر في تطويره أو حتى إحياء تلك الأفكار التي شابت عليه وصدئت ،خاصة إذا كان من العامة الدهماء أو من فصيلة الذين أبوّا أن يغيروا من طرائق تفكيرهم وسلوكياتهم المسترسلة أو بعبارة أخرى ممن لا يتعّضون من تجاربهم أو تجارب الآخرين ،حين لا يتبصرون أو يتدبروا في شؤون الحياة الدنيا، بل الأهم هو أن يعمل الكل على تطوير البيئة المناسبة للعيش الكريم وتهيئة المناخ النقي وذلك بتوفير الفرص وتعددها وجعلها حية نابضة وفعالة حتى تندمل الجراح الغائرة والشعور بإنسانية الإنسان، و إحياء فرص العيش الكريم وإنزالها قيد التنفيد،وليس مجرد خطابات ,بل جعلها أبوابا مفتوحة تعمل كالآلة دون توقف ؟ا وهو ما يعني أن صاحبنا المفكر مالك بن نبي طرح فكرة جوهرية وجد هامة،ها نحن نعايشها ونتذوق كل توابلها يوم تنخفض حرارة هذه العقيدة ويتقلص مفعولها،بينما في الضفة الأخرى،الإنسان يكبر ويتطاول بأفكار تبدو دون مراقبة أو توجيه ،حين يتشبع بتلك العواصف الدخيلة ويصبح فريسة سهلة ولقمة سائغة لجميع التيارات دون السير في مسار صحيح أجمع العلماء والفقهاء ومعشر المفكرين على صحته، والسبب الرئيسي عند بن نبي هو تقاعس تلك الفئة التي يلقى عليها اللوم اليوم وغدا وتتحمل كامل مسؤولياتها التاريخية أمام الله والتاريخ؟ ا لأنه تُرك لثقافة الغير أن تتغلغل داخل عقله ويومياته يتربى وينشأ على وقعها.
لا لشيء سوى أنه ابتعد وتاه عن المشهد الترشيدي والنضالي في بناء قواعد متينة لشخصيته ومن الفرد نصل بعها للحديث عن إرساء دعائم الأمة، ومالك بن نبي كان يقصد بالعقيدة كل الجوانب الأخلاقية والتربوية والثقافية والدينية، والحياتية التي تتراكم في ذات الفرد وتبلور شخصيته.
هكذا إذا وصل بالإنسان الجزائري كنموذج فريد يوم يمسي ويصبح على أفكار وقناعات متضاربة ومتناقضة شكلا ومضمونا. فهو يعيش عشرات التناقضات والمفارقات بل التفاوت الاجتماعي في شتى المجالات، وهي لعمري من صنعت لنا إنسانا مرتبكا حتى لا نقول متناقضا ومعقدا إلى غاية أن تجده وبعد تداول الحقب عبارة عن شبكة من الخيوط المتداخلة التي
لا توحي لأي شكل من الأشكال أو الألوان أو حتى الأنواع. فهو يعيش شقاء مبرحا وشجنا مستديما لا يفقه مصدره ولا حتى لحظة انتهائه ومغادرته، ومن هنا وجب أن تتداخل تلك اللواحق الاستعجالية أهمها الثقافة والوعي…اللذان سيصبحان كالإبرة في كومة القش؟ا ـ نبحث عنهما فلا نجد لهما من أثر.
الجزائر اليوم تُعد نقطة في سماء التطور الدقيق والحاد والمعقد كذلك،في سيرورة العالم المتدفق والمترامي كحركية المد والجزر، بل ككيان ضخم وسط مساحة أو قل شبه قرية كونية لا تسع ثقل حمولته. حتى وهي من حققت عدة أشياء على عدة أصعدة اقتصادية ورياضية وحتى الامتيازات الشخصية يوم تُكرم بجوائز وميداليات، لكنها أخفقت في صناعة إنسان يعتبر مرجعا لنفسه أولا ثم لأسرته ومجتمعه وأخيرا لوطنه. من جهة لا يمكن طرح سؤال على شاكلة ما هي الأسباب التي أوجدتنا على هذه الحال بدليل أن حركية المجتمع الجارية أكثر من مخيفة وفي انحدار مبرح لو لم يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ ا ـ والوقائع السائدة تدل على ذلك، حيث تتفشى جميع الموبقات، خاصة الجرائم والسرقات المباحة والسحر والشعوذة، وما إن فتحت جريدة أو قناة إلا وفوجئت صباحا بأخبار مفزعة عن كذا جريمة وتهريب وسرقة وسطو واعتداء وحشي واغتصاب وصرخات مواطنين لازالوا يعيشون في قرون خلت بين أدران ظروف جد مزرية، فهل يمكن تعليق هذا الإرث الثقيل على رقبة المسؤولين بمختلف مناصبهم أم على الأفراد أنفسهم الذين لم يُحسنوا التناغم مع الأحداث والتحولات الصغرى والكبرى…أم على الحضارة المعاصرة والمتسارعة سرعة النار في الهشيم ؟ا ـ من يتحمل يا ترى مسؤولية هذا الإخفاق التاريخي والحضاري في آن معا. إنها بلا شك من أكبر المشكلات الحضارية التي أوصلت الشعب الجزائري نحو منعرج خطير لا يمكن تخطيه بأي حال من الأحوال أو القفز عليه إلا بتجنيد جميع الفعاليات والنخب الاستشارية وطبعا بإشراك السلط الرسمية والقوى الكبرى في البلاد وإلا فالجراح تزداد تعفنا وتشويها للفكر والجسد والعقل؟ ا
وحاشا أن تكون التكنولوجيا نقمة عادت علينا بالوبال بل بالعكس فهي نعمة النِعم التي لم نحسن استغلالها وترويضها لصالح يومياتنا والتنعم بامتيازاتها دقيقة بدقيقة. وساعة بساعة…والجميل أن حكومتنا الموقرة طلعت علينا بمصطلح جديد وهو (وجوب تأهيل مناطق الظل) لأن الجزائر الحبيبة مريضة جدا من الداخل وبالضبط من عمقها الذي هو بمثابة رئة ظلت ولازالت تصدّر لنا أغلب المآسي والمحن…وإذا تم بحول الله تحرير هذه المناطق وغسلها من جميع الشوائب خاصة التنمية المستدامة ساعتها نكون فعلا قد رسمنا خارطة طريق نحو مستقبل زاهر وعادل.