أقلامالأولى

حجة الدكتور في رفض الدستور

بقلم احسن خلاص

كنا قد بينا في مقال سابق كيف أن موقف حركة مجتمع السلم من الطبعة الجديدة من الدستور وهو التصويت بلا من شأنه أن يضفي للنقاش القائم حول مقترحات السلطة صبغة ديمقراطية تخرجها من الدائرة الضيقة التي تحصر الناخب في الفاتح من نوفمبر بين تزكية الدستور ومقاطعة الاستفتاء وذكرنا أنه من الأجدر البحث عن أسباب هذا الموقف في الدائرة السياسية بعيدا عن المنهجية التي طرحت بها السلطة مسودتها للنقاش، وهي التي اختارت منذ البداية تجنب سياسة الكرسي الشاغر التي اعتمدتها أحزاب أخرى لاسيما أحزاب القطب الديمقراطي وحزب جبهة العدالة والتنمية من جهة والتوجه نحو الاستقطابية السياسية بأن تظفر بزعامة التيار الرافض للدستور دون رفض المسار الانتخابي الذي انطلق في ديسمبر الماضي وهو ما سيهيئها لأخذ موقع جديد لها على الساحة يهيئها لخوض الانتخابات البرلمانية والمحلية من موقع قوة لاسيما إذا أثمرت دعوات الرفض وجلبت عددا كبيرا من الناخبين.

MAKRI

يؤاخذ التيار المقاطع لاستفتاء أول نوفمبر على حمس أنها بقرار الرفض لن تقوم إلا بإضفاء شرعية للدستور كانت تبحث عنها السلطة وقد عبر رئيس سلطة تنظيم الانتخابات عن مراهنة السلطة على المشاركة الواسعة بصراحة بينما تؤاخذ حمس على التيار المقاطع أنه باختيار البقاء في البيوت سييسر التزوير ويزيد من فرص تمرير الدستور. وتصنف هذا التيار إلى فريقين، فريق ينتمي إيديولوجيا إلى الدائرة الفكرية والثقافية لحركة مجتمع السلم من أمثال جبهة العدالة والتنمية التي لم تشارك في العملية برمتها بل رفضت مسودة الدستور منذ البداية جملة وتفصيلا. وتحذر حمس هؤلاء من فخ المقاطعة وبهذا الصدد ذكر مقري في تغريدة له على التويتر أن المقاطعين للدستور “من تيارنا ليسوا خصومنا بل كثير منهم حلفاء ولكن نقول المقاطعة والجلوس في البيت دون إبداع شيء آخر معها يسقط الدستور غير كاف لأن التزوير يكون أصعب لما يقع سيل عظيم من الرافضين له في الصناديق ويضعف قوة “لا” في حالة ضعف المشاركة.

إلى جانب الحلفاء من المقاطعين هناك تيار الخصوم من العلمانيين الذين لم يختاروا المقاطعة انطلاقا من رفضهم للدستور الجديد بل لعلمهم أنها ستزيد من حظ تمرير المشروع بيسر وسهولة ولو أبدوا ظاهريا معارضة للمسار السياسي وخصومة للسلطة إلا أنهم في نظر مقري ومن حوله حلفاء طبيعيون وموضوعيون للسلطة وأهداف السلطة من الناحية الأيديولوجية لا تختلف عن أهدافهم وما دعوتهم لمقاطعة الاستفتاء إلا لتيسير تمرير دستور غارق في العلمانية أنتجته لجنة “لا صلة لها بقيم المجتمع الحضارية والدينية” فمن الضروري في هذه الحال تشكيل جبهة رفض واسعة لهذا الدستور لأن ذلك فرصة للتعبير عن رفض المساس بالامتداد العربي الإسلامي للجزائر. وليس أدل على ذلك من وجهة نظر حركة مجتمع السلم من رفض لجنة لعرابة لكل المقترحات التي تقدمت بها الحركة لتعزيز هذا الامتداد منها جعل الشريعة الإسلامية مصدرا من المصادر الأساسية للتشريع وتجريم استعمال اللغة الفرنسية في الوثائق الإدارية والإبقاء على مبدأ تحييد المدرسة عن التأثير السياسي الأيديولوجي بدل الحزبي وكذا تحييد دور العبادة بما فيها المسجد وإبعادها عن أي محتوى خارج دورها الروحي إلى جانب دسترة بيان أول نوفمبر وإدراجه ضمن المواد الصماء وتطوير الأمازيغية ضمن إطارها الطبيعي العربي الإسلامي وباختصار شديد فإن مقترحات التعديل كما صاغتها لجنة لعرابة لم تجسد مطالب النوفمبرية الباديسية التي رفعت في العديد من مسيرات الحراك.

أولت حركة مجتمع السلم أهمية قصوى للقواعد الأيديولوجية التي تقوم عليها التعديلات الدستورية الجديدة وقدمتها على الاهتمامات المتعلقة بآليات الحكم واتخاذ القرار وتخلت عن خيار النظام البرلماني الذي كانت تنادي إليه منذ سنوات وركنت إلى مجرد مناقشة الأحكام المتعلقة بالنظام شبه الرئاسي كما هي مطروحة والتذكير بأن الدستور المعروض ليس دستورا توافقيا فقد كانت اليد الطولى فيه للجنة غير توافقية وغير متوازنة التشكيل على حد تعبير مقري الذي ينطلق من أن اللجنة علمانية الهوى الأيديولوجي بالرغم من أن السلطة ظلت تضفي عليها الطابع التقني وتؤكد أنها لم تكلف إلا بتقديم الصيغة النهائية لما اتفقت عليه أغلبية الاقتراحات وعددها يتجاوز 5 آلاف اقتراح.

غير أن رفض الفقرات “المسمومة” التي تهدد الهوية وتماسك نسيج المجتمع التقليدي دلت بوضوح على النزعة المحافظة لحركة مجتمع السلم لاسيما في مجال دور المسجد في الحياة الاجتماعية والسياسية وكذا دور المجتمع في حماية الأسرة إذ لم تكتف الطبعة الجديدة في نظر الحركة بطرد الدين من المجتمع وحصره بين جدران المساجد بل حالت بين الأسرة والمجتمع وحصرت مهمة حمايتها لدى الدولة وحدها لاسيما وأن هذه الأخيرة بالرغم من نص المادة الثانية من الدستور على أن الإسلام هو دينها إلا أنها في واقع ما اقترحه هذه الفقرات تتجه لتصبح دولة علمانية وهو ما تتخوف منه التيار الإسلامي بشكل عام.

بدأت حركة مجتمع السلم تخوض معركتها السياسية لاستقطاب كتلة الرافضين للدستور من وعاء المسايرين للمسار السياسي المنطلق من انتخابات ديسمبر وهو الوعاء الذي سينقسم هذه المرة بسبب الموقف من الدستور وهو ما تراه السلطة على أنه سلاح ذو حدين فهو يضمن مشاركة واسعة في التصويت غير أنه قد يضعف من شرعية التعديلات الجارية إذا استطاعت كتلة الرافضين إحداث توازن قوى يدعم حظوظ حركة مجتمع السلم في الانتخابات البرلمانية القادمة. ويأتي تعيين عضو مجلس شورى الحركة الهاشمي جعبوب وزيرا للعمل كرسالة تفنيد لمقري الذي أعلن في آخر ندوة صحافية أن لا أحد من أعضاء المجلس دعا للتصويت بنعم على الدستور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى