أقلام

حدث وموقف.. اليوم الوطني للشهيد ذكرى وعبرة

الاحتفال بيوم الشهيد الموافق لـ 18 فيفري لم يأتي من فراغ وإنما أتخذ كيوم وطني يحتفل به كل سنة منذ 1989 وذلك تخليدا لأرواح الشهداء الذين سقطوا في ميدان الشرف دفاعا عن الوطن, كما له أبعاد تاريخية أخرى, منها بناء روابط بين الأجيال للتواصل التاريخي والفكري, واستخلاص الدروس والعبر وتذكير الشباب بعظمة الثورة التحريرية والثمن الذي دفع من أجل الاستقلال, وتضحيات الآباء والأجداد, والتعريف بأهمية ثورتنا التحريرية الكبرى كدرة الدرر والمرجعية الثورية لكل أحرار العالم, الذين اتخذوها قدوة يحتذى بها, كما يعتبر وقفة للإطلاع على فظائع المستعمر ومجازره المرتكبة في حق الشعب الجزائري الذي عاش المعاناة والفقر والترويع واستهداف مصادر رزقه من مواشي ومحاصيل زراعية, ومداهمات لا تنتهي ليلا ونهارا, كذلك يهدف هذا اليوم لربط الحاضر بالماضي والتعريف بالشهداء الذي بلغ عددهم منذ سنة 1830 إلى غاية 1962, 5 ملايين و630 ألف شهيد‪.‬‬

الثورة الجزائرية عظيمة عظمة أبطالها و مفجريها, لذلك وصفها الغيني أملكار كابرال زعيم الحزب الأفريقي لتحرير غينيا “مكة الثوار” وعندما سئل عن ذلك من طرف الصحفيين قال: “المسلمون يحجون إلى مكة والمسيحيون إلى الفاتيكان والحركات التحررية إلى الجزائر” وهذه المقولة تحمل في طياتها الكثير, بأن الجزائر كانت ثورتها من أكبر الثورات في العالم لنتائجها العسكرية والسياسية وانتصاراتها البطولية ضد أكبر قوة عسكرية في العالم و المسنودة من طرف الحلف الأطلسي, كذلك لطريقة إدارتها وأبعادها الإنسانية والأخلاقية, كما إن صاحب المقولة لم تخيب الجزائر آماله, فقد بقيت الجزائر وفية لمبادئ شهدائها الأبرار, فهي ماتزال تساند القضايا العادلة في العالم جهارا نهارا, كما كانت ثورتها بشقيها الدبلوماسي والعسكري قوية و شفافة وكان لها صدى على مستوى المحافل الدولية‪.‬‬
الشعب الجزائري قاوم المستعمر الفرنسي منذ أن وطأت أقدامه النجسة أرض الجزائر الطاهرة, بحيث قدم قوافل من الشهداء تباعا في هبة بطولية عبر المقاومات الشعبية, رغم فارق القوة والمواجهة, قادها أبطال هذه الأمة المجاهدة مثل الأمير عبد القادر , واحمد باي, والخليفة أحمد بن سالم, ومحمد بن سالم الملقب بومعزة, والمقراني, وبوعمامة والشريف بوبغلة وفاطمة نسومر, ومحمد الكبلوتي, وثورة التحرير الكبرى, التي كانت ثورة عظيمة مكنت الشعب الجزائري من نيل استقلاله‪.‬‬
لقد انطلقت الحرب التحريرية الكبرى في أول نوفمبر من سنة 1954, شارك فيها أكثر 1200 مجاهد يحملون بنادق صيد وأسلحة
قديمة قدرت بحوالي 400 قطعة, وبالرغم من فارق القوة إلا أن المجاهدين بقوة إيمانهم وصبرهم واحتضان الشعب لهم وما أحدثته جمعية العلماء المسلمين من دعاية إعلامية وتحسيس ممنهج ومواعظ وتحريض على الجهاد وتبيان لهمجية المستعمر ووجوب النفير للجهاد , استطاعوا قلب موازين المعادلة وبثوا الرعب في قلوب العدو, بحيث تمكنوا من ضرب العدو في أي نقطة يتواجد فيها وإلحاق الخسائر به في الأرواح والعتاد , ومع تطور هذه الحرب وتعدد مواجهاتها غنموا أسلحة وعتادا حربيا, وأصبحوا قوة يحسب لها العدو الفرنسي ألف حساب, كما أدخلوا الأسلحة من تونس وكان للمنطقة السادسة تبسة الولاية الأولى التاريخية فضل كبير في تزويد الثورة بالأسلحة, وقد أكد الرئيس احمد بن بلة رحمه الله ذلك في مقابلة له مع الجزيرة في برنامج ” شاهد على العصر”, ورغم محاولة العدو المتكررة لإخماد الثورة التحريرية بقيامه بعدة إجراءات قمعية منها, الزج بالقادة في السجون وإعدام الكثير منهم, ومحاولة عزل الشعب عن الثورة, إلا أن محاولاته باءت بالفشل, ومن بين الأسباب نجاح الثورة مساند الشعب الجزائري والإسهام فيها بالتموين والتمويل, وهذا تطبيقا لقرارت مؤتمر الصومام, وذلك بالقيام بالمظاهرات والإضرابات, ومن أبرز القادة الذين أطلقوا شرارة الثورة, مصطفى بن بولعيد, كريم بلقاسم, محمد بوضياف, ديدوش مراد, رابح بيطاط و العربي بن مهيدي‪.‬‬

دور جمعية العلماء المسلمين في الثورة التحريرية

كان لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين دور فعال أثناء الثورة التحريرية وقبلها وذلك بتصديها للمشاريع الاستدمارية الفرنسية التي تريد من ورائها القضاء على الدين الإسلامي وطمس الهوية الوطنية و فرنسة الشعب الجزائري وإبعاده عن مبادئه وقيمه, فقد التحق الكثير من شيوخها وطلبتها بالثورة التحريرية, فقد دعا الشيخ العربي التبسي إلى الجهاد ضد الاستعمار منذ عودته إلى الجزائر سنة 1927 , بحيث عرف بكرهه الشديد لفرنسا, وينقل عنه قوله ” من عاش فليعش بعداوته لفرنسا ومن مات فليحمل معه هذه العداوة إلى القبر”, وقال عنه المؤرخ محمد الأمين بلغيث في إحدى محاضرته ” أهله في تبسة معروفين بالشدة فأخذ منهم هذه الصفة‪”.‬‬
قال عنه عقيد المخابرات الجزائرية، محمد الطاهر عبد السلام، في شهادته لجريدة الشروق الشيخ االعربي التبسي تبرع بـ300 رأس غنم للثورة التحريرية. حيث قال ما يلي “في نهاية شهر نوفمبر 1954 العظيم، جئت قادما من سوق أهراس رفقة أحمد علاق الشقيق الأكبر للجنرال محمد علاق، وهو أحد المعتقلين سنة 1950 عشية اكتشاف المنظمة الخاصة “لوس” بتبسة، طلب منه الشيخ العربي التبسي تسليم مبلغ مائتي ألف فرنك للمجاهدين، ثم أشار عليه أن يأخذ 300 رأس غنم (القطيع بأكمله) في بيته العائلي في ريف تازبنت بولاية تبسة ، مرددا ومؤكدا له: إنها ملكي الشخصي وليست ملك جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، خاتما كلامه أعلم أن “لوس” هي من فجرت الثورة وهذه مساهمة من العربي التبسي للثورة المباركة‪.).‬‬
يقول الشاعر محمد الشبوكي ابن بلدية ثليجان دائرة الشريعة في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين‪ :‬‬

جمعية العلماء صبح أشرقت…..أنواره فانجابت الظلماء
جمعية العلماء صبح قد دوت….. أصداؤه فاهتزت الأرجاء
قل للذين تنكروا لجهادها ….. وثنتهم الأطماع والأهواء
لما تجحدون فضائل القوم الآلي …..صنعوا الجزائر أيها الجبناء
لا تنكروا قيم الرجال فإنما….. إنكارهن حماقة حمقاء

هذه الجمعية التي تنكر لجهادها بعض من الأقلام العميلة, علما أنهم يدركون أن جهادها بدأ قبل اندلاع الثورة التحريرية واستمر مع اندلاعها بكل الوسائل وخاصة الإعلام عن طريق الصحف التي شنت حربا اعلامية على المستعمر وأذنابه, ومن أهمها الشهاب, الإصلاح, البصائر والمنتقد, هذه الأخيرة التي كانت أول جريدة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين, وكان شعارها ” الحق فوق كل أحد, والوطن قبل كل شيء”, الذي كان شعارا له أبعاد ثورية خالصة لا غبار عليها, وقد قال الشيخ العلامة عبد الحميد باديس رجل الإصلاح في الوطن العربي الذي زاوج بين الفكر الإصلاحي التوعوي والإعلام الهادف, في العدد الثاني من جريدة المنتقد ” إننا لسنا الإنسان ولا على إنسان, وإنما نخدم الحق والوطن” وعندما يلتقي الحق والدفاع عن الوطن, يكونان قضية سامية عنوانها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه‪.‬‬
ومن الحرب الإعلامية التي شنتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, قيام العلامة محمد البشير الإبراهيمي باتخاذ إذاعة صوت العرب منبرا لخطاباته المؤثرة والحماسية التي تدعوا الجزائريين لهبة قوية والخروج للجهاد ضد الاستعمار الفرنسي, كما جاهد بقلمه السيال الداعم للثورة التحريرية, وفضح همجية المستعمر, علما أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين متواجدة في كل التركيبات القيادية لجيش التحرير وضمن العنصر البشري من القمة إلى القاعدة, ومن بين قادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الرائد الشيخ إبراهيم مزهودي, نائب قائد الولاية الثانية, وممثل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مؤتمر الصومام, والأمين العام للحكومة الجزائرية المؤقتة‪.‬‬
ومن بين ابناء جمعية العلماء المسلمين الذين فجروا ثورة التحرير العربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد, كما نذكر العقيد شعباني رحمه الله قائد الولاية السادسة, كان من خريجي معهد العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس, كما أن أغلبية جماعة 22 درسوا في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و نهلوا مختلف العلوم من شيوخها , بحيث غرست فيهم النخوة والإقدام والشهامة وبالتالي صنعوا مجد هذه الأمة التي تعلقت بجمعيتها وبثوابتها الوطنية الثورية‪.‬‬

بلخيري محمد الناصر‪ ‬‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى