
د. مظهر محمد صالح
تجدد السياسة الخارجة الأمريكية نفسها والمسماة (العصا والجزرة) ولكن في عالم أتعبته حرب أوكرانيا وحروب الشرق الأوسط وهي حروب القرن الحادي والعشرين بأسلحة القرن العشرين، ما يسهل استخدام فلسفة العصا والجزرة في صفقة واحدة كي تحصد الولايات المتحدة الأمريكية في المذهب الترامبي الجديد مزايا السيطرة الممتدة…
تجدد السياسة الخارجة الأمريكية نفسها والمسماة (العصا والجزرة) ولكن في عالم أتعبته حرب أوكرانيا وحروب الشرق الأوسط وهي حروب القرن الحادي والعشرين بأسلحة القرن العشرين، ما يسهل استخدام فلسفة العصا والجزرة في صفقة واحدة كي تحصد الولايات المتحدة الأمريكية في المذهب الترامبي الجديد مزايا السيطرة الممتدة على أوروبا التي تحارب بالإنابة في أوكرانيا، وإخماد روسيا ومصالحها في أوروبا والشرق الأوسط بأقل التكاليف.
أنها استخدام عملي لمصطلحي التهديد بالقوة أو الحرب الصلبة (الحرب الفعلية) من جهة و(الحرب الناعمة) بإغراءات السلام المتغطرس مرة واحدة حول مناطق القوة والنزاعات في العالم) من جهة أخرى، لكي تحصد الترامبية الجديدة وبأذرع سهلة حصاد منافعها من حول العالم.. أو عّدها إمبريالية الراكب المجاني بلا تكاليف، تقوم على صراعات مناطق أنهكتها الحروب (أوروبا وأكرانيا) و(الشرق الأوسط ومشكلاته) من لبنان، ليبيا، اليمن، السودان وسوريا وإيران المحاصرة والتي تحارب بالإنابة ذلك الكيان الإسرائيلي (قاعدة الإمبريالية المتقدمة).
ويظل العراق ماسكاً خيوط عقلانية سياسته الخارجية بين الحليف والجار ليحسم أمره في لعبة القوة الناعمة الأمريكية حتى اللحظة .
إذ يتناول المفكر السياسي الكبير إبراهيم العبادي في مقال مهم له نشرته الصحافة البغدادية على نطاق واسع بعنوان : الترامبية والعراق .. السلام بالإرغام
قائلاً ((لا فرق بين حليف ولا صديق !!!.قائمة أهدافه الثانية ستشمل العراق حتما ،فالعراق ليس من أهداف الدرجة الأولى، لكن قضاياه جزء من خطة إدارة ترامب في فرض (السلام والاستقرار بالقوة !!)، والسياسة إزاء العراق مرتبطة الى حد كبير بالموقف من ايران ونفوذها ودورها الإقليمي، والأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب بإعادة سياسة الضغط الأقصى على ايران، يتضمن مراقبة ومنع استفادة ايران من النظام المالي العراقي، ومنع ايران من تحريك (أذرعها) ووكلائها كما يردد دائما من خلال تقليص قدراتها المالية الى الحد الأدنى (جعل ايران مفلسة) وتشديد العقوبات على من يساعدها في الالتفاف على العقوبات المفروضة على قطاعها النفطي)). ويواصل العبادي قائلاً: ((ن أول نتائج التشدد الترامبي سيكون الغاء الاستثناء الممنوح للعراق لاستيراد الغاز والكهرباء من ايران بما يعرض العراقيين الى أزمة طاقة ستتدحرج الى أزمات اخطر كما تعودنا، وثاني خطوات التشدد، ستكون الرقابة المشددة على (الدولار) العراقي لكي لا يذهب شرقا أو جنوبا، تحت مسمى تغطية مستوردات (مبالغ فيها طبعا)، وثالث الخطوات سيكون إسكات الأصوات الفصائلية المسلحة، وفرض احتكار الدولة للسلاح وتوحيد الخطاب السياسي العراقي الخارجي، ورابع الخطوات سيكون إعادة هندسة العملية السياسية في العراق، سيما والانتخابات القادمة على الأبواب، هذه الهندسة ستتم عن طريق الضغوط والاشتراطات المالية والاقتصادية واستثمار المزاج الشعبي، واي اضطرابات في المنظومة الاقتصادية العراقية سيكون لها انعكاسات امنيه وسياسية.
لذا فالتعامل مع الإدارة الأمريكية الترامبية يحتاج الى قاعدتين ذهبيتين ،الأولى فهم سيكولوجية ترامب وحكومته وإدارة التعامل معه برؤية مدروسة يضعها الخبراء ليتفادى العراق الأسوأ، ولا يضعها سياسيون وإعلاميون يرتجلون المواقف ارتجالا بلا تقدير للمصالح ولا فهم للحكم الشرعي (دفع الأفسد بالفاسد) وهي الحكمة العملية التي افتقدناها كثيرا.
أما الثانية فهي تحديد الإمكانات والممكنات والبدائل بما يوفر على العراق الانسياق مع من يريد له أن يكون كبش فداء في مشروع التضحيات المفتوح، التضحية الأعظم ستكون حماية امن العراق وسلمه الأهلي واقتصاده ورفاه شعبه، فمنطقتنا شهدت طوال مائة عام من السياسات، نماذج من الفهلوة السياسية، انتهت الى لا شيء، سوى التطرف الديني والسياسي والأحلام الكابوسية وخراب العمران. ولا يحتاج العراق الى مزيد من هذه الفهلوات)).
وبحسب رؤيتنا فأن السياسة الترامبية الجديدة، هي حرب جيو اقتصادية أو تمدد إمبريالي بلا تكاليف من خلال تشديد آليات الحماية وفرض التعريفات الجمركية في التعاطي التجاري مع العالم وكسر شوكة التجارة الحرة، إذ مازالت الولايات المتحدة الأمريكية تمثل بنفوذها الاقتصادي اكبر قوة اقتصادية في العالم فهي باتت تعمل باتجاهين، الأول: استمرار هيمنتها على النظام النقدي الدولي ولاسيما في تسيير نظام المدفوعات والتسويات التجارية الدولية، إذ مازال الدولار الأمريكي يحتل موقع العملة الأولى في العالم في تلك التسويات التجارية والاحتياطية.
والثاني: بسبب تلك الهيمنة تعد أميركا التاجر الرئيسِ في العالم، وان دخولها في نظام الحماية التجارية بشكل مفرط مع شركائها التجاريين، جاء لخنق القوة التنافسية الأجنبية إزاء المنتج الأمريكي وتحقيق هيمنة تجارية على العالم ولاسيما مع الصين والاتحاد الأوروبي ودولتي اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا (نافتا) وهما كندا والمكسيك.
انه انقلاب في النظام الاقتصادي الدولي بغية ولادة تفوق للدولة القومية الأمريكية على نظام العولمة وتفرد أحادي قومي خطير من خلال فرض الإجراءات والتعريفات الجمركية، ما يجعل المنتج الأمريكي اقل كلفة ويشجع على النمو الاقتصادي الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية ضمن اتجاهين، الأول، الاكتفاء بالمنتج الأمريكي للسلع البديلة المكلفة على الميزان التجاري الأمريكي والتي ستجعل من تشجيع إنتاجها والطلب عليها أمريكياً من المزايا النسبية في الأسعار وبتكاليف اقل مقابل السلع المستوردة.
والثاني، استمرار الهيمنة بنظام المدفوعات النقدية على العالم.
وهما فكان متكاملان ياكلان من حافات الاقتصاد العالمي لمصلحة اقتصاد الولايات المتحدة. وهي سياسة عميقة تحقق الازدهار الاقتصادي الأمريكي وفرض نمط جديد من القوة والهيمنة الإمبريالية يقوم على قلب معادلات العولمة لمصلحة الدولة القومية الأمريكية وإلغاء بدعة تحرير التجارة العالمية، وإعادة تفردها بالعالم بعد خروج أوروبا وروسيا كمنطقتين مهمتين أنهكتهما الحرب والحفاظ على الصين كمنطقة خصم في تدوير زوايا الحياد في الخطاب السياسي والاقتصادي الصيني وإيران محاصرة الى حين نزع سلاحها النووي.
وأخيرا، انهها إمبريالية مجانية الركوب وبلا تكاليف، تقوم على نهايات نزاعات العالم لكي تعيد أميركا بناء قوتها الإمبريالية العسكرية الذكية مجدداً وعلى عوالم أنهكتها الحروب الفعلية أو الحروب الخرساء، وتدهور مناطق القوة في عالم ملتهب في تجربة حروب القرن الحادي والعشرين، إذ تحاربت جميعها بأسلحة القرن العشرين التقليدية، والتخلص منها قبل الدخول في حروب الذكاء الاصطناعي، وتبدل استراتيجيات المجمع العسكري-الصناعي الأمريكي كأحد أقوى اللوبيات في الولايات المتحدة، الذي يربط بين الجيش والصناعات الحربية وصناع القرار، ودوره في تعزيز القوة العسكرية الأمريكية، وتأثيره على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتشجيع النزاعات المسلحة وضبط وتحريك بؤر التوتر للحفاظ على تدفق الأموال إلى قطاع الدفاع والاستعداد لعالم قادم .. عالم ما بعد
الإمبريالية القومية الأميركية ولكن بأسلحة القرن الحادي والعشرين الرقمية والتلويح بها .
ختاماً، انه عصر الإمبريالية القومية الجديد، عالم إمبريالي أحادي الأقطاب يضبط مناسيب الحرب الكونية عن بعد ويتعايش على مساحات تراجعها أو تمددها بلا تكاليف مباشرة، يتطلبها ولوج الحرب بنفسه لتكون أميركا اليوم (الراكب المجاني Free rider) في الهيمنة على العالم في آنٍ واحد.. وبلا تكاليف.