إن الأبعاد الجغرافية السياسية وتأثيراتها على السياسة والتواصل الدبلوماسي لخدمة الإنسانية معروف منذ القديم كتحديات سعى لها الغرب وحولها لفكر يخدم استقرار الدول ذات النزعة الاستعمارية وتوسعاتها الإقليمية المبنية على المصالح, وقد ضربت الصهيونية العالمية باعتبارها حركة سياسية مبنية على أسس قومية توراتية عنصرية, من أهدافها تشجيع اليهود في الشتات للهجرة إلى فلسطين, لتحريرهم من المآسي التي يعانون منها على هذا الوتر الذي رأت فيه تحديا يدفعها لبلوغ مراميها وأهدافها الاستعمارية البحتة التي بنيت على سفك الدماء والعنصرية, وبالتالي كان لها ما أرادت بمساعدة بريطانيا التي أصدرت سنة 1917 وعد بلفور المؤيد للصهيونية الذي يرمي أساسا إلى تأسيس وطن لليهود على الأراضي الفلسطينية.
ومنذ 76 سنة والشعب الفلسطيني يعاني الويلات من مجازر ومذابح مترادفة متعاقبة إلى يومنا هذا, فقد عمل الفكر الصهيوني على تكريس سياسة القوة والردع بالتوازي مع الدبلوماسية والتمدد وإنشاء علاقات مع دول أفريقيا وأسيا و بعض الدول العربية, فقد استطاعت أن تزحف سياسيا وعسكريا واقتصاديا وأمنيا لتقيم علاقات مع 40 دولة افريقية تعدتها لإستراتيجية جديدة وهي “الدبلوماسية العسكرية”, ممثلة في تبادل الخبرات العسكرية وإرسال ملحقين عسكريين, لتصنع لها وجودا حيويا واستراتيجيا في ظل تنافس الأقطاب, ومن العلاقات التي أثرت على الساحة السياسية العربية وأطفأت القومية العربية وجعلت الركود يسري في جسد الأمة العربية صقيعا افرغ كل المبادرات الداعمة للقضية الفلسطينية, اعتراف مصر الرسمي بالكيان الصهيوني كدولة بتاريخ 17 سبتمبر 1978 تم بموجبه تبادل السفراء, وبهذا انتقلت العدوى وتم التحاق كل من الأردن, الإمارات, البحرين, السودان والمغرب.
لذلك طغى الكيان الصهيوني وتجبر ومارس كل أنواع القمع والتقتيل والترحيل القسري ضد الفلسطينيين وسلب أراضيهم, وبناء المستوطنات, والتفنن في المجازر والمذابح واستهداف الأطفال والتعدي على حرمة حرائر فلسطين, كل هذا تحت الحماية والدعم الأمريكي والغربي المتواصل بالسلاح والعتاد وغيرهما من الوسائل المادية والمعنوية والسكوت العربي المخزي, وقد عبر الكثير من الشخصيات الدولية بأن الصمت الدول العربية والإسلامية مخزي ويعتبر عار سيحفظه التاريخ.
ولكن الجهاد الفلسطيني متأصل وراسخ و لم يتوقف ولم ييأس أبطال غزة فقد ملأ الله عز وجل دواخل المجاهدين بالإقدام والشجاعة واصطفاهم ليكونوا نخبة سامية في الدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات, وقد بينت أحداث السابع من أكتوبر 2023 أن هذا الجيش نمر من ورق, صنع لنفسه هالة ومرتبة مزيفة, وهاهي الصهيونية رغم فتنها المتنوعة واغتيالاتها لأبطال المقاومة الفلسطينية واستعمالها لسياسة فرق تسد لتقسيم الفلسطينيين لفرق وفصائل وأحزاب من أجل الإنفراد بهم وتقليم مخالبهم كما يعتقد الصهاينة, ولكن ظنهم خاب و مسعاهم سقط في الماء, فقد صدمتهم الحقيقة المتمثلة في سقوطهم الحر في مستنقع غزة و المواجهة الشرسة التي وجدوها من المقاومة والخسائر في العتاد والدبابات المختلفة الأنواع والقتلى والجرحى والمعاقين والمصدومين نفسيا, وانحطاط الاقتصاد الكبير من جراء خسائر الحرب الذي أدخل العدو الصهيوني في دوامة من المشاكل والانقسامات والتصادمات التي هزت أركان المجلس الحربي المصغر, كما أصبحت الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني ملتهبة من جراء المسيرات التي تنظمها عائلات الأسرى, والتي أثرت تأثيرا كبيرا على سياسة الكيان الصهيوني الخارجية واستقراره الداخلي, كما اعترف هذا العدو الصهيوني الغاشم تكبده خسائر كبيرة كلما تقدم خطوات في غزة, ليتواصل النزيف الاقتصادي الذي أصبح هاجسا قد يؤدي على غلق عدد من المقرات الحكومية وتحويل مداخليهم للإنفاق العسكري.
وحسب الكيان الصهيوني أنه بحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 20 مليار شيكل أي ما يعادل 8.3 مليار دولار لهذه السنة, و بالموازة مع الإنفاق العسكري فإن وزارة المالية بحاجة لـ2.7 مليار دولار تكاليف إجلاء 120 ألف شخص من الحدود الشمالية والمناطق الجنوبية, زيادة على بناء المستوطنات التي تم تدميرها من طرف المقاومة وكذلك ميزانية مصالح الأمن والشرطة.
بلخيري محمد الناصر