أقلامالأولى

حمس من الحلم إلى الواقعية الحالمة

بقلم احسن خلاص

خرجت حمس من الانتخابات التشريعية لعام 2017 منتشية بحفاظها على أزيد من عدد المقاعد ذاته الذي حققته في الموعد التشريعي السابق الذي تكتلت فيه مع الإصلاح والنهضة الاحتفال بالمرتبة الثالثة في الخارطة السياسية المؤسساتية وراح رئيسها عبد الرزاق مقري يشترط شروط حمس لم يريد أن يخطب ودها لاسيما وأن السلطة حاولت الاقتراب منها لعلها تكف عن نشوزها وتعود إلى البيت. ومع تحفظها عن المشاركة في الحكومة بالصيغة التي عرضها عبد المالك سلال عليها إلا أن قيادتها لم تبق مكتوفة الأيدي في ظل الفراغ السياسي الرهيب والتوتر غير المعلن على جميع الجبهات لاسيما وأن العد التنازلي للانتخابات الرئاسية قد بدأ ولم يعرف مصير الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلا من بعض الايحاءات التي قدمها رئيس الهيئة الاستشارية فاروق قسنطيني بشأن رغبته في طلب العهدة الخامسة وهو الايحاء الذي لم يجد معارضة من الموالاة التي بدأت تتهيأ لها كأمر كان مفعولا. 

وسط الترقب السائد المتميز بالتوتر الصامت راحت حمس في اتجاه كسر جدار الصمت ونهجت النهج ذاته الذي نهجته جبهة القوى الاشتراكية من قبل فانطلقت في ما أسمته مبادرة التوافق الوطني التي كانت تقوم على جعل العهدة الرئاسية الجديدة التي تبدأ في 2019 وتنتهي في 2024 عهدة توافقية يقودها رئيس توافقي تتوفر الشروط الدنيا التي تتفق عليها جميع أطراف التوافق الذي لن يتأثر بنتائج الانتخابات التشريعية والمحلية لعام 2022 لأن برنامجه التوافقي سيقوم على سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تتطلب التوافق أمام الأزمة الخانقة التي تنتظر البلد في تلك المرحلة الحرجة. انتقلت حمس إلى مقرات جميع الأحزاب وعرضت فكرتها على الجميع من الموالاة إلى المعارضة ومن الأحزاب الإسلامية إلى الأحزاب العلمانية دون أن تجد آذاننا صاغية فقد فهمتها أحزاب الموالاة بأنها خطة سياسية لقطع الطريق أمام ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، وبما أن هذه الأحزاب أجهزة انتخابية ديدنها انتظار الإعاز فقد دعت بدورها حمس للتوافق حول برنامج رئيس الجمهورية الذي لا يعرفون توافقا حول غيره بينما رأتها أحزاب المعارضة ولاسيما الإسلامية منها بأنها طبخة جديدة من قبل حمس لتبوء زعامة التيار الإسلامي بالأخص والمعارضة بشكل عام خلال الاستحقاقات القادمة وهي التي خرجت أقوى بعد عودة مناصرة وجبهته إلى البيت بعد مؤتمرها الجامع. 

لم يكن السياق ملائما تماما لأي مبادرة سياسية عشية الانتخابات الرئاسية التي كانت تهدد البلد بالانفجار بعد دخول النظام في أزمة داخلية خانقة ميزتها انشقاقه إلى عصب صارت تتقاذف وتتصارع على الملأ. ومع ذلك ظلت قيادة حمس صامدة عنيدة تحاول إقناع الجميع بما فيهم قيادة الجيش بجدوى مبادرتها التي من شأنها أن تجنب البلاد مزالق المرحلة. غير أن رد رئيس الأركان احمد قايد صالح على المبادرة عبر الإعلام بالرفض كان بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت على مبادرة مقري عندما ذكره قائد الجيش أن هذا الأخير لا يتلقى التعليمات والتوجيهات إلا من عند رئيس الجمهورية.

عاد مقري إلى بيته يجر الفشل، غير أن سعيه لم يمر دون أن يترك أثرا فقد دعاه محيط الرئيس بوتفليقة للتوافق حول صيغة جديدة يتكفل مقري بإنزالها إلى الرأي العام لعلهم يرجعون. اقترح مقري مبادرة واضحة صريحة هذه المرة بدل المعادلة متعددة المجاهيل التي اقترحها من قبل. تقوم المبادرة هذه المرة على تمديد عهدة الرئيس بوتفليقة بسنة واحدة وبحكومة وحدة وطنية وبرنامج محدد يقوم على إجراء إصلاحات عميقة تمر بندوة وطنية يجري فيها تعديل الدستور وهي مرحلة مركزة  يشارك فيها الجميع قبل إجراء انتخابات رئاسية متأخرة يسلم بعدها بوتفليقة السلطة لرئيس جديد. بدأ مقري في نشر الرسالة الجديدة غير أنها لم تلق الاستجابة المنتظرة حتى من قبل الموالاة التي أدركت أنها لعبة جديدة أعدها شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة في محاولة لضمان توافق حول إمكانية خلافة أخيه. ويجد مقري نفسه أمام جدار الخوف والتوتر الذي ساد تلك اللحظة الحرجة من الحياة السياسية في الجزائر. لم يكن أمام محيط الرئيس بوتفليقة إلا المغامرة بترشيح الرئيس المريض المقعد والغائب لعهدة جديدة لاسيما وأن أحزاب الموالاة الأربعة جاءت مسرعة إلى تجديد الولاء وهي تحمل “الكادر” في تجمع ضخم بالقاعة البيضاوية أو ما يسمى تجمع “الكاشير”.

وجدت حمس نفسها من جديد معزولة بعد هذه الانتكاسة الثانية لاسيما وأنها كانت دوما تحلم بواحدة من اثنتين، مكانة متقدمة في الحكومة أو مركز ريادي في قيادة المعارضة لكن مبادرتها الأخيرة قدمتها الرأي العام بأنها بوق من أبواق السلطة وأنها لا تثبت على عهد واحد ومع ذلك لم تتردد أحزاب المعارضة في دعوتها للالتحاق بها في لقاءاتها الجديدة ببيت جاب الله التي انطلقت أياما قليلة فقط قبل انطلاق الحراك في 22 فبراير. 

شاركت قاعدة حمس في الحراك كما شاركت قواعد أحزاب أخرى فكان الإبقاء عليها مرهونا بمسايرة خطاب الشارع الذي رفض العهدة الخامسة كما رفض التمديد للرابعة التي كانت قد أطلقتها حمس، وأما اختيار السلطة لبن قرينة مرشحا للتيار الإسلامي تراجعت عن خوض الرئاسيات وتركت الحرية كاملة لمشاركة قواعدها في التصويت.

هاهي حمس اليوم تستعد لخوض الموعد التشريعي الجديد وكلها حلم في أن تنال الأغلبية أمام ما اعتبرته تراجعا لحزبي السلطة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتأخر فعاليات المساندة للرئيس تبون عن تنظيم نفسها. فهل ستحقق حمس أحلامها أم أنها ستضيع كما ضاعت سابقاتها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى