أقلامالأولى

حواجز الديمقراطية في عالمنا العربي

د. بن عجمية بوعبد الله أستاذ جامعي وكاتب صحفي

 

عندما حصلت عديد الدول العربية على استقلالها في منتصف القرن الماضي، طرحت إشكالية أنظمة الحكم بعمق في هذه الدول حيث هيمن المنتصرون الذين قاوموا المحتلين على دفة الحكم عسكرا كانوا أو مدنيين، برضا ودعم المستعمرين أو رغما عنهم، لكن الملاحظ في هذه الظروف أن أغلب هذه الأنظمة السياسية الجديدة تخندقت خلف الاتحاد السوفياتي سياسيا واقتصاديا وورثت عنه نظام الحكم الشمولي القائم على حكم الحزب الواحد والشخص الواحد، حيث لا معارضة ولا حرية تعبير ولا انتخابات نزيهة ولا تداول على السلطة، فبدأت النخب المعارضة في هذه الدول بالتحرك لتغيير الأوضاع بدعم من الدول الغربية ذات التوجه الرأسمالي التي تحاول من جهة إعادة بسط نفوذها على مستعمراتها القديمة ومن جهة أخرى مواجهة الاتحاد السوفياتي وتضييق خناق التوسع عليه في هذه المنطقة الحساسة والمهمة والغنية بالثروات المختلفة.

وانقسمت هذه النخب المعارضة والجماعات الإصلاحية التي بدأت تعلن صراحة رغبتها في التغيير والتحرك العملي لإزاحة هذه الأنظمة غير الديمقراطية في نظرها، انقسمت إلى التوجهات الأساسية التالية:

  • نخب حاولت إصلاح هذه الأنظمة من الداخل مستدلين بذلك بعديد التجارب عبر التاريخ بأن الذين تخندقوا وسط الحكام وحاولوا النصح والإصلاح الداخلي كلهم نجحوا في تجنيب بلدانهم ومجتمعاتهم الكثير من الأزمات، حجتهم في ذلك أنه هذه الأنظمة هي كيانات قوية ولا يمكن إزاحتها بالشعارات أو حتى بالعمل المعارض مهما كان شكله بحكم تملكها للإدارة والمال والإعلام والعسكر وبالتالي لا يجب هدر الطاقة وتضييع الجهود وتبديد المبادرات ضد أنظمة لن تسقط بالسهولة التي يتصورها البعض.
  • نخب أخرى حاولت الإطاحة بأنظمة الحكم بحمل السلاح وبالعنف بكل أنواعه، وهذه النخب فشلت فشلا ذريعا بل وكبدت مجتمعاتها أثمانا باهضة بل أعطت فرصة لأنظمة الحكم لإبادتها والنتيجة أن الأنظمة الحاكمة تقوت أكثر وحصنت نفسها أكثر، فالعنف لن يخلف إلا عنفا مضادا مهما كنت مظلوما أو معك حق الرد أو حق الدفاع عن النفس والأمثلة في عالمنا العربي كثيرة ومتعددة.
  • وفيه نخب وهي الغالب حاولت معارضة أنظمة الحكم بقوانين تلك الدول بالسلمية والتحضر وحاولت تأسيس تنظيمات وكيانات وأحزاب مطالبة الشعوب والأنظمة على السواء بمحاولة البناء المشترك والتوافق بين كل الكيانات للتأسيس لأنظمة حكم ديمقراطية قائمة على الصندوق الحر والشفاف وإرجاع السلطة والقرار للشعب في اختيار وانتخاب ممثليه بكل شفافية وحرية، وأغلب هذه النخب متعلمة وواعية ومعتدلة ومن كل التيارات السياسية والايديولوجية والفكرية وبعضها درس في الغرب وحاول أن ينقل تجارب النجاح الديمقراطي لبلاده، لكن بعض هذه التجارب نجح لكن أغلبها لم يحقق نجاحا يذكر لأن الأنظمة العربية الحاكمة لن تسمح أبدا بأي تغيير يزحزحها من على كراسيها أو يحاول مشاركتها في القرار السياسي.

إن المنطقة العربية تعاني ولسنوات طويلة من إشكالية الاستقرار السياسي بسبب غياب الديمقراطية التي أصبحت حلما صعب المنال بالنسبة للكثيرين وبخاصة بعد تجارب التغيير المؤلمة التي حدثت، ويمكن حصر المشهد في أن الديمقراطية في بلداننا عانت ولا تزال من حواجز صعبة وأدتها في المهد، ويمكن حصر هذه الحواجز في المشاهد المهمة التالية:

الحاجز السياسي: والذي يتمثل في التقاليد السياسية التي ترسخت في عالمنا العربي وأصبح من الصعوبة بمكان تغييرها او مقاومتها فالأنظمة الملكية أصبحت ثقافة راسخة مثلا إضافة إلى الأنظمة الجمهورية التي لا تريد التغيير ولو دفعت لذلك أثمانا مؤلمة، أعتقد ومن باب الوصف وليس التشاؤم أن المناخ السياسي في بلداننا لا يسمح حاليا بنجاح أي تغيير مهما كان شكله لا أقول مستحيل ولكنه صعب للغاية.

الحاجز الثقافي: وهو أن المنطقة العربية ترسخت فيها وتعززت ثقافة الاستسلام للواقع الحالي وتوارثت الأجيال فكرة أن تغيير الأوضاع غير ممكن مما أثر على نمط تفكير الشعوب المنطقة وحتى التركيبة الاجتماعية والنفسية التي أنتجت مواطنا ضعيفا وعاجزا ومستسلما، على خلاف شعوب الأنظمة الديمقراطية التي ورثت عن مجتمعاتها الحرية والنقد والاحتجاج وفرض منطقها وإرادتها في اختيار حكامها أشخاصا وسياسات والنتيجة واضحة بينهم وبيننا في التنمية والاستقرار والتعليم والصحة والثقافة والفنون والسياحة… إلخ.

الحاجز النفسي: وهو كم الرعب والخوف الذي تشكل لدى المواطن العربي ونتيجة ذلك خيبات الامل الكثيرة والمتعددة والمؤلمة التي شهدها التاريخ العربي المعاصر من حروب أهلية وصراعات أثرت كثيرا على نفسية العربي الذي أصبح ميالا للصمت والسلبية وعدم المبادرة باستثناء بعض المحاولات من هنا وهناك، ينضاف إليها طبعا الواقع الاجتماعي الصعب من بطالة وفقر وغلاء للمعيشة وتدهور للجانب الصحي والتعليمي… إلخ. 

حاجز التنوع العرقي واللغوي: هذا التنوع من المفروض أن يكون عامل قوة ونقطة إيجابية في مسار بناء أوطاننا ودولنا ومجتمعاتنا فهو موجود في كل البلدان والحضارات، ولكن في عالمنا العربي تحول إلى كابوس مخيف وعامل هدم أكثر منه عامل بناء، حيث حاولت أنظمة الحكم الاستثمار في هذا الموضوع للبقاء في الحكم، وفي المقابل حاولت بعض هذه الكيانات العرقية أن تحتمي بأي قوة تحميها من القمع أو محاولات التهميش أو الاحتواء والنتيجة تفكك العقد الاجتماعي في هذه البلدان ولذي من المفروض ان يقوم فقط على “المواطنة” مهما كان التنوع الديني او المذهبي او العرقي أو اللغوي.

هي حواجز أذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر، ولكن في المقابل ليست الأمور مستحيلة أو غير ممكنة يحتاج التغيير فقط إلى إرادة صادقة ووعي لدى أصحابه وتوافق بين الجميع من دون إقصاء للخروج ببلدان المنطقة العربية من أزماتها التي تعيشها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى