أقلام

دور مجزرة دير ياسين في الترحيل

د. غازي حسين

 

بدأت القوات اليهودية المسلحة بمهاجمة الشطر الغربي من مدينة القدس في نيسان 1948 قبل انسحاب قوات الانتداب البريطاني، وقبل دخول القوات العربية فلسطين لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الإبادة والترحيل.

كانت مجزرة دير ياسين في التاسع من نيسان نقطة تحول في الصراع نظراً لموقعها الاستراتيجي الهام على مدخل القدس الغربية وللترحيل الجماعي للفلسطينيين الذي أحدثته المجزرة، حيث أباد المجرمون اليهود جميع الفلسطينيين الذين كانوا يتواجدون في القرية وبلغ عدد ضحايا المجزرة 276 فلسطينياً استغلت العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة يشاعة المجزرة ووحشيتهاوأخذت تبث من مكبرات الصوت باتجاه الأحياء العربية في القدس «إذا لم ترحلوا سيكون مصيركم كالمصير دير ياسين».

«الطريق إلى أريحا مفتوحة أمامكم وسالكة، اهربوا من القدس قبل أن تقتلوا جميعكم».

وشكل حي الشيخ بدر في القدس الغربية، حيث يقوم حالياً مبنى الكنيست، هدفاً رئيسياً للتهديد والتخويف والاعتداءات اليهودية على المقدسيين، وأخذ أعضاء عصابة الهاغاناه الإرهابية يتسللون ليلاً داخل الحي يوزعون المنشورات ويعلقون الملصقات التي تنصح العرب بالرحيل من أجل السلامة والمحافظة على حياتهم، ويقطعون خطوط الهاتف والكهرباء، ويلقون القنابل اليدوية، ويرشقون الطلقات النارية، لخلق جو من الذعر والرعب لحمل سكان الحي على ترك منازلهم والرحيل من القدس، وبالفعل أجبروا سكان الحي على الرحيل، وركزت الهاغاناه اعتداءاتها على حي القطمون، لأنه يشكل موقعاً استراتيجياً لتأمين السيطرة الكاملة على الشطر الغربي من القدس، وفجرت فندق سمير أميس أهم المعالم البارزة في الحي، ووصل عدد ضحايا مجزرة الفندق الأربعين ضحية، وبررت الهاغاناه تفجير الفندق كعادتهم بالكذب بالقول إنه: «مكان يستعمل كقاعدة انطلاق للعصابات الإرهابية العربية، وكغرفة عمليات رئيسية لمنظمة الشباب العربي المسلح».

لكن التحقيق الذي قامت به سلطة الانتداب البريطاني التي كانت لا تزال تحكم فلسطين أكد أنه لا صحة إطلاقاً لادعاء اليهود، ووصف التقرير البريطاني تفجير فندق سمير أميس بأنه «مجزرة بالجملة لأناس أبرياء».

وأكد لي في نيويورك الكاتب المقدسي سامي هداوي أنه بينما كان عائداً إلى منزله في حي القطمون شاهد مدرعة يهودية تبث عبر مكبرات الصوت وباللغة العربية الطريق إلى جسر اللبني (على نهر الأردن) مفتوحة، اهربوا كي لا تلاقوا مصير أهالي دير ياسين، وبالفعل نجحت القوات اليهودية الإرهابية المسلحة من ترحيل الفلسطينيين من حي القطمون، ونهبوا منازل الحي وسرقوا منها حتىى الطعام واللباس والأثاث.

واستولت العصابات في شهر أيار 1948 على الشطر الغربي من القدس وعلى جميع الأحياء العربية فيه ومنها: حي الطوري، حي النبي داوود، حي القطمون، حي شنلر، حي الشيخ بدر، والبقعة التحتا والفوقا، وشردت حوالي (60ِ) ألف من المقدسيين، وضمت إسرائيل بعد تأسيسها في 15 أيار 1948 العديد من القرى العربية إلى الشطر الغربي المحتل من القدس، ومنها قرى بيت صفافا، والمالحة، وشرفات، وعين الكرم وبتير وشيدت إسرائيل فوق أراضي قرية عين كارم مستشفى هداسا والنصب التذكاري لضحايا النازية (ياد فاشيم).

فالوجود الإسرائيلي في الشطر الغربي من القدس قام على استخدام القوة وفرض الأمر الواقع وعلى الاحتلال والضم والتهويد وترحيل الفلسطينيين ومصادرة منازلهم وممتلكاتهم واراضيهم خلافاً لمبادئ القانون الدولي العام والانساني وقرارات الأمم المتحدة.

اقترحت الأمم المتحدة إعلان منطقة القدس منزوعة السلاح فوافقت الحكومة الأردنية في أوائل آب 1948 على مبدأ تجريد القدس بشطريها من السلاح، ولكن إسرائيل رفضت الاقتراح الأممي.

أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم (303 ـ 4) تاريخ 9/12/1949 عزمها على وضع منطقة القدس تحت الإدارة الدولية لضمان حماية الأماكن المقدسة، وعهدت إلى مجلس الوصاية تحقيق ذلك.

 

إعلان الكيان الصهيوني  القدس الغربية المحتلة عاصمة لها:

 

رفضت إسرائيل الاقتراح الدولي وضع القدس تحت الادارة الدوليةوأصرت على التمسك باحتلال القدس الغربية وأعلنت رسمياً في 11/12/1949 نقل عاصمتها من تل أبيب إليها، ورفضت تدويل الأماكن المقدسة.

وأعلنت الكنيست بياناً جاء فيه: «أن القدس جزء لا يتجزأ من إسرائيل»، ونقل رئيس الوزراء بن غوريون وعدد من الوزراء مكاتبهم في 14/12/1949 إلى الشطر الغربي المحتل، وانعقدت الكنيست فيها وأعلنت في 26/12/1949:

«إن القدس عاصمة إسرائيل منذ إنشاء دولة إسرائيل في 14 أيار 1948».

وأعلن بن غوريون مؤسس إسرائيل «أنه لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل».

وقاد الانتصار العسكري الذي حققته إسرائيل في حربها العدوانية عام 1948والنكبة، وسكوت الأمم المتحدة على تحدي إسرائيل للقرارات الدولية والقانون الدولي وتآمر بعض الحكام العرب مع الصهيونية إلى تشجيع إسرائيل في توطيد أقدامها في الشطر الغربي المحتل ونزع طابعه العربي الإسلامي والتخطيط لاحتلال الشطر الشرقي من المدينة في المستقيل.

استنكرت معظم الدول التي اعترفت بإسرائيل نقل وزارة الخارجية من تل أبيب إلى الشطر الغربي المحتل، واحتج مجلس الوصاية الدولي على الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل واعتبرها غير شرعية.

عززت إسرائيل مركزها غير القانوني في القدس الغربية المحتلة من خلال عقد جلسات الكنيست ولجانه، ونقل الوزارات والدوائر الحكومية، وإعطاء التسهيلات لنقل السفارات الأجنبية، وعقد المؤتمرات الدولية ومنح التسهيلات والامتيازات للمستثمرين الأجانب في المدينة المحتلة وللمستعمرين اليهود للسكن فيها.

وبدأت في عام 1961 ببناء مقر الكنيست وانتهى بناء المقر عام 1966 على أرض تعود ملكيتها للوقف الإسلامي ولعائلات فلسطينيةمنها عائلة د.وليد الخالدي.

واعتبرت جميع الدول العربية أن بناء مقر الكنيست على أراضي الوقف الاسلامي والملكية الخاصة لعائلات فلسطينية يؤدي إلى تثبيت وجود إسرائيل التوسعي والعدواني في مدينة الإسراء والمعراج العربية، بينما أعلنت الأوساط الإسرائيلية «أن تدشين الكنيست هو تدشين لرمز السيادة الإسرائيلية، ودليل على نجاحها في جعل القدس عاصمة لها».

وأكدت جميع الدول العربية أن افتتاح مبنى الكنيست الجديد في القدس المحتلة إساءة للعرب (إهانة وإذلال واحتقار) وأن حضور ممثلي البرلمانات والدبلوماسيين تشجيع لإسرائيل على الاستمرار في تحدي قرارات لأمم المتحدة بشأن القدس وفلسطين.

ضم الملك عبد الله في كانون الأول 1949 الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى الأردن، وأجرى انتخابات برلمانية في الضفتين، وصدر في 24 نيسان 1950 القرار الأردني بضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية واعترفت بريطانيا بالضم في 27 نيسان من نفس العام وأعلن الأردن عام 1959 أن القدس الشرقية العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية.

وأدى التخاذل العربي والتواطؤ الدولي إلى فتح شهية التوسع والاستعمار الاستيطاني اليهودي لدى حكام إسرائيل فأخذوا يسرعون في تهويد الشطر الغربي من المدينة الفلسطينية المقدسة ويستعدون لاحتلال ما تبقى من المدينة العربيةالتي أسسها اليبوسيون العرب قبل ظهور اليهودية.

 

حرب جوان العدوانية واحتلال القدس الشرقية:

 

أشعلت إسرائيل في الخامس من حزيران عام 1967 حرب حزيران العدوانية، واتخذ مجلس الأمن الدولي في السادس من حزيران القرار رقم 233 طالب فيه بوقف إطلاق النار فوراً، ولكن إسرائيل لم تستجب لذلك لأنها لم تحقق بعد كامل أهدافها من إشعال الحرب العدوانية، فعاد مجلس الأمن واتخذ في اليوم التالي أي في السابع من حزيران القرار 234 وكرر مطالبته بوقف إطلاق النار، ولكن إسرائيل ردت على مجلس الأمن باحتلال الشطر الشرقي من القدس أي العاصمة الثانية للأردن في اليوم نفسه . واتخذ مجلس الأمن في 14 حزيران القرار رقم 237 طالب فيه «تسهيل عودة أولئك الذين فروا من المناطق التي جرت فيها العمليات العسكرية ومعاملة أسرى الحرب والمدنيين طبقاً لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949».

عقدت الجمعية العامة الدورة الاستثنائية الطارئة ـ لبحث الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل واتخذت القرار 2253 بتاريخ 4 تموز 1967 يدعو إسرائيل لإلغاء التدابير التي اتخذتها لتغيير وضع مدينة القدس واعتبرتها غير صحيحة وطلبت من إسرائيل «إلغاء جميع التدابير التي صار اتخاذها والامتناع فوراً عن إتيان أي عمل من شأنه تغيير مركز المدينة».

ووصلت وقاحة أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل حداً أعلن فيه أمام الأمم المتحدة أنه حتى لو صوتت جميع الدول الأعضاء ضد إجراءات ضم القدس العربية والقرى المحيطة بها إلى إسرائيل فإن إسرائيل لن تتزحزح عن قراراتها أو تلغي هذه الإجراءات.

وأعلنت الحكومة الإسرائيلية بوقاحة منقطعة النظير وكعادة الصهاينة بالكذب أنها تقصد من توحيد المدينة تحقيق المساواة القانونية والإدارية بين السكان وتيسير الخدمات والمواصلات والاتصال بين الاقتصاد المتخلف في الشطر العربي بالاقتصاد الأكثر تطوراً في الشطر الإسرائيلي، ووعدت الأمم المتحدة بالعناية برفاهية السكان، ورفع مستوى حياتهم المعيشي إلى مستوى الحياة السائدة في إسرائيل ولكن الوقائع أثبّتت أن قادة اسرائيل أساتذة كبار في فن الكذب، وأن الهدف الإسرائيلي من الاحتلال تهويد القدس بشطريها المحتلينوجعلها عاصمة لجميع اليهود في العالم كمقدمة لجعلها عاصمة العالم تحقيقاً لخرافة هيرمجدون.

أصدرت الحكومة الإسرائيلية في 11/6/1967 قراراً ضمت فيه الضفة الغربية بما فيها القدس. وأصدرت الكنيست ووزير الداخلية في 27 و28 حزيران 1967 عدة قرارات جعلت القدس الشرقية جزءاً لا يتجزأ من القدس الغربية المحتلة عام 1948.

وبدأت إسرائيل على الفور بتغيير معالم القدس العربية لتهويدها وخلق حقائق على الأرض بتدمير الأحياء العربية وبناء الأحياء والمستعمرات اليهودية وسلسلة من المستعمرات التي تحيط بها من جميع الجهات، وتحويل سكانها العرب إلى أقلية.

وضمّت صور باهر، والشيخ جراح، ومطار قلنديا، وجبل سكوبس ومنطقة شعفاط إلى القدس الغربية المحتلة.

وأخذت تعمل على تغيير معالم المدينة العربية الإسلامية عاصمة فلسطين التاريخية وتهويدها تحت شعار مضلل وخادع وكاذب وهو إعادة توحيدها.

وبدأت إسرائيل منذ اليوم الأول لاحتلال القدس وحتى اليوم بالحفريات وبناء الأنفاق تحت أساسات المسجد الأقصى وحوله ووضع المواد الكيماوية على الصخور لتفتيتها على أمل أن ينهار المسجد الأقصى ويبنون الهيكل المزعوم على أنقاضه.

تؤكد قرارات مجلس الأمن الدولي عدم شرعية الإجراءات الإسرائيلية التي غيرت الوضع الجغرافي والديمغرافي للمدينة العربيةالفلسطينية المحتلة وتطالب بإلغائها وتفكيك الأحياء والمستعمرات اليهودية، وفشل مجلس الأمن على إلزام إسرائيل بتطبيق قراراته لان واشنطن وضعت إسرائيل  فوق حقوق الشعب الفلسطيني والأمم المتحدة، والقانون الدولي والعهود والمواثيق والقرارات الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى