
السياسة الانفصامية الغربية تجاه العالم العربي والإسلامي وما صاحبها من اضطرابات وتناقضات وتذبذب في القرارات والتصريحات, زيادة على سياسة الإغراءات وسياسة الإسلاموفوبيا أثر بالسلب على استقرار الشرق الأوسط وسياسة الدول العربية, بحيث أفرغها من قوتها وتأثيرها وخاصة تلك التي كانت حاضرة بقوة دبلوماسيا في المشهد السياسي بين العدو الصهيوني والقضية الفلسطينية, ومما زاد الطين بَلَّة دعم أمريكا وحلفائها للكيان الصهيوني سياسيا وعسكريا, والدليل ما صرح به إعلام الكيان الصهيوني الذي كشف عن 230 طائرة و30 سفينة محملة بالأسلحة والذخائر استلمها الكيان الصهيوني, ولهذا فالغرب بشدة القوانين الدولية وما وثق من جرائم يداه مضرجتان بدماء أطفال غزة ونسائها والأمنيين من المدنيين الذين تقصف بيوتهم فجرا وهو نيام.
إن سياسة الإسلاموفوبيا التي تمارسها الدول الغربية في الشرق الأوسط كمفهوم لرفع المناعة عن الدول العربية والإسلامية, باعتبار ماضيها الاستعماري البحت, زيادة على عنصريتها المبنية على سفك الدماء وسياسة فرق تسد, خلق شرخا كبيرا وتنافرا سياسيا وقطيعة إستراتيجية في تعاضد الدول العربية وتحويل نظام القومية العربية إلى قفر لا روح فيه ولا رجاء, فتماسك الدول العربية كان يقلق العدو الصهيوني كثيرا, ولذلك سعت بالتعاون مع حلفائها الغربيين على العمل من أجل التقرب من بعض الدول العربية والإنفراد بهم واحدا تلو الآخر إلى أن حصل مراد التطبيع, وهذا ما جعل الكيان الصهيوني في أريحية سياسية جعلته يتمدد في القارة الإفريقية ويبني علاقات دبلوماسية.
إن مؤامرات الغرب كثيرة وكلها تخدم العدو الصهيوني بالدرجة الأولى, منها زراعة القلاقل في الوطن العربي وضرب استقراره بشتى الطرق سواء عن طريق الغزو الثقافي والأيديولوجيات المسمومة وصناعة الإرهاب وتمويله, فكل فتن الأمة العربية طبخت في مطابخ المخابرات الأمريكية وبمباركة منها وهذا منذ عهد الرئيس جورج هربرت ووكر بوش الأب, عندما كان على رأس المخابرات سنة 1976 بعد تعيينه من طرف الرئيس جيرالد فورد, وقد تفطن الرئيس الراحل هواري بومدين لهذه المخططات الامبريالية , وهذا حسب ما ذكره الدبلوماسي الجزائري الدكتور عثمان سعدي رحمه الله عندما كان سفيرا للجزائر بالعراق من سنة 1971 إلى غاية 1974¸ بحيث كتب عندما زار الرئيس هواري بومدين الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1974 وتم استقباله من طرف الرئيس ريتشارد نيكسون وبحضور وزير الخارجية هنري كيسنجر, قال الرئيس نيكسون مخاطبا بومدين ” العلاقة بين الولايات المتحدة والعرب جيدة, توجد بيننا وبين العرب مسألة إسرائيل, وهذا دليل على أن ملف دعم إسرائيل دائما كان حاضرا في ملف تسليم المهام بين الرؤساء. ويأتي رد بومدين رحمه الله قويا ” نحن نرى أنه يبدو أن الولايات المتحدة لم تكتف بإسرائيل واحدة فنراها تعمل على تأسيس إسرائيل ثانية شمال العراق.
ويضيف الدكتور عثمان سعدي كلفني الرئيس هواري بومدين بتبليغ ما دار بينه وبين نيكسون للعراقيين, فتم استقباله من طرف الرئيس أحمد حسن البكر وأبلغه فدمعت عيناه وقال له بلغ أخي بومدين شكر العراق على موقفه, ويحدث ما كان متوقعا وما تنبأ به الرئيس الراحل هواري بومدين.
سنة 1979 يكون جورج بوش الأب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بحيث واتت هذه الفترة حرب الكويت وانهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية وتفكك الاتحاد السوفياتي, الشيء الذي ساعدها في تدوير مخططاتها والعمل بالعبث باستقرار الدول العربية ونشر فيروسات الإلهاء لتبقى الأمة العربية تتخبط في مشاكلها الداخلية بعيدة كل البعد عن الرقي والرفاهية والتنمية في كل المجالات, وهذا ما تعاني منه الدول العربية التي تعتمد على استيراد غذائها بنسبة تفوق 50 بالمئة, وحسب تقرير الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) فإن المجاعة ارتفعت بنسبة 90 بالمئة في العالم العربي ومازالت ترتفع وهذا في غضون 20 عاما, وبالرغم أن السودان كمثال تربطه علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني لم يسلم من أزماته السياسية والعسكرية الداخلية, بحيث ما يزال الصراع قائما لحد الساعة, علما أنه هناك الكثير من المجموعات المسلحة تقف في الحياد كمشاهد, كما أن هناك الملايين من الأسلحة خارج رقابة الدولة، لهذا فضخ الفتن باتجاه الوطن العربي لا يتوقف, لأن الغرب شهيته مفتوحة دائما تجاه ثروات الوطن العربي, ولهذا فهو يصافح باليمنى ويطعن باليسرى.لذلك الإنفصامية السياسية الغربية تبقى دائما هكذا متضاربة وهذا لخلق ثغرات تستطيع ترميمها حسب مصالحها, فالعالم اليوم يشهد تغيرات سياسية تماشيا ومصالحه الاقتصادية.
بلخيري محمد الناصر