أقلام

سؤال الدور و حدود المسؤولية بعيون كتاب عرب

محجوبة عبدلي

  • الانبهار بالآخر المختلف، وخيانة النخب

 

 

 

يشترك جميع الكتاب العربي بمختلف مشاربهم الفكرية أن اللحظة العربية الراهنة مأزومة إلى الحد الذي بات فيه مصير الوطن العربي علي المحك و بات وجوده محل تساؤلات كثيرة و أمام هذا الارباك بات التساؤل عن المستقبل هاجسا تتكاثف حوله المساجلات الفكرية ،و يستأثر بنقاشات  مختلف النخب الوطنية عبر مختلف المنبر المتاحة.

الوسط  طرحت السؤال على مجموعة من الكتاب والإعلاميين العرب  بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية فكانت منهم هذي الردود التي ناقشت الاشكالات التالية ما هي العوامل  التي تؤدي لنهضة الأقطار العربية؟ ما علاقة اللغة العربية بِتقدم المجتمع العربي

 

الدكتور بومدين جلالي /باحث وأديب من الجزائر

الانبهار بالآخر المختلف، وخيانة النخب

 

حاولت الأقطار العربية التأسيس لنهضة سابقة وانتهت بفشل مدمر، وعوامل ذلك الفشل هي: المنطلق غير السليم، وشبه القطيعة مع الأنا التاريخي، والانبهار بالآخر المختلف، وخيانة النخب، والعجز عن إيجاد مخرج ثم تدمير الأنا بحثا عن الحل، والتأسيس لنهضة جديدة لا يكون خارج تصحيح هذه العوامل، وهذا كما يلي: (بالنسبة للأول؛ ساد قديما منطلقٌ سلطويُّ التمركز لادينيُّ التوجه غربيُّ النظر وكانت الكارثة، والسليم هو أن يسود منطلقٌ شعبيُّ التمركز دينيُّ التوجه عربيُّ النظر، وهذا لتكون النهضة المؤسَّس لها رغبة عامة غير متصادمة مع الشعوب. وبالنسبة للثاني؛ سابقا سعى أهل القرار المدعمون من الغرب إلى التعدي على الإسلام والعربية والوحدة الحضارية والتاريخ والجغرافيا والثروات والخصوصيات وأدى هذا إلى ما نحن فيه من مسخ، والصواب هو استثمار هذه المقومات الأصيلة لبناء الإنسان العربي. أما بالنسبة للثالث؛ في التجربة السابقة وبحكم الانبهار؛ انخرط النهضويون في تقديس مدنسات المهيمن بتدنيس مقدساتهم وهكذا أصبح الانسلاخ روحا للتحضر عندهم، والصحيح هو أن النهضة تنبع من ذات المجتمعات أو لا تنبع أبدا. وبالنسبة للرابع؛ خيانة معظم النخب جاءت من العوامل المشار إليها وترتب عليها الانخراط في إرضاء الغرب لتحقيق مصالح شخصية والتخلي عن مصالح الشعوب. وتصحيح ذلك لا يكون بالتصفية، وإنما بتصحيح العوامل. وبالنسبة للعاملَين المتبقيين؛ وجودهما كان نتيجة فشل وسيسقطان إذا صُحِّح ما يجب تصحيحه.

اللغة العربية هي وعاء وجود المجتمع العربي وإذا كُسِّرتْ سيتكسر هذا المجتمع، لماذا؟ لأنها الرابط الرئيس بينه وبين إسلامه، وأناه الجَمْعي القادم من جذور تكوينه، وتراثه الحافظ لهويته، وروح  خصوصيته، وطموحه الذي يريده حاضرا في صناعة التاريخ، ولا حضور له إلا ببقاء “الأنا العربي” المنحاز بلغته في مقابل “الآخر المختلف” بلغته.

من هنا فـ”المجتمع العربي” لا معنى له إلا بوجود العربية في مستويين: الفصحى في عموم المعرفة الرابطة بين هذا الكل الكبير، واللهجات الشعبية الحاجة العادية، والتقدم الوحيد ضمن الخصوصية لن يحدث عند العرب إلا بلغتهم العربية الفصحى، وإن جُرِّب غيرُه فهو الخروج من التاريخ؛ مع الإشارة   –للانهزاميين والمتآمرين معاً– إلى أن العربية الفصحى غير قابلة للهزيمة، وهذا بحكم دنيتها الثابتة، وثرائها الفائق، وأقدميتها في الظهور والاستمرار، وتراثها الضخم، وجمالها الفني المنقطع النظير، وقدرتها البالغة على استعراب روح العصر والمساهمة في المستقبل.

باكرا بدأت التأثيرات والتبادلات بين البشر، والظاهرة مستمرة، والمجتمع العربي ما خرج ولن يخرج عنها. والسؤال هو: ماذا نقتبس وماذا نترك؟ منطقيا؛ لا اقتباس لما هو ضار لنا ماديا أو معنويا، ولا اقتباس لما هو موجود عندنا. وبالمقابل يبقى المجال مفتوحا على  محاورة تجارب الشعوب – باستثناء الغرب المهيمن وامتداداته الإجرامية – وذلك للاستفادة من غير تبعية ولا تقليد. وهذه أسباب استثنائي للغرب: (أولا: الغرب يقود “العولمة” و”نهاية التاريخ” ويتبنى “الرأسمالية المتوحشة العابرة للقارات” الهادفة إلى جمْع القوة كلها في المركز بغية السيطرة على الأطراف؛ ثانيا: ابتكر “الحرب الضرورية” لحماية رأسماليته الاستعمارية، وبرامج القضاء على كل مشروع منافس له؛ ثالثا: اعتمد ديمقراطية اللوبيات الناهبة للأطراف؛ رابعا: اعتنق اللائكية المتطرفة التي تلغي الإنسانية المكرَّمة ؛ ومن كانت هذه استراتيجيته، وهو يهيمن علينا ولم نجن منه إلا الدمار؛ فلا استنهاض لنا إلا بالتخلص منه نهائيا، ولو بثورات تحررية جديدة).  

 

الدكتورة جيجيقة براهيمي كاتبة وأكاديمية من الجزائر

اللغة العربية بريئة من تخلف العرب

 

ثمّة بعض الأسماء المفصلية التي نظّرت لأجل استفاقة حضارية، من بينها: مؤرّخ الحضارات، المفكّر البريطاني “آرنولد توينبي” الذي صاغ شروط الحضارة على نحو قاده لاعتبار ابن خلدون بمثابة طفرة فكرية ومصدر اشعاع في تاريخ الفكر، أحيل هنا إلى محاضرة “غابرييل مارتينيز جروس” بمتحف اللوفر بباريس عنوانها: “ابن خلدون مفكّر الحضارة”؛  نجد علاوة على هذا، المقاربات الثقافية للأمير شكيب أرسلان وعبد الرحمن الكواكبي،  هؤلاء من بين صيادلة النّهضة، لهذا أفضّل الإحالة إليها عرفانًا بجهودهما المضنية في المجال على نحو أصيل وعميق.

يضعنا الباحث “أندريه ميكيل” على سبيل المثال عبر مؤلفه “الإسلام وحضارته” أمام مصادرة لا يفنّدها إلاّ من يروم مجافاة الحقيقة التي تتجلي من خلالها اللّغة العربية كوعاء فكري مهمّ جدًّا، وحاضنة لإشعاع حضاري آلق ساهم العجم والعرب في توهّجه على نحو باهر جدًّا، وقد حدث هذا التوثير على امتداد جغرافية ،واسعة جدّا وبتنوّع الثري على مدى قرون عديدة، تضعنا هذه المقاربة الفكرية ذات المنهج الحفري، وصيّغ معاينة تراث الحضارة الإسلامية أمام مأزق، وهذا بمجرّد عقد مقارنة طفيفة بين ما كان عليه – سابقًا – المجتمع العربي تحت لواء الحضارة الإسلامية، وما هو عليه راهنًا. يتأزّم الوضع بمجرّد طرح سؤال مؤداه: هل فعلاً حقّق العالم العربي التقدّم بشتى صوّره وأساليبه؟

لا يمكن الإجابة عن هذا السّؤال على نحو موضوعي، دون أن يُحال ذهننا إلى الإشكالية التي فرّعها الأمير “شكيب أرسلان” لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟ 

يكفي أن نعرف بأنّ التقدّم تؤصّل له عدّة عوامل مهمّة، وهذا يبرّئ تمامًا اللّغة العربية ممّا نشاهده حاليًا من تخلّف، حيث شاع الاستهلاك وأصبح بديلاً عن الإنتاج… استفحلت الاضطرابات والحروب والفتن فأصبحت بديلة عن الاستقرار الذي هو شرط أساسي لتمتين لبنة الحضارة. شاع الترف الذي اعتبره ابن خلدون بمثابة علامات انهيار الحضارة، لكن في المجتمع العربي عمومًا في الوضع الرّاهن يتمّ الترويج له كعامل وناتح حضاري.

وقبل اقتباس عناصر الحضارة الغربية، لا بدّ من الاقتباس كذلك من الحضارة الإسلامية التي شارك في صناعتها العرب والفرس والأمازيغ والأتراك والمغول.. على حدّ سواء، حيث يوجد في تراثها المجيد ما يستحقّ احيائية تكون على نحو منقطع النّظير على مستوى العلوم التّجريبية والحرف والفنون والآداب.. لكن مع شرط التحرّر مما سمّاه ” توينبي بـ “الاستجابة سلبية التي استنتج بأنها شملت العالم الإسلامي الذي ولعّ بماضيه على نحو نكوصي لا على نحو إيجابي استلهامي. فالنّهضة الغربية تدين للحضارة الإسلامية بالكثير في مجالات العلوم المختلفة من البصريات وطب التشريح والرياضيات وبعض الحرف والصناعات والجماليات الوظيفية… وهذا ما بيّنه الباحث “هانس بيلتينج” في كتابه “فلورنسا وبغداد، تاريخ النُظران بين الشّرق والغرب،” إنّ من يقرأ هذا الكتاب – مثلاً- سيفهم ما نعنيه بلفظة “الاحيائية” التي يجب أن تنفتح على تراث الحضارة الإسلامية لتفيد حتى من النّاحية النّفسية نظرَا للوشيجة التاريخية القويّة مع هذا الإرث التّليد. تكمن الفائدة في عمليّة التّحرير من عقدة الشّعور بالنّقص وجلد الذّات، وهذا أجل تجسيد أطروحة واقعية تطبيقية للعالم الفيلسوف “روجيه باكون”  1214- 1294 الذي بيّن الباحث والمؤرخ المعاصر  “جون تولان”  في كتابه “أوروبا اللاتينية والعالم العربي خلال العصر الوسيط” حيث أكّد “جون” بأنّ “باكون” كان يولي عناية فائقة للّغة العربية كواحدة من اللّغات التي قال عنها: ” لا يمكن فهم الفلسفة والرياضيات أو تحقيق أيّ تقدّم فيهما وغيرهما من مجالات المعرفة من دون تعلّم اللغة العربية “.

 

الدكتور رسول محمد رسول/ ناقد وفيلسوف من العراق

أي نهضة نريد للإنسان العربي

 

ما هي العوامل  التي تؤدي لنهضة الأقطار العربية؟” إنه سؤال مرّ على المفكرين والمثقفين بمختلف الكتابة عندهم وكانت الإجابة لا تخلو من صعوبات ولكن لكل منهم كان جوابه المختص به إلا أن الجميع لم يذكر “الإنسان” فهذا المخلوق يسمونه كائن ،وهنا الخطأ فأسمه هو موجود، فالإنسان هو موجود إنساني وليس كائنا بشريا، وأية نهضة ممكنة تبدأ بالإنسان بوصفه موجودا إنسيا. وهذه الفكرة هي العامل الأساسي والجوهري في أية نهضة ممكنة في كل الأقطار العربية.

اللغة هي هوية واللغة العربية هي هوية العرب في الماضي وفي الحاضر وهذه اللغة هي اليوم شبه منهارة ما يعني أن الهوية شبه منهارة في أغلب الأقطار العربية، رغم أن بعض الدول العربية فيها مراكز للغة العربية لكن فيها لغات غربية وشرقية شائعة الكلام في الشارع.

ونهضة الآخرين مهمة جدا لكن تلقينا لها معوج فهل لي أن أختار نهضة المجتمع الأمريكي ورأينا أنها ثقافة تسحق الأخر كما حصل في قتل أمريكي أسود؟ وكما رأينا في قتل العراقيين أثناء الاحتلال في سنة 2003 وما بعدها، والسؤال نفسه بشأن استعارة النهضة الإيرانية التي هي ماضية إلى نهايات الخراب. أنا مع النهضات الأخرى ولكن المقايسة تختلف.

 

محجوب سامح  /كاتب وإعلامي من مصر

القومية العربية عالة على الشخصية العربية

 

ظننت لبعض الوقت أن فكرة القومية العربية أصبحت عالة على الشخصية العربية التي بلورتها اللغة في المقام الأول بالإضافة للتاريخ والجغرافيا رغم الموزاييك العِرقي المتفاوت جينيا ونفسيا، وذهبت كغيري إلى أنه لا بُد من البحث عن فكرة بديلة نقنع بها هذه الشخصية الآخذة في التشرذم -تحت وطأة الإثنيات- بالرجوع لطاولة الحلم المشترك، لكن قطّاع الطرق من المستعمرين الجدد كانوا  قد انتهوا من وضع العربة أمام الحصان انتقامًا من الفكرة التي نفخ فيها ناصر حتى صارت ديناصورا كبيرا  كان لا بد من التخلص منه بنفس أدوات تعبئته، ليتحول هذا الموزاييك العرقي والقومي العظيم إلى حربة في ظهر القومية العربية ملجأ النجاة الوحيد الذي يمكن أن ينقذنا من هذه اللحظة البائسة التي صار فيها المغتصب المحتل اللقيط أقرب إلينا منا، ونحن أبناء العمومة دمًا وثقافة ومصيرًا وهذا ليس كلامًا مرسلًا فمن المعروف تاريخيا إن معظم الأسر العربية ممتدة من المحيط إلى الخليج نسبا ومن الصعوبة بما كان إثبات العكس، الشاهد في ذلك أنه لا بد من ضخ دماء طازجة في جسد  القومية العربية الفكرة الأهم والأنصع في الثقافة العربية لمقاومة الثقافة الهجين التي انتجها فقهاء السلاطين   ومرجعيات الاستشراف التي عبدت الطريق لهذه الفوضى غير الخلاقة لتظل هذه البقعة من الأرض تائهة لأطول فترة ممكنة.

 

محمد الدباسي /مؤلف وصحفي من اليمن

النهضة تحتاج ثلاثة عوامل

 

العوامل التي تؤدي لنهضة الأقطار العربية تتمحور في ثلاثة أمور: ”الاهتمام بجودة التعليم، الحياة الكريمة والعدالة”، فالتعليم سيقضي على التخلف لكنه لن يكون كافيا لو لم توجد حياة كريمة لأن الحياة الكريمة ستحقق الاكتفاء الذاتي لننطلق نحو نهضتنا وهذا أيضاً ليس كل شيء في غياب العدالة التي يحققها الأمن ويسمح لنا بالانطلاق.  

واللغة العربية ترتبط بتقدم المجتمع لأن اللغة العربية هي هويتنا التي نشعر من خلالها بالعزة وأننا شيء له قيمة لكن للأسف نجد الآن في جامعاتنا بأقسامها التطبيقية وفي ميادين العمل أننا هجرنا لغتنا وأصبحت ”اللغة الأجنبية” هي الحاضرة فذهبت عزتنا وبات كل واحد منا يرغب بالتخرج للبحث عن فرصة وظيفية بالخارج فكيف سنثق في وطن لم يعتز أو يثق بلغته وهويته؟ ولنا في تركيا وألمانيا خير مثال كيف أنهما أصبحتا في مقدمة الأمم بسبب اعتزازهم بلغتهم والتي تعني هويتهم فكانت قيمتهم بمقدار عزتهم بثقافتهم .

نحن نعيش في عالم أصبح وكأنه قرية صغيرة بسبب تقنية الاتصالات وبالتالي لا بد أن نستنبط عوامل نجاح المجتمعات الغربية لكن لنعلم جيداً أن لنا ثوابت وحدود حددها لنا ديننا فليس كل معروض مطلوب وسيحقق نهضتنا ولذلك نجد المجتمعات الغربية مهما بلغت من تطور وتقدم ستسقط لا محالة لسبب بسيط وهو أنها اهتمت بالمادة ولم تهتم بالقيم والثوابت والروح ولذلك كل ما نشاهده ما هو إلا بالونة ستنفجر يوما ما لأن داخلها هواء

 

سامر المعاني /أديب وإعلامي من الأردن

التوعية والتنمية المستدامة ببناء الإنسان

 

إن النهضة تقوم من خلال التوعية والتنمية المستدامة ببناء الإنسان وتقويمه فكريا وسلوكيا وهو تحت مظلة الثقافة المجتمعية لحمل رسالة وأمانة المسؤولية في البناء الحضاري للأمة تحمل فكرا ناضجا وحدويا متماسكا بالاعتماد على الأمور الجامعة والعمل على تطويرها وإزالة كل عوامل التفرقة وتنمية هذا من خلال المناهج والسياسات العامة فلقد  باتت كل المحاولات الفرعية ضعفها سياسيا واقتصاديا وفنيا وإعلاميا لذلك تجد أن النهضة لا بد أن تبدأ من الطبقة المثقفة وصاحبة رسالة تبني أعمدة للعمل الجماعي العربي لتصبح حاجة مجتمعية وضرورة ملحة للتماهي مع العالم المتقدم الذي وجد من الاتحاد قوة كما هي أوروبا والولايات المتحدة  .

اللغة العربية لما فيها من قوة تجدها عند أكثر من مليار ونصف حول العالم من المسلمين فجاء القرآن الكريم   إثراء لهذه الأمة فتجد أن حلقة التواصل بين المجتمعات العربية سهلة جدا وليس بحاجة الى أكثر من لغة ليكون هناك تواصل مجتمعي داخل الدولة الواحدة أو جميع الدول العربية كما هو الكثير في دول العالم فجمعت اللغة العربية بين أبناء المجتمعات العربية لغة الأحاسيس والمشاعر ولغة الدين وكتاب الله كما هي لغة العمل والتواصل فقد سخرت هذه اللغة بكل جمالياتها وتقنياتها وتطوراتها قاعدة متينة لبناء مجتمع متناغم ومتجانس ومتفاهم  ينعكس ذلك تلقائيا بعد حين على جميع مفاصل الحياة فقد استطاعت اللغة العربية عبر العصور أن تكون حاضرة علميا وثقافيا فكان وما زال الشعر وجميع الأجناس الأدبية تتطور بتطور العصر وتتماشى مع المتغيرات الزمنية لمتطلبات المجتمعات فتجدها أيضا مصدرة ومستقبلة للأجناس الأدبية كمادة مستقلة أو مترجمة فلم تكن اللغة العربية عقيمة على التطور  وفهم الأخر أو تسويف نفسها للغات الأخرى  كما  أن اللغة العربية بأبجديتها استطاعت أن  تتغلب على اللهجات العامية والشعبي لكل دولة ومنطقة جغرافية في أسيا وأفريقيا وتأثير كل منطقة بجوارها أو أقليات غير عربية أو لغات قريبة من العربية كالفارسية والتركية والألبانية والكردية فبقيت العربية وكانت قادرة على أن تكون حاضرة مع الجميع ورغم كل الظروف السياسية والاحتلال الغربي لعشرات السنوات وموجات التهميش والتشويه كانت العربية حاضرة فهي من أقوى الركائز لبناء المجتمعات العربية وتطويرها وهي أكبر عامل لتجمعها أكثر من الجغرافيا والأمور المشتركة الأخرى.

ليس بالضرورة أن يكون الاستنهاض العربي مبنيا على التقليد المباشر والتقليد الأعمى فبناء الحضارات ينبغي أن يكون من رحم المجتمعات وعاداتها وتقاليدها الإيجابية  المنبثقة من عقيدتها وبنيتها الجغرافية مع أن يكون هناك اختلاط مع المجتمعات والحضارات الغربية من ما يخدم نهضة الأمة العربية من خلال تبادل العلماء والمبدعين والفنيين لمواكبة التطور في البنيات التحتية والعمران كما هو في التقدم العلمي والتسليح وتحسين المنتجات على أن تبقي الأمة على هويتها واستقلاليتها كي لا تنطوي تحت شعارات العولمة التي تفكك الاسرة وتذهب نحو الحياة المادية البحتة والغاء وجود الإنسان العاطفي كي لا تزول قداسة الاديان والنفس البشرية فلكل حضارة ما يميزها والحضارة العربية تمتاز بخصوصية دينية راقية مسالمة تحترم وجود الأخر  ولا تبنى على سياسة الغاب.

 

عيسي جديد /إعلامي من السودان

اللغة، الدين، الجغرافية

 

العوامل التي تؤدي إلى نهضة الأمة العربية  تتمثل في: “اللغة، الدين، الجغرافية، الثروات الطبيعية المختلفة، المكون البشري الكبير وتاريخ الأمة العربية” هذه كلها عوامل مشتركة تجعل منها أمة ناهضة إذا اجتمعت إرادتها السياسية والقومية،  واللغة العربية هي اللغة الرئيسية للعالم العربي ومن اللغات القديمة، بها نزل القرآن الكريم  وتكمن أهميتها في أنها لغة العلم والمعرفة للمجتمع العربي كلغة أم واسعة الانتشار متجذرة كتب بها العلماء وتم نشر الدعوة الإسلامية بها للعالم أجمع، واللغة العربية لها كثير من المعاني للاستخدامات اللغوية في شتى ضروب العلم وبذلك هي أحد القواسم المشتركة لوحدة ونهضة المجتمع العربي، ولِـتحقيق الاستنهاض العربي من الضروري دراسة أي تجربة إنسانية في العلم سواء كان في الغرب أو الشرق، فالعالم اليوم هو نتاج تبادل أفكار وعلم ومعرفة وعلى العالم العربي الاستفادة أولا من إرثه المعرفي التاريخي ومن ثم الاستفادة من ما أنتجه الآخرين.

 

 محمد الصفى /كاتب وناقد وإعلامي  من المغرب

حركية التاريخ بكل فصوله

 

ربما الحديث عن أهم العوامل الممكنة لاستنهاض الأقطار العربية يجرنا للحديث عن مرحلة كانت هذه الأقطار هي سيدة العالم شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وكانت كل الشعوب تضرب لها ألف حساب، سواء على المستوى العلمي أو الأدبي أو الابداعي وحتى الحربي، ومن هذا المنطلق نقول أنه لا يوجد هناك منتصر دائم أو لا رقي دائم، إنها حركية التاريخ بكل فصوله التي تنبني على شكل هرم كلما وصلنا إلى قمته نشرع في النزول، نزول رهين طبعا بأسباب سجلها التاريخ بكل أسف للأقطار العربية التي لم تستطع المحافظة على هذه النهضة، أسباب تعود بالأساس إلى الصراعات حول الحكم والبذخ والانسلاخ عن المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية التي دعا إليها ديننا الحنيف الإسلام،  مما جعل أمم أخرى تتقدم لما تمتلكه من هذه المقومات، لذلك أرى أنه أية أمة تريد أن تنهض فلا بد من توفرها على المقومات التالية: ”احترام حقوق الإنسان ومنح الحرية لشعبها، الحرية التي تفك قيود العبودية والخنوع والظلم والاستبداد وتجعله يبدع وينتج وفق تحركات يغلب عليها الوازع الأخلاقي، إضافة إلى إيلاء الأهمية البالغة للتعليم والبحث العلمي فكلما كان المجتمع متعلمًا ومتقدمًا في العلم كلما كان أقدر على تحقيق النهضة، لتبقى أهم عوامل أي نهضة هي التشبع  بالقيم الإنسانية والحضارية من عدل وتعاون وتسامح وتعايش ورحمة وصدق وأمانة وغيرها كثير، فكلما كانت الأمة تمتلك قيما إنسانية حضارية في واقعها وحياتها كانت أقرب إلى النهضة والنجاح والتقدم”.

قد نجزم أنه لا علاقة تربط تقدم أي مجتمع بلغته كيفما كانت عربية أو فرنسية أو إنجليزية بقدر ما يرتبط التقدم بمشكلة التعليم، بحيث أن العرب لم يولوا اهتمامهم باللغات الأجنبية من أجل تعلمها وترجمتها للعربية حتى يستفيد منها طلبتهم  بحكم أن العالم اليوم أصبح قرية صغيرة بفعل التكنولوجيا الحديثة، فنحن لا ننكر أن اللغة العربية هي  لغة القرآن، لغة السنة، لغة التراث، لغة القانون، لغة الأدب، لغة المبادئ والأخلاق والقيم، لكننا كعرب لم نعرها الاهتمام هي الأخرى فلا نحن استفدنا منها واستخدمناها للرقي ولا اهتممنا باللغات الأخرى، وبقراءة مبسطة حول حصيلة البحوث العلمية المنجزة باللغة العربية نجدها جد ضئيلة إن لم نقل منعدمة في بعض الدول العربية، و حتى المنجز منها لا تتم ترجمتها لتكتسي الصبغة العالمية وتعطي بذلك القيمة المستحقة للغة العربية ولشعوبها لكي يتبوؤوا مكانتهم ضمن الدول المتقدمة.

رغم ما يشهده العرب من انتكاسات خلال القرون الأخيرة على مستوى الرقي الحضاري فهو يشهد أسماء لها وزنها على المستوى العالمي في عدة مجالات كالطب والفلك والبحث الزراعي والهندسي وغيرها لكن للأسف نجد أغلبهم مجنس بجنسيات أجنبية مما يجعل أعمالهم تتبناها تلك الدول، بحكم أنهم لم يجدوا التشجيع الأنسب من دولهم العربية، من هنا يمكن القول أنه بالإمكان تحقيق استنهاض عربي دون اللجوء لاقتباس أو تقليد عناصر النهضة الغربية، لأنا أصلا كعرب أصحاب فضل كبير لما وصلت إليه الشعوب الغربية وذلك بشهادة رجالهم منهم الباحث “جوتيه” حيث قال (إن العرب علمونا صنع الكتاب وصنع البارود وعمل إبرة السفينة، فعلينا أن نفكر ماذا كانت نهضتنا لو لم يكن من ورائها هذه المخلفات التي وصلتنا من المدنية العربية..)  كما قال “ميجون”: (لا ننكر على العرب بأن لهم الحظ الأوفر من هذه المدنية وهم واضعو أسسها، وقد أفرغوا هذه العناصر المختلفة في قالب متجانس متناسب فأوجدوا منها مدنية مطبوعة بطابع عظمتهم وسلامة ذوقهم)، فهل نحن أقل شأنا من أجدادنا من قبيل فولولا العرب لما تحقق ما نحن فيه، فكيف لنا أن نقتبس من أناس تعلموا منا ؟

 

يونس شرقي /صحفي وأستاذ جامعي من الجزائر

تحقيق النهضة بإدراك كل حدود المسألة العربية

 

المسألة العربية بالأساس تقوم على مشكلة النهضة، والبحث عن أجوبة لواقع التخلف الذي نعيشه، بعد تأخر ركبنا الحضاري بأكثر من قرنين عن من سبقونا، سؤال النهضة لا زال هو ولم يتغير ما دام الواقع راكد، منذ النصف الثاني من القرن 19 كنا نتساءل لماذا تقدم الغرب وتخلفنا نحن، ورغم توالي التيارات وتعددها في محاولة الإجابة والتي باءت بالفشل، حسب رأيي لعدم استيعاب حقيقة المراحل التي مرت بها النهضة الأوروبية، فكل هذه التيارات كانت تمارس حرق المراحل ،والقفز نحو النتائج دون تثبيت الأسس المنهجية للنهضة.

وتحقيق النهضة لا يتأتى إلا بإدراك كل حدود المسألة العربية، في شقها السياسي والاجتماعي بالأساس، النهضة تتطلب مجتمعا مدنيا صلبا، وتتطلب إرساءً للديمقراطية بجوهرها الحقيقي، وتتطلب تفعيلا للحريات التي تفتح العقل العربي على الابداع، كما تتطلب انتماء صادقا للهوية الثقافية والاجتماعية للدولة الأمة، عبر عاملي التاريخ واللغة، فالعربي لا يمكنه البحث عن مستقبل مشرق دون استحضار ماضي أسلافه والاستناد على أمجادهم لكسب شحنة حضارية تساعد على المضي قدما في النهضة، كما أن اللغة أعني اللغة العربية عامل يوحد الجهود ويذلل الأبعاد والمسافات بما يخلق حركية بين كل أقطار هذه الأمة.

 

محجوبة عبدلي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى