أقلام

سقته دماء زكية طاهرة

للوطن في القلب دين مستحق

في أحيان كثيرة يتاجر بعض الناس بالوطنية يحسبونها قميصا أو إزارا، إذا شاءوا لبسوه وإذا رغبوا عنه خلعوه، بئس العشرة هذه ! .
إن الوطنية الحقة عطاء، وإن الوطنية في فهمنا ولاء إن الوطنية حب فطري يولد بمجرد أن تلامس الرحى تربة الوطن، هي هبة ممنوحة من السماء، منحة يشترك في حبها الجميع، يشترك في حبها الميسور والفقير يشترك في حبها الكبير وا لصغير كما يشترك في حبها ابن البادية وابن المدينة، فهم في حبها سواء.
إن حب الوطن لا تستطيع شراؤه من الدكاكين أو السوبيرات، كما يفعل اليوم تجار الوطنية المزيفون، إن الوطنية في قاموسنا ماسة ثمينة لا تباع في الدكاكين، أو الأسواق المزيفة إن الوطنية الحقة شعور وانتماء، وهي في عقيدتنا بذل و تضحية و عطاء .
أما وطنية الترف و المباهاة ووطنية التنميق وطنية مرفوضة ، فالوطنية الحقة سقتها دماء زكية طاهرة روت أرضنا الزكية ، في نضال طويل ، ناهز القرن وربع القرن ولله در أحمد شوقي كيف اختصر مسافات المعاني ، حين وصف الحب الحقيقي للأوطان بقوله:
وللأوطان في دم كل حرٍ
يدُ سلفت ودين مستحقٌّ
و لا ينقطع جمال وصال حب الأوطان في نظم الشعراء، حتى يرسم لنا ابن الرومي الشاعر العباسي الشهير أبياتا غاية في الروعة والجمال في قصيدة تاهت أبياتها حبا للوطن يقول في مطلعها:

ولي وطنٌ آليت ألا أبيعَهُ وألاّ أرى غيري له الدهرَ مالكا
عهْدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً كنعمةِ قومٍ أصبحوا في ظِلالكا
فقد ألفَتْهُ النفسُ حتَّى كأنه لها جسدٌ إن بانَ غودِرْتُ هالكا
وحبَّب أوطانَ الرجالِ إليهمُ مآربُ قضَّاها الشبابُ هنالكا
إذا ذكروا أوطانَهُم ذكرتهم وعهود الصبا فيها فحنّوا لذلكا

إن الوطنية التي نألفها، هي حب وحنين لقطعة من القلب، لها حق الرعاية والدفاع والحمايةإن الوطنية التي نألفها وطنية يتآلف فيها النسيج المجتمعي في رحاب الوطن، فيتشكل منهم درع واق، وسياج حام .
إن الوطنية التي نألفها وطنية تجمع المفاصل، فتكون فيها الأعضاء متجانسة، لا يرقى جنس عن جنس، ولا يستعلي عضو عن عضو، فالجميع في ذلك الوطن سواء. لا يستأثر فيها بالحب و الانتماء ، فالجميع فيه يشعر في تلك القطعة بالكرامة والحرية .
إن الوطنية التي نريدها وطنية جامعة، يشعر الجميع فيها بالإخاء، يشعر الجميع فيها بالأمان.
إن الوطنية التي نحلم بها أن يشعر المرء أنه حر طليق، يبحر في سماء الوطن، فلا يشعر بالخوف والغربة والاحتقار.
إن الوطنية التي نعنيها واحة ظليلة يشعر الجميع فيها بالراحة والأنس، يشعر الجميع فيها بالسكينة إن الوطنية التي تريدها وطنية الوفاء ، فلا نخون أمانة الشهداء علمتني يا ملهم حبي وفخار حياتي ، يا حبي الصافي، علمتني يا وطن أن أنادي بأعلى صوتي .
(رغم المحن أعشقك يا وطن)

الأستاذ حشاني زغيدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى