احسن خلاص
لم يبق من عام 2021 إلا ساعات معدودات، لم يكن عاما يسيرا علينا كدولة ومجتمع. منذ بدايته كان الجزائريون بين الأمل في أن لا يكون أفضل من سابقه وبين الاستعداد لوضع أكثر صعوبة وتكلفة بالنظر إلى أن المؤشرات السياسية والاقتصادية لم تكن مطمئنة إلى حد كبير. ومن هناك يمكن الحديث عن تجربة وطنية تختلف في جوانب كثيرة عن التجارب التي عرفتها الجزائر في السنوات الأخيرة فقد كانت سنة انتقالية مفصلية على عدة مستويات، وضعت صلابة البلد وتماسكه على المحك وامتحنت قدراته على الصمود والتطلع نحو مستقبل أفضل في أكثر الظروف شدة.
على المستوى السياسي انطلق عام 2021 بفراغ سياسي واضح كان وراءه غياب الرئيس عبد المجيد تبون عن المشهد السياسي وهو الذي كان يواصل فترة العلاج من وعكته الصحية التي أثرت تأثيرا معتبرا على أجندته السياسية تماما كما أحدثت جائحة الكوفيد اضطرابا في الخارطة السياسية المرسومة وضبابية في ما تمليه من مقتضيات وأولويات يفرضها الوضع الاستثنائي. كان على الرئيس تبون أن يوفق بين قيادة منظومة حكم جديدة بوجوه غير معهودة وبين الاستعانة بالخبرة لمواجهة صعوبة المرحلة، كما كان عليه أن ينتظر الخارطة السياسية التي ستفرزها الاستحقاقات الانتخابية لاسيما الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في جوان وأفضت إلى حكومة جديدة يقودها التكنوكراطي وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن.
لم تفرز الانتخابات التشريعية والمحلية خارطة سياسة جديدة بل اكتفى الناخبون بإعادة الخارطة التقليدية إلى الواجهة في انتخابات شارك فيها التيار الوطني المحافظ بجانب التيار الإسلامي إلى جانب مستقلين بعضهم جاء من وعاء الحركة الجمعوية والبعض الآخر من الوعاء المحافظ الذي نأى بنفسه عن التمثيل الحزبي بالنظر إلى التحفيزات التي منحها النظام الانتخابي الجديد للمستقلين. كما لم تتمكن هذه الانتخابات من رفع نسبة مشاركة الناخبين بالمقارنة مع نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد مع نهاية 2020. كما شهدت غيابا ملحوظا للتيار العلماني الديمقراطي إلى جانب وجوه بارزة كانت تؤثر على الرأي العام أثناء مسيرات الحراك الشعبي، حيث اقتسم المقاعد البرلمانية التيار المحافظ والتيار الإسلامي إلى جانب المستقلين الذي احتلوا المرتبة الثانية بعد حزب جبهة التحرير الوطني. غير أن الانتخابات المحلية شهدت تغيرا طفيفا بمشاركة حزب جبهة القوى الاشتراكية التي جعلت العزوف الانتخابي العام في منطقة القبائل يتراجع نسبيا لاسيما وأن الانتخابات المحلية أتت في ظرف خاص أعقب تعرض منطقة القبائل لسلسلة من حرائق الغابات لم يسبق أن شهدتها المنطقة، حرائق كانت لها تبعات سياسية واقتصادية إذ بقدر ما استنهضت حركة تضامنية كبيرة من مختلف نواحي البلاد أثارت جدلا بعد أن تبعتها مأساة مقتل الشاب جمال بن إسماعيل الذي جاء متضامنا مع السكان قبل أن يتعرض لأبشع عملية قتل شاركت فيها جموع من السكان والتي لا تزال تثير علامات الاستفهام إذ لم تدل بعد بكل ما وراءها ولم تكشف بما يكفي من وراءها وما الغرض منها.
تزامنت حرائق منطقة القبائل مع سلسلة من الحرائق مست ما يقرب من 30 ولاية إلا أن حرائق منطقة القبائل اتخذت أبعادا سياسية بدخول حركة الماك على الخط وهي التي وضعها المجلس الأعلى للأمن في خانة الحركات الإرهابية رفقة حركة رشاد واعتقلت السلطات الأمنية عددا من المشتبه فيهم حيث تبين من الاتهامات الموجهة إليهم ارتباطهم بحركة الماك التي لا تزال فرنسا تؤوي قيادييها وعلى رأسهم رئيسها فرحات مهني الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية لا تزال الجزائر تنتظر من السلطات الفرنسية تنفيذها.
مقابل ذلك تزامنت هذه الأحداث المأساوية والأليمة مع تحركات استفزازية من قبل المملكة المغربية التي اعتمدت خطابا مزدوجا يدعو للحوار مع الجزائر من جانب ويحرك خيوط الاستفزاز من جانب آخر وقد تجلى ذلك من كشف برنامج بيقاسوس للجوسسة على الإطارات الجزائرية بدعم من الكيان الصهيوني وتأييد حركة الماك الانفصالية من منبر الأمم المتحدة عن طريق ممثل المملكة الدائم فيها الذي أيد ما أسماه حق تقرير مصير الشعب القبائلي. ولم تتوقف المغرب عند هذا الحد إذ كانت دعوة وزير خارجية الكيان الصهيوني إلى المغرب ليدلى بتصريحات عدائية ضد الجزائر من الأراضي المغربية وهاو ما اعتبره الرئيس تبون عنوان خزي وعار أن يتخذ الكيان الصهيوني أرض بلد عربي للتهجم على بلد عربي آخر. كل هذا كان كافيا لاتخاذ الجزائر قرارها الحاسم بقطع العلاقات الديبلوماسية مع المغرب الذي استمر في أجندة التطبيع في أوسع نطاقها مع التوقيع على اتفاقيات تعاون عسكري واستخباراتي مع الكيان الصهيوني لم يسبق لأي بلد عربي القيام به.
من جانب آخر لم تكن العلاقات الفرنسية بالهدوء المعهود بالرغم من التطلعات الإيجابية التي أظهرها الرئيس الفرنسي ماكرون بشأن التقدم في عملية المصالحة التاريخية مع الجزائر غير أن هذه الخطوات نسفها تقرير لبن جامان ستورا لم ينل رضا الجزائر قبل أن يزيد الرئيس ماكرون الطين بلة بتصريحات استفزازية تجاه الجزائر مست في عمق تاريخها.
وإن كانت سنة 2021 مأساوية داخليا لاسيما وأن متحور ديلتا خلق العديد من الضحايا حيث فقدت الأسرة الإعلامية وجوها بارزة فإن الأمل معقود في أن تكون سنة 2022 سنة لا تكرر سنة 2021.