بقلم: عومر بن عودة
في ظل الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة لقطاع التربية الوطنية باعتباره ركيزة أساسية في تحقيق التنمية الوطنية وقاعدة صلبة لها ، ويتجلى هذا الاهتمام من خلال ما نلاحظه من مستجدات كثيرة تخص التعليم في الجزائر ، على غرار رقمنة مختلف العمليات الإدارية والبيداغوجية والمالية في القطاع ، من أجل الاستغناء عن استعمال الورق في كافة المعاملات الإدارية المتعلقة بالحياة المدرسية ، إلى جانب أيضا توفير الهياكل التربوية كل موسم دراسي ، خاصة في المدن الجديدة والتجمعات السكنية أين تشهد مؤسساتها ضغطا رهيبا بسبب الاكتظاظ المدرسي ، ما جعل السلطات المحلية ومن ورائها الوصاية ، تضع مخططا للعمل بصفة تدريجية على توفير الهياكل والمنشآت المدرسية للتخفيف من جهة عن المؤسسات التي تشهد أقسامها ارتفاعا كبيرا في عدد التلاميذ ، ومن جهة أخرى ، لتقريب المؤسسات التربوية من التجمعات السكنية والتقليل من ظاهرة بعد إقامة المتمدرسين عن مدارسهم ، وفي نفس السياق تم توفير النقل المدرسي في المناطق النائية عبر مختلف ولايات الوطن.
كذلك ، وفي إطار الاهتمام بموظفي التربية الوطنية ، يتم قبل نهاية السنة الإفراج عن القانون الأساسي والنظام التعويضي لمستخدمي التربية ، وهو ما انتظره موظفو القطاع لأكثر من عقد من الزمن ، ذلك أن هذا القانون هو الذي يمكن الموظف في القطاع من معرفة مهامه الحقيقية وشروط التوظيف والترقية انطلاقا من النصوص التنظيمية التي تم صياغتها بناء على مضمون القانون الأساسي ، إلى جانب ذلك ، ومن الناحية الاجتماعية من شأن النظام التعويضي أن يعزز مكانة موظف التربية عبر تمكينه من التغلب على القدرة الشرائية ، خاصة إذا اعتبرنا أنه هناك منح وعلاوات موجودة حاليا لم تحين منذ عدة سنوات عرفت فيها الأسعار ارتفاعا رهيبا عدة مرات.
هذا الاهتمام الواضح لرئيس الجمهورية بقطاع التربية نثمنه ، ونشكره على حرصه شخصيا على استعادة قيمة موظفي التربية الوطنية على اختلاف رتبهم.
وفي المقابل ، ندعوا أيضا إلى إعادة النظر في المناهج التربوية والمقررات الدراسية ، نظرا لأهميتها الكبيرة وتأثيرها على صناعة الأجيال ، وهناك مضامين ومحتويات في المناهج منها ما يتطلب التطوير ، ومنها ما يتطلب التغيير ، ومنها أيضا ما يتطلب الحذف والإلغاء.
إن الحاجة الملحة اليوم إلى إصلاح المنظومة التربوية ، انطلاقا من إصلاح المناهج لا يجب أن تتحمل مسؤوليتها الوصاية لوحدها ، بل يجب على جميع الفاعلين في الحقل التربوي ، من أساتذة باحثين ومختصين ، ومديرين ، ومفتشين ، ونقابات ، وإطارات من الشؤون الدينية ، وجمعيات أولياء التلاميذ ، وحتى إطارات من الجامعات المختصين في النظام التربوي وعلوم التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع ، ومختلف العلوم والآداب والتقنيات التي تبني حقيقة منهج تربوي يحقق الكفاءة التربوية والعلمية ، ويبني شخصية المتعلم وفق القيم الدينية والوطنية والمجتمعية ، ويحقق له التربية الخلقية والتنشئة الاجتماعية السليمة.
فالمناهج الدراسية أساس التطور والتقدم والتحضر والأخلاق والقيم وعلى رأسها القيم الوطنية ، التي تجعل من المتعلم يدرك معنى الوطنية ويفهم حقيقة المواطنة ، ويساهم منذ صغره في تنمية الوطن ابتداء من اكتساب شخصية سوية تحترم الأستاذ والمربي والمعلم والمدير والإمام والطبيب ، ورجل الأمن والمسؤول والكبير والصغير ، مناهج تربوية نريدها أن تغرس في أبنائنا التلاميذ السلوك الحضاري والقيمي ، وحسن التعامل مع الغير.
وإذ ندعو إلى إصلاح مناهجنا التعليمية ، نثمن ما صرح به السيد وزير التربية الوطنية محمد صغير سعداوي ، أنه ستشرع دائرته الوزارية في إصلاح هذه المناهج مباشرة بعد إصدار القانون الأساسي والنظام التعويضي لموظفي التربية ، مما يجعلنا نستشرف خيرا بدخول عام 2025 وجعله موسما لمختلف الإصلاحات المتعلقة بقطاع التربية الوطنية ، من أجل النهوض بالتربية في الجزائر ، وتحقيق مدرسة ذات جودة.