فضيلة الشيخ الدكتور عبد المجيد بيرم- حفظه الله و رعاه
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجديد،
بداية نهنئكم و الفريق الجديد معكم، متمنين لكم موفور الصحة و العافية و السداد والتوفيق خدمة للعباد والبلاد، في مواصلتكم لمشوار الدعوة و الخير للأجيال، وسدد الله خطاكم و أعانكم على حفظ الأمانة، وبعد :
فالشكر موصول لسلفكم، وألف شكر للشيخ الجليل أستاذنا الدكتور عبد الرزاق قسوم على مجهوداته و تضحياته منذ عقود، على مسيرته في صفوف و رأس الجمعية الحافلة بالجد والتجديد والاجتهاد، والعطاء المستمر المتنوع مع فريقه ونحن نتابع كتاباته و تنقلاته من ديار الغرب، رغم أعاصير التحديات المادية الكبيرة للمكتب الرئيس للجمعية و مكاتب شُعبها عموما، وزحمة الأشغال عليه وتعدد الانشغالات والمهام و الأنشطة محليا و دوليا.
إن الدكتور عبد الرزاق قسوم حقا ثروة وطنية ومفخرة دولية للأمة الإسلامية والإنسانية، يا ريت لو يتفرغ لكتابة بعض مذكراته باللغتين لتسفيد منه الأجيال، أو يؤسس قناة لتفريغ ما في جعبته من أفكار و مشاريع تجديدية وسطية فالرجل يتفق عليه العدو والصديق على أنه إنسان متوازن، ومسلم رسالي غيور على دينه ووطنه وأمته، ومهموم حتى النخاع بأوضاعهم غير السوية من طنجة الى جاكارتا مرورا بفلسطين، ومنخرط في معركة بناء الوعي الرسالي المتوازن لدى الأجيال في هرم الجمعية وخارجها منذ أن عرفناه منذ عقود، فالرجل لا زال في مرحلة عطاء وقد أنتخب هذا الأسبوع في قائمة أمناء الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الذي خلف فيه الشيخ علي القره داغي الشيخ القرضاوي، رحمه الله، كما انتخب المفكر الليبي الكبير الدكتور الصلابي أمينا عما له ..
فالشيخ عبد الرزاق قسوم قامة وقيمة فكرية وتربوية واجتماعية كبيرة، تستحق المزيد من الاستفادة منها، والتعريف بها، ونقل خبراتها إلى الأجيال، لأن ذلك هو التكريم الحقيقي لأمثاله من العلماء والمفكرين الرساليين الكبار، وما يحملونه من خبرة وحكمة، وما يتوفرون عليه من بصيرة ورشادة..
بهذه الكلمات لا أريد أن أتزيد في القول عما قيل وكتب عن مناقب استاذنا الكبير الدكتور قسوم، فقط أحببت بهذه المناسبة الطيبة أن أتضرع إلى الله تعالى، بأن يجزل لأستاذنا سي عبد الرزاق قسوم المثوبة، ويجزيه عمّا قدّم في سبيل العلم وإصلاح المجتمع خير جزاء، وأن يعوّض الجمعية من بعده رجالًا مخلصين يأخذون بيد أبنائها إلى ما فيه رفعتها وعزتها..
و بالمناسبة أحيي مشايخنا الأفاضل من نفس الجيل شيخنا الجليل الدكتور عمار طالبي وشيخنا الجليل سي الهادي الحسني و باقي الاخوة المشايخ في العهدة السابقة .. ويقيني أن العظماء والعلماء والمجددون والأئمة الاعلام يعيشون للناس والأمم ولا يعيشون لذواتهم رغم المحن والصعاب وحتى الأمراض التي تفرق الشمل و تعطل الشغل- وما وباء كورون عن المبصرين ببعيد-، يبقى العظماء يرتفعون بأقلامهم وأفكارهم إلى ثريا المطالب ويرتقون إلى معالي الغايات. يكبر فكرهم فينير الدروب، وتعظم قلوبهم فيحبهم الخلق، وتعم أفضالهم فتشمل الجميع، وتلك من نعم الله على عباده الاصفياء الانقياء الاتقياء ..
..
و كما كتب قبلي أحد مشايخنا العام قبل الماضي وهو يودع زميله في الجامعة الدكتور عمار طسطاس للتقاعد من مرحلة التدريس والعمل الاكاديمي وهو لا يزال في سن العطاء، بقوله :” إننا جميعا نمضي سراعا في طريقنا إلى الله، ولكن آثارنا في الأجيال تبقى، وبركاتها تظل تصلنا بلا انقطاع، ما دام الخير الذي زرعناه كمربين ومصلحين ودعاة إلى الخير، مستمرا في الأجيال، كما بشرنا بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله: ( مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا ). ويا سعادة من ترك أثرا حميدا في هذه الأجيال، وأعتقد أن أثر أستاذنا المحتفى به وغيره في الأجيال لا يخفى على ذي بصر وبصيرة. فاللهم بارك فيهم وفي جهادهم الفكري والتربوي الطويل .
وأنهي كلمتي هذه المقتضبة بالقول لأعضاء المكتب الجديد وهيئات الجمعية في عمومها، نساء و رجالا، هنيئا لكم جهودكم وتضحياتكم بمواصلة رفع راية التحدي ” الإسلام ديننا والعربية لغتنا و الجزائر وطننا”.. و”أعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون وعن أوقاتكم وأعمالكم مسؤولون”، كما جاء في الحديث الشريف، لسيد الخلق سيدنا محمد (ص):” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟”(رواه الترميذي).
كما أهمس في أذن إخواني وأخواتي في كافة هيئات الجمعية وشُعَبها وطنيا محليا وحتى دوليا هذه البديهية التي يعرفها العام و الخاص منا:” كل غائب قد يعود، الا الوقت! فهو أنفاس لا تَعُود، فاغتنموا أعماركم بعمل الخير لخير جمعية أخرت للناس، وأول جمعية بنيت على الأساس، فهي أمانة العلامة بن باديس و صحبه الثوار الأخيار من الرساليين الربانيين الذين جاهدوا في الله حق جهاده، مصداقا لقوله تعالى :” مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب: 23).. فالأيام معدودة والأنفاس محدودة..”، فأمضوا في سبيل الله لإتمام المشوار و إعمار الديار و نصرة الابرار، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا