
بقلم : د. تحسين الأسطل -نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين
تواصل طائرات الاحتلال الصهيوني ومدفعيته الثقيلة وبوارجه الحربية، في اليوم الثامن للعدوان، استهداف المنشآت المدنية والبنية التحتية من طرق عامة ،وشبكات المياه والصرف الصحي، ومنازل المواطنين المدنين، بعد أن بدأت بتدمير أكثر من “40” مؤسسة اعلامية عربية ومحلية ودولية تدميرا كاملا، حيث أصبحت غزة في اليوم الثامن للعدوان وكأن زلزالا قويا فتك بها، الا أن الحقيقية التي لا تخفى على أحد أن هذه الجريمة ارتكبتها آلة الحرب الاسرائيلية بسلاح أمريكي وخاصة طائرات “اف 35 ” التي استخدمتها دولة الاحتلال في فصف الأبراج السكنية والمؤسسات الاعلامية .
هذه العدوان الذي جاء استكمالا للعدوان على مدينة القدس العاصمة، ومحاولة السيطرة على حي الشيخ حراج، وفرض واقع جديد في المسجد الاقصى المبارك، والذي ينذر بكارثة حقيقية على مستوى الاستقرار في المنطقة برمتها، وتدمير عملية السلام، لما تحمله المدينة من اعتبارات دينية مقدسة لا يمكن لأحد أن يتجاوزها او ينكر وجودها .
والمتتبع لسير عمليات التدمير والقتل والتي طالت حتى هذه اللحظة أكثر من 200 شهيد من بينهم أكثر من 60 طفلا و35 سيدة، وقرابة 500 جريح أغلبهم من الاطفال والنساء والشيوخ، والتي افتتحتها طائرات الاحتلال بقصف الأبراج السكنية ووسائل الاعلام كان يعرف ان دولة الاحتلال تخطط لجريمة بحق المدنيين الأبرياء، في اطار حرب الارهاب والضغط على الشعب الفلسطيني، وهي تحاول أن تحد من قدرات الصحفيين ووسائل الاعلام في عمليات التغطية الإعلامية وكذلك تهديد الصحفيين وإرهابهم وإبعادهم عن أماكن الأحداث والفتك بالمدنيين الأبرياء.
ومنذ بداية العدوان أصيب أكثر من عشرة صحفيين بشظايا القصف، كما فقدت كثير من المؤسسات الاعلامية قدرتها على التغطية، بعد تدمير معدات التصوير والبث الخاصة بها في الابراج، حيث رفض الاحتلال الاسرائيلي السماح لمسؤولي المؤسسات الصحفية اعطائهم الوقت الكافي لإخلاء معداتهم الصحفية، كما هجر عدد من الصحفيين منازلهم بعد تعرضها لأضرار كبيرة نتيجة عمليات القصف التي تتعرض لها المحافظات الجنوبية، فأصبح الزملاء الصحفيين بين نار توفير المكان الآمن لعائلاتهم واطفالهم، وبين مهمتهم السامية في فضح جرائم الاحتلال.
فيما يمنع الاحتلال منذ اكثر من 15 عاما ادخال مستلزمات الحماية الشخصية للصحفيين، كما يمنع إدخال أجهزة والتصوير والبث بفعل اغلاق المعابر،فأصبح واضحا أن الاحتلال يريد أن يرتكب جريمة نظيفة وبعيدا عن وسائل الإعلام خاصة بعد قبول محكمة الجنايات الدولية النظر في الجرائم التي ترتكب بحق الانسانية في الاراضي الفلسطينية.
وفي ظل تصاعد حجم الجرائم الاسرائيلية بحق المواطنين الأبرياء، وبحق الصحفيين، تكشفت كثير من الحقائق والوجه الحقيقي لبعض الدول والمؤسسات الدولية التي كانت تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الصحفيين، إلا أنها وقفت عاجزة أمام الجريمة التي يرتكبها الاحتلال، وأصبح واضحا أن كثيرا من القرارات التي اصدرها مجلس الأمن مثل القرار” 2222″ الخاصة بحماية الصحفيين، ما هو إلا قرار وضعته الادارة الامريكية وقوى الاستعمار، من أجل تصفية حسابات لها في المنطقة مع بعض الدول ومن أجل التدخل في شؤونها، وأن آخر أهدافها هو حماية الصحفيين والمؤسسات الصحفية، لدرجة أنها ظلت صامته أمام استهداف وتدمير مقر وكالة الصحافة الامريكية في غزة، وبالتأكيد سيكون تصرفها بطريقة اخرى لو حدث هذه العدوان في أي مكان في العالم .
دولة الاحتلال والعصابة التي تحكمها ترسل اليوم من خلال عدوانها الذي يستهدف المدنيين ووسائل الإعلام رسائل واضحة إلى كل الدول بما فيها الإدارة الأمريكية والى مجلس الأمن والأمم المتحدة مفادها، أننا فوق القانون الدولي الانساني، وفوق مبادئ الأمم المتحدة، وفوق كل القوى التي يمكن أن تقف الى جانب الشعب الفلسطيني، وأنها ماضية في جريمتها المتواصلة منذ 73 عاما، وأنها ماضية في فرض أجندتها على المنطقة، ولن تأخذ أي اعتبار لاستقرار المنطقة، أو تأخذ في الاعتبار للحرج الكبير الذي يسببه هذا العدوان لبعض الأنظمة العربية التي طبعت علاقتها مؤخرا مع دولة الاحتلال، لأن ايمان هذه العصابة ان كل هذه الأنظمة والمؤسسات والدول وجدت من أجل حمايتها، وضمان تفوقها، وهي حتى تاريخه لم تر ردا حقيقيا واحدا يمكن أن تذعن امامه وتوقف العدوان على قطاع غزة والعاصمة القدس.
والمتتبع لسير العدوان وتصريحات قادة الاحتلال، والواقع الميداني على الأرض يتأكد أن الاحتلال ما زال يخطط لمزيد من الاعتداءات، وهو يريد أن يكسب مزيدا من الوقت لتنفيذ هذه الجرائم، ما يجعل ضرورة التحرك الفوري لحماية المدنيين والصحفيين، والتي أصبحت أهدافا واضحة وسهلة أمام الاحتلال ، في ظل غياب أهداف أخرى وعد الاحتلال بالفتك بها، إلا انه ما زال عاجزا حتى اللحظة عن الوصول إلى هذه الأهداف ما ينذر بتصعيد العدوان ومزيدا من الفتك الذي تتعرض له المؤسسات ،والمنشآت المدنية والمواطنين والأطفال الأبرياء.
وختاما، بات مطلوبا من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وخاصة مجلس الأمن والأمم المتحدة بضرورة التحرك لوقف هذه المجزرة المتواصلة، كما أصبحت النقابات والاتحادات المرتبطة بحرية الصحافة والعمل الصحفي مطالبة بضرورة التحرك العاجل لوقف، وممارسة ضغط حقيقي من أجل وقف ما تتعرض له المؤسسات الصحفية والصحفيين في دولة فلسطين سواء في القدس العاصمة او في المحافظات الجنوبية التي باتت عرضه لعمليات تدمير لكل وسائل الإعلام في ظل وجود كافة المؤسسات الاعلامية في ابراج سكنية ومدنية، ففي غزة لم يعد هناك مكان في مأمن من القصف.