الجزائر

طباخون بأجرة برلمانيون.. يتربعون على عرش الأعراس الجزائرية

الطبخ يدخل ضمن قاموس مراسيم الأعراس

– نساء تتقلدن رتبة “لواء” في الطبخ

تطليق الدبكة التقليدية و استبدالها ب”الديسك جوكي” و اقتناء الحلويات العصرية الجاهزة عوض صنعها بالإحتفال والزغاريد بالمنازل الجزائرية، هي عادات اندثرت وحلت مكانها عادات أو كما يحلو للبعض تسميتها ب”البريستيج”، حيث شرعت العائلات الجزائرية سياسة جديدة طفت على الواجهة ألا وهي إختيار أحسن الطباخين المشهورين في تحضير أطباق الحفلات الجزائرية من أعراس إلى مآدب عشاء لأفخم رجال المال الأعمال.

إعداد: م.ثيزيري


 عادة دخيلة تقلدتها العائلات الجزائرية ساهمت في إندثار عادات و تقاليد الأعراس التي تعرف بها كل زاوية من زوايا هذا الوطن العريق وتعمل على خلق شكل من أشكال  تكليف أشخاص مختصين في إدارة شؤون الطبخ و الإطعام الذي يتيح للعائلات إزاحة مشكل الإهتمام بالطبخ في المناسبات الخاصة، لمعرفة أجواء تغلغل هذه الظاهرة التي أخذت تتفاقم لتصبح من وسيلة إلى حاجة و ضرورة يتقلدها عامة الناس بما فيهم محدودي الدخل بعدما كانت شائعة بين الأغنياء منذ عدة سنوات.

 

أصحاب المطاعم ينظمون مآدب العشاء في حفلات الأعراس

أصبحت المهنة من أساسيات إدارة الأعراس و تنظيمها حيث اقتربنا من أحد هؤلاء الذين يتقلدون مهنة الطبخ في المناسبات العائلية مهما كان نوعها خاصة الأعراس بعدما فقدت العائلة الجزائرية روح التكافل و التعاون فيما بينها، أول من إلتقيناهم “الهادي” صاحب مطعم مختص في التكفل بالطبخ في المناسبات، الذي ذكر أنه يتقلد المهنة التي توارثها عن والده منذ سنوات، أين يقبل الناس إليه طلبا للخدمة و الإهتمام بتحضير وجبات العشاء و الغذاء في الأعراس و المناسبات، سألنا “الهادي” عن كيفية القيام بهذه المهمة كان رده مباشرا أحظر كل ما يلزم بعد تحرير قائمة المستلزمات و المواد الضرورية من خضر و توابل و اللحوم بعد معرفة عدد الضيوف بالتقريب الذين يتم إستقبالهم و هذا لا يختلف عما أقوم به في المطعم “عادي” و هذا بمساعدة بعض العمال الذي يعملون لدي ليكون كل شيئ مرتبا و دقيقا، أما عن الأسعار فقد ربطها هذا الأخير بعدد الوجبات المحضرة و الكمية أيضا بغض النظر عن أنواع الأكلات المحضرة، كل حسب الذوق و هي تختلف بين التقليدية و العصرية و هي تتراوح بين 1000 دج إلى 4000 دج للفرد الواحد ويرتفع السعر كلما كثر عدد الوجبات المخصصة للفرد الواحد و هذا إذا كانت المستلزمات مقتناة من طرف صاحب الوليمة و هي أسعار جد معقولة إذا ماقورنت بالجهد الذي نبذله أما إذا تكفلنا بكل شيء فالأمر يختلف.

 

عجوز تتقلد رتبة لواء في الطبخ في الأعراس منذ 4 عقود:

ليس الرجال فقط من تقلد المهنة بل هناك من النساء من يحملن لواء الطبخ في الأعراس و المناسبات، خالتي “خديجة” البالغة من العمر 78 سنة أم لتسعة أبناء التي يبدو من خلال نظراتها و جسمها الهزيل أنها تعبت من وهن الدنيا، تقلدت المهنة منذ أربعين سنة بعد وفاة زوجها مباشرة، خرجت للعمل من أجل إعالة أبنائها، باعتبار أن زوجها كان يكسب قوت يومه من العمل في البساتين، و تمتاز بشعبية كبيرة الكل يعرفها و يشيد بجهدها و تفانيها في العمل، ذكرت أنها تستعين أحيانا بأحد قريباتها عندما تكون متعبة ميزتها دخول المطبخ بمفردها أو مع مساعدتها “مهدية” كما وصفتها، تقوم بوضع النقاط على الحروف مع صاحبة العرس و تحدد لها كل المتطلبات من خضر، أواني، توابل، اللحوم إلى غيرها من المواد الضرورية حسب حاجة المناسبة، أما عن الأسعار فقد ذكرت ذات المتحدثة أنها تساعد العائلات المعوزة و لا يقل مدخولها في المناسبة الواحدة عن 6 ملايين سنتيم قيمة قدرتها من إعداد الطعام إلى غسل الأواني، موضحة بأنها أحيانا لا تستطيع إستقبال الطلبات بعد أن يملاأ أجندتها عن آخرها نظرا لكثرة الطلبات.

 سألنا إحدى الزبونات التي وجدناها عند خالتي “عايشة” عن وجهة نظرها في تقلد عادة الاستعانة بالطباخات في الأعراس و غيرها، كان ردها أن زوال عادة التكافل بين العائلات سبب إنتشار الظاهرة إضافة إلى المحافظة على مردود الطبخ الذي يعرف عند العائلات التهاون و استغلال مناسبات بالتهافت على الأكل و الجري وراء بطونهم و لهذا تعتمد العائلات تكليف شخص غريب عن العائلة تضع ثقتها فيه لتسيير الأمور دون مشاكل، مضيفة في الأخير أن خالتي” عايشة” صديقة الزوالية تعمل دوما على مساعدة الزبائن بتخفيض السعر حسب إمكانياتهم.

 

“فوج العباس” مختص في تنظيم مأدب العشاء والأعراس

هم أفراد فوج العباس بضواحي البليدة نسبة لقائدهم و مؤسس الفوج “عباس” الذي فكر في تقلد مهنة الطبخ في الأعراس منذ أكثر من تسع سنوات بعد أن تحصل على شهادة “طباخ” في إحدى مدارس التكوين المعتمدة، بعد ذلك تعذر عليه الحصول على عمل في تخصصه، و في هذه الأثناء كان يقوم بالطبخ في المناسبات الخاصة بعائلته و أقربائه و هنا راودته فكرة التخصص في الطبخ في المناسبات، بدأ هذا الأخير بإمكانيات ضعيفة تعتمد على “السلف” أي الاستعانة بلوازم الغير في القيام بمهامه، وهكذا ذاع صيته في أوساط الحي لينتقل إلى الأحياء المجاورة إلى أن أصبح شخص يعتمد عليه في تنظيم المناسبات في شأن الطبخ و إطعام الضيوف بطريقة منظمة ترتقي إلى خدمات المطاعم الكبرى باعتبار أن تخصصه يقضي بذلك، حتى إرتفع رأس ماله ليستطيع إقتناء أدوات الطبخ ذات نوعية رفيعة و كل الأشياء اللازمة لتجهيز مائدة عشاء أو غذاء، و ينشئ محلا خاص بذلك يحتوي على كل المستلزمات و أكثر. 

أما فيما يخص كيفية العمل أو الأجر المحدد فقد ذكر “عباس” أنه لا يملك قيمة محددة لذلك، باعتبار أن كل زبون يختار الخدمة التي تناسبه بدءا من اللوازم إلى الطبخ المجهز و على الزبون تحديد قائمة الأطباق مهما كان نوعها و على “عباس” و شلته تلبيتها، حاولنا تحديد الأجر لكن عباس إكتفى بالقول أنها تتراوح بين 15000 دج إلى 40 مليون سنتيم الخاصة بعشاء الملوك و هذا ما يشبه على حد قوله مؤدبات العشاء الفاخرة، حيث يقوم بتجهيز و تنظيم المناسبة من البداية إلى النهاية و قد تصل إلى كراء قاعة الحفلات، كما أنه يطمح أن يصبح منظم الأعراس باعتبار أنه يملك المؤهلات اللازمة من أواني، أدوات الطبخ، الفريق المساعد المكون من 11 فرد الذين يملكون زي خاص بالفوج إلى غيرها من الإمكانيات التي يتطلبها تنظيم العرس، كما أنه قام رفقة المحسنين المتبرعين بتنظيم “إفطار الصائم” للسنة الثالثة على التوالي. 

و هؤلاء ليسوا إلا مثال ممن تقلدوا مهنة الطبخ في الأعراس، لتدخل هذه العادة ضمن قاموس التحضير للأعراس و الإهتمام بمراسيمه الأساسية و هي تجهيز المأكولات و تقديم الخدمة الأفضل للضيوف في مختلف المناسبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى