احسن خلاص
لا يزال الجدل قائمة بين المؤرخين حول ما إذا كانت الدعوة إلى الإضراب العام للطلبة الجزائريين وترك مقاعد الدراسة للالتحاق بمعاقل الثورة في 19 ماي 1956 مفيدا للثورة ولجزائر الاستقلال أم أن إثمه أكبر من نفعه إذ زج بالمئات الطلبة في ساحة الموت في الوقت الذي كان يمكن لجزائر الثورة أن تستفيد من رصيدهم المعرفي النظري والتقني للرقي بالثورة إلى مستويات أكبر على الصعيدين السياسي والديبلوماسي وحتى تطوير وسائل الكفاح المسلح.
المؤكد أنه منذ عهد الحركة الوطنية لم يكن الجزائريون يمثلون إلا أقلية في جامعة الجزائر التي أسستها فرنسا الاستعمارية عام 1909 ومن تلك القلة القليلة كان عدد الملتزمين المندفعين للنضال من أجل الاستقلال يعدون على أصابع اليد الواحدة إذ كان التيار الاندماجي حول بن جلون وفرحات عباس في ما كان يسمى فيدرالية المنتخبين أكثر جذبا للنخبة الجامعية، بينما لم تجد الثورة التحريرية عشية اندلاعها جامعيا واحدا لقيادتها بعدما فشلت المساعي تجاه لمين دباغين وعبد الحميد مهري واصطفاف بن خده في صفوف المركزيين، بل إن عددا من المثقفين الجامعيين بادر إلى اتخاذ موقف معارض من انطلاق العمل الثوري المسلح في أول نوفمبر 1954 الذي اعتبره الكثير منهم مغامرة غير محمودة العواقب في ظل الانقسام الذي عرفته الحركة الاستقلالية وضعف الإعداد التنظيمي واللوجستي والسياسي لها وهو الهاجس الذي عبر عنه رمضان عبان في بداية عام 1955 عندما اعتبر انطلاق الثورة دون مشاركة الجامعيين والمثقفين انتحارا سياسيا.
في ربيع 1955 دخلت جبهة التحرير الوطني في حرب مواقع مع السلطات الفرنسية المقيمة في الجزائر بقيادة جاك سوستال الذي أراد الاقتراب من الجامعيين من القادة السياسيين من أعضاء اللجنة المركزية في حركة انتصار الحريات الديمقراطية وقيادة الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري والحزب الشيوعي من أجل إنشاء قوة سياسية جزائرية معترف بها كمتحاور مع السلطة الاستعمارية.
ومن هناك تأكدت ضرورة تفتح جبهة التحرير من جديد إلى القوى الجامعية ضمن مشروع تنظيم انضمام الحركية الاجتماعية للثورة من تجار وعمال وطلبة فكان تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين تتويجا لتجربة سابقة لتنظيم الذين أهلهم الحظ لأن يحتلوا مقاعد في الجامعات الفرنسية وفي تونس والمغرب. وإن كانت الأهداف الظاهرة لهذا التنظيم الجديد الذي رأى النور في 8 جويلية 1955 الدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للطلبة إلا أن غايته الباطنية ربط مصير الطلبة بكفاح الشعب الجزائر الذي كان بحاجة إلى دحض الدعاية الاستعمارية القائمة على اعتبار الثورة عملا معزولا قامت به عصابة من اللصوص وقطاع الطرق. بدأ التنظيم الجديد نشاطه التنظيمي والتوعوي بالثورة التحريرية بتوجيه من القيادة الثورية بمدينة الجزائر وعلى رأسها رمضان عبان ودحلب وبن خده ومن فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا وتونس والمغرب. وانضم إلى الحركة الطلابية الثورية طلبة ثانويون. وفي مارس من سنة 1956 أذنت جبهة التحرير الوطني بخروج الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين إلى النشاط السياسي العلني خلال مؤتمر الاتحاد الذي طالب صراحة ولأول مرة باستقلال الجزائر دون شروط وفتح مفاوضات على أساس ذلك مع جبهة التحرير الوطني فكان رد السلطات الاستعمارية عنيفا وقمعيا تجاه قيادات التنظيم مما هيأ الفرصة ليهب الطلبة كرجل واحد في 19 ماي من خلال الشروع في إضراب عام تبعه التحاق جموع من الطلبة الجامعيين وتلاميذ الثانويات بمعاقل الثورة في الجبال والمدن كما انطلق آخرون تجاه المجتمع الدولي بغرض التعريف بالثورة الجزائرية وكسب تعاطف الأوساط المثقفة في أوروبا والمشرق فشاركوا في عدة مؤتمرات طلابية وتفاعلوا مع منظمات طلابية في سويسرا وهولندا وألمانيا وإيطاليا والصين وأمريكا وفي عواصم عربية مثل القاهرة ودمشق وبغداد، شارحين القضية الجزائرية في هذه الدول تماما مثل ما فعل فريق جبهة التحرير الوطني خلال المنافسات التي قام بها في أوروبا والعالم العربي.
وخلال المفاوضات التي باشرتها جبهة التحرير الوطني ابتداء من 1961 كان الطلبة الجزائريون في مقدمة وفد الخبراء الذي رافق الوفد المفاوض وعلى رأسهم محمد الصديق بن يحيى ومحمد حربي ورضا مالك ومولود قاسم والذي كان يشتغل في الظل ويزود الوفد السياسي بقيادة كريم بلقاسم بالأوراق التفاوضية كما كان الطلبة تلك الدعامة في إعداد وثائق الثورة وقرارات المجلس الوطني للثورة الجزائرية كما كانوا يشتغلون كإطارات في وزارات الحكومة المؤقتة بتونس والقاهرة قبل أن يكونوا وراء إعداد مشروع المجتمع المنبثق عن مؤتمر طرابلس. لذا صدق فيهم ما جاء في النشيد المشهور “نحن طلاب الجزائر نحن للمجد بناة”.