أقلام

عيوب وأخطاء ورذائل النخبة المثقفة

من أكبر عيوب وأخطاء ورذائل النخبة المثقفة عموما والنخب الإسلامية خصوصا صمتها وذهولها عن قول كلمة الحق للحكام والسلط بالحكمة والموعظة الحسنة، وتحولها إلى شيطان أخرس أبكم مدفوع لهاوية الصمت والركون لرغبات وشهوات الفساد والمفسدين. وكما أنه أيضا من أسوء مخازي الأنظمة وأكبر معايبها عدم إصغائها لكلمة الحق السوية الصادقة، وتعاليها عن الأخذ بها لما فيها من فوائد عظيمة لها وللأمة التي تحكمها، بل إنه لمن أفدح الرذائل السلطوية عدم الاعتراف بالخطإ أو الأخطاء الناجمة عن العمل الميداني النظري أو التشريعي أو التنفيذي.. عملا بالقاعدة الدينية والأصولية المهنية العامة بأنه (كل من يعمل قد يخطىء)، لأن طبيعة ابن آدم سارٍ عليها الخطأ وجارٍ عليها النسيان والقصور، والقاعدة الأصولية الدينية تقضي بأن: العامل المصيب والمخطىء مأجورين، فالمصيب له أجران، والمخطىء له أجر واحد، لأن العبرة والحكمة تقضي بالعمل والحركة وإفادة ونفع النفس والآخرين.

النخبة الصادقة

وعملا بهذه المهمة الرسالية الموكلة للنخبة الصادقة دون غيرها من المرتزقين والمأجورين والمحسوبين على خربشات الفكر والثقافة والفلسفة والتساؤلات الفلسفية الفارغة والمضللة، ومن شلل التائهين والراتعين في وعلى موائد السلاطين وريعهم الحرام، والتي لا أعتبر نفسي واحدا منها بحكم العلوم ومعارف الوحي التي حفظها الله في صدري وعقلي ويدي ولساني، وحماني من الصمت عن قولة الحق، ومن هنا فقد رغبت أن أُسدي النصح لأولي الأمر طالما أني من المتضررين من خطاياهم الكثيرة والكثيرة جدا في حقي وحق جيلي وأمثالي من الجيل المخضرم الذي ولد أثناء قيام الثورة التحريرية وأدرك الاستقلال وهو طفل في سن السادسة هي أكبر من تُنسى أو يُعفى عليها أو يُقدم عنها اعتذار.. أللهم إلاّ المثول أمام رب العالمين ليوفينا حقنا ممن ظلمنا وتعدى علينا.
ومن بين خطايا النظام العديدة خطيئة كبرى عشتها وجيلي المفعم بالروح الوطنية والثورية منذ سنة 1963م عندما كان عمري ست سنوات، ومازلت أعاني منها إلى اليوم بعد أن صرت شيخا قد جاوز الستين وجاور السبعين، والتي يمكن للنظام أن يتخلى عنها بسهولة ويسر ولا يكلفه التخلي عنها شيئا، بل ستزيد في مكانته الإعلامية السلطوية، وترفع من شأنه ورصيده الدعائي والمعنوي في صفوف هذا الشعب الطيب المسكين والمتواضع الذي حولوه –للأسف الشديد- بفعل القيم السياسية الرعناء.. إلى شعب محتال وغشاش ومراوغ ومزور ووصولي.. يصنع كل شيء في سبيل الفوز بالمال أو السكن أو الأرض أو السيارة أو النفوذ على رقاب إخوانه وأهله الضعفاء.. لأن سوق التعامل القيمي والأخلاقي قد تغيرت إلى النقيض بعد تسعينيات القرن الماضي المشؤوم.

دولة قوية

والنظام ومؤسساته ودوائره العلنية والخفية معنية بمحاربة هذه الظاهرة والتخلص منها نهائيا.. لو أراد أن يبني دولة قوية وقريبة من نفوس وأرواح وسواعد أبنائه.. وشد تماسك البنية الداخلية التي يلهث وراء سرابها اليوم بأبسط المجهودات.. وهذه الظاهرة تتمثل في الاستعراضات والخرجات الوزارية وما يصاحبها من آلام وأتعاب ومضايقات وتقييد وحد من حرية الحركة والنشاط لمواطني وسكان وعابري تلك المدينة أو الولاية..

وقد كتب من قبلي غيري الكثير من: الإعلاميين والصحفيين والكتاب.. وعالج هذه الظاهرة وندد بها بسطحية وعمق، ولكن للأسف لم نر أي أثر لتلك الكتابات النصف قرنية التي لا شك أنها تصب كلها في محبة الوطن ولخيره ورفعته، فأصغوا هذه المرة واجعلوا نزولكم وحلولكم بالبلدة التي تريدون دفع عجلة التنمية فيها يمر بردا وسلاما على سكانها.. واجعلوا آثاركم تدل عليكم، وعملكم خالصا لوجه الله الذي ناطكم بهذه المسؤولية التي جوهرها خدمة الأمة لنيل رضى الله سبحانه وتعالى والفوز بجنته. واجعلوا خدمة الشعب وسيلة لحبه والتقرب منه، وستجدون في هذا الشعب الطيب والوفي من هو كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي بات في سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحميه ويفديه بروحه، لا كحارس صدام الذي باعه بنصف مليون دولار؟؟

الآثار السلبية

واعلموا أنني كواحد من المواطنين المتضررين من هذه المضايقات التي يسببها زيارة رئيس أو وزير أو مسؤول.. وسأذكر لكم طرفا من تلك الآثار السلبية التي تخلفها في نفوس المواطنين الذين أنا واحد منهم ومن صفهم وأسمع طيلة حياتي الكثير من العبارات والمعاني التي تشجب مثل هذه الآثار السلبية وما تخلفه على هذا الشعب المسكين. وها أناذا أُقدم لكم دراسة ميدانية مجانية تدفعون الأموال الطائلة من أجل الوصول إلى نتائجها الحقيقية، وقد استخدمت فيها كل أدوات البحث العلمي للمنهج التجريبي، من: الملاحظة والمقابلة والاستمارات الميدانية لكشف الحقيقة على مختلف العينات المبحوثة: كالعينات (المقصودة وغير المقصودة، الطبقية والعشوائية والمختارة وغير المختارة والصدفية..)، والتي أفضت نتائجها لكتابة هذا المقال العلمي المحايد.

مساوئ ومضار

وإليكم ما تخلفه تلك الزيارات من مساوئ ومضار وسلبيات أكثر مما تعتقده من أنه يصنع مهابتها في القلوب والنفوس، لأنه شتان بين المحبة والمهابة، وأود أن أنقل لكم من صيدلية الإسلام حادثة وقعت في عصر الخليفة هارون الرشيد الذي كان يدير مملكة في ثلاث قارات بين المهابة والتخويف والحب والاحترام، فقد كان الرشيد يقضي فصل الصيف في مدينة الرقة، وفي يوم من الأيام هاجت الرقة وماجت بالرجال والنساء والأطفال.. وانجفل الناس في موكب احتفالي كبير جدا، وكانت زوج الرشيد زبيدة وأمه الخيزران تطلان من نافذة القصر وهما تظنان أن هذا الموكب الحافل من الاستقبال يخص الرشيد، فسألت أمه وزوجه: هل هذا موكب الرشيد؟ فأجابها الخدم بلا، فقالت: موكب من إذن؟ فقالوا لها: إنه موكب العلامة المحدث الفقيه المجاهد الزاهد (عبد الله بن المبارك المروزي 118-181هـ)، فقالت أمه: هذا هو العز والسلطان، هذا هو الموكب الذي ينقاد إليه الناس بقلوبهم وأرواحهم ومشاعرهم.. لا موكب وملك الرشيد الذي يُقاد إليه الناس بالجند والعسس والشرط.. ولكم في هذا المثال عبرة وعظة وحكمة.

بن بلة و بومدين

قبل أن أعدد لكم ما نعانيه كمواطنين من زيارة مسؤول، حتى صرنا لا نتمنى أن يحل ببلدنا واحد منهم ولو على حساب التنمية ، أود أن أروي لكم شرخا من مشاعر جيلي وحبنا وولعنا بالخروج لاستقبال الراحلين (أحمد بن بلة 1919-2012م) و (هواري بومدين 1925-1978م)، فقد كنا صغارا ونتمنى أن نخرج لننادي بأعلى صوتنا (يحيا بن بلة) (يحيا يومدين) حتى تتقطع حبال أصواتنا، ولكم كانت فرحتنا عندما رأينا الراحل (أحمد بن بلة) و (هواري بومدين) في موكبهما وهما يحييان الجماهير، وكنا نتشرف بالتصفيق لهما، لأننا وجدنا آثارهما في حياتنا وتربيتنا ومدرستنا وطعامنا وشرابنا وكسائنا ودوائنا ومعيشتنا الكريمة.. ولكننا بعدها لم نعد نحفل بأحد، وصرنا نرى ذلك من ضياع الوقت والجهد والفرص، وإليكم هذه الآثار السلبية:
1 – شعورنا بالفوقية والاستكبار وعدم المساواة بين أبناء الوطن الواحد، فواحد يأسر حرية عشرات الآلاف من المواطنين الشرفاء في سبيل أن يمر أو يقطع الطريق..
2 – تعطل الطريق وتوقف حركة المرور وانسياب السير ولاسيما العابرين من الولايات الأخرى.
3 – تعطل مصالح المواطنين في التنقل والبيع والشراء ولاسيما الزائرين والقادمين لقضاء مصالحهم من القرى والأرياف المجاورة.
4 – تعطل مواعيد الأطباء والمحامين والجلسات القضائية والامتحانات.. وغيرها من المواعيد.
5 – إضاعة الفرص على المواطنين ولاسيما إن كان يوم الزيارة المشؤوم هو آخر آجال التسديد أو المخالصة أو الإيداع أو السحب أو التسجيل.. في ظل تكتم السلطات عن مواعيد الزيارات للاحتياطات الأمنية على حد زعمهم.
6 – خسارة أموال طائلة لنزع الممهلات، وإعادة وضعها من جديد بعد عودة ذاك المسؤول.
وفي هذا الصدد فقد سألت –بكل براءة وموضوعية علمية- مقاولين وأصحاب شركات ومؤسسات ضخمة لتعبيد الطرقات عن تكلفة صناعة (ممهل) فأخبرني بأن ثمن المتر المربع من الإسفلت يكلف (واحد ونصف مليون سنتيم)، وسألت مسؤولا في البلدية كم يكلف نزعه وتركيبه فأخبرني بالشيء القريب منه.. حتى أن مسؤولا زار ولاية كلفت عملية نزع الممهلات وإعادتها قرابة (مائة مليون سنتيم)، بل ثمة ما كلف أكثر من ذلك إن كانت معالي ذلك المسؤول سيخرج إلى بلديات ودوائر الولاية.
7 – تقييد حركة المارة وحرمانهم من المرور بهذا الشارع أو ذاك، فثمة شوارع في كثير من المدن الجزائرية إلى اليوم يمنع أن تقف عندها على الأقدام فضلا عن أن تقف بسيارتك ولو على سبيل أخذ فسحة من الهواء.. وأذكر مرة أنني كنت أملك سيارة قديمة جدا لأنني موظف شريف ولا آكل الحرام وتعطلت سيارتي بجانب مؤسسة مدنية كبيرة في ولايتي، فخرج دوني الحراس وهموا بتعنيفي بل بضربي لولا أن قيض الله لي رجلا يعرفني كان من بين من يصلي ورائي ويسمع خطبي في المسجد حتى ساعدوني فأبعدت السيارة.
وأنقل لكم أن واليا من ولاة المعتصم أرسل إليه رسالة يقول له فيها: (إن أهل حمص ثاروا علي فأرسل لي الجند والمدد)، فما كان من الخليفة الشجاع الصنديد قاهر الروم، إلاّ أن رد عليه في ذيل رسالته قائلا له: (حصنها بالعدل)، ويروى أن الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه لما دخل رسولا على كسرى يزدجرد وجد مكتوبا عند رأسه حكمة هندية وفارسية قديمة (العدل أساس الملك)، وهو عين ما نادى به الإسلام.
8 – ضياع ذلك اليوم من مفكرة وجدول أعمال المواطنين وتأجيل نشاطاتهم، هذا دون أن ننسى كيف كانوا يخرجوننا من المدارس لتحية فلان واستقبال علان وملاقاة كذا من المسؤولين ونرفع الأعلام ونهتف بحياة فلان وعلان.. أو نملأ القاعة بالهتاف والصريخ في مؤتمرات الحزب العتيد عجّل الله برحيله.
وغيرها من الآثار السلبية التي يمكن لغيري أن يحصي الكثير منها، وقبل أن اختم مقالي بنصيحة أخوية وصادقة لكم، أود أن أروي لكم نقلا عن عشائر منطقة جبل الجرف (أولاد العيساوي، الجلامدة، الجدور، أولاد حراث، أولاد الشامخ..) المسحوقين أن مسؤولي حزب جبهة التحرير الوطني والمنظمات الجماهيرية ومسؤولي البلدية -قبل بروز تنظيمات المجتمع المدني- كانوا يجبرون كل أسرة على تسليم كبش أقرن أملح لإحياء وليمة فخمة بعد احتفاليات معركة الجرف كل سنة يوم 22 سبتمبر، ولكم كنت أسمع منهم ابتهالاتهم إلى الله ودعائهم على الظلمة الذين سلبوهم مالهم.

نصيحة أخوية:

بالنسبة للممهلات، فالأولى أن تصرفوا تلك الأموال على منظفي ومنظفات المدينة من عمال النظافة في مختلف المصالح، وسموها التكرمة الوزارية أو بدل الممهلات. وانظروا محبة واحترام هذه الفئة المسحوقة التي تتطلع نحو السائقين طلبا للصدقة أو لفنجان قهوة أو قارورة ماء. هل أزيد؟؟ أعتقد يكفيكم هذا؟؟

أ. د. أحمد محمود عيساوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى