أقلام

عِقد بلا عقل.. استعصاء الفكر العربي على الإحاطة بتحارب شعوبه

ثمة إشكال في بنية الوعي التغييري لدى العرب في نخبهم وعمومهم، على حد سواء، متعلقة أساسا بسبل التفكير ومن ثمة الإجابة عن سؤال، أين يكمن الخلل؟ ومن أين يبدأ وينتهي التغيير؟ وإذا كان لسؤال مبدأ التغيير شرعيته الموضوعية في الانطراح، فإن فكر المنتهى هو في حد ذاتها خطأ منهجي في مدار التفكير، على اعتبار أن التغيير حركة مستمرة والحاجة إليه تظل تاريخية مرتبطة بشروط التاريخ الموضوعية، شرط أن تخضع التجارب التاريخية في السياسة والاجتماع والاقتصاد، دوما للخلخلة العقلية كيما لا يُستصنم الواقع ويصم ويعمى العقل، فما الذي يؤدي بنشطاء التغيير وزاعميه ومتزعميه إلى هذا الانحباس العقلي وعدم القدرة على تفكيك التجارب بما قد يفضي إلى بروز رؤى وأفكار، يمكنها، أو على الأقل لبعض منها، أن يرقى إلى مستوى النظريات، لا سيما بعد ربيع عربي مر عقد كامل عن حدوثه؟
بدءا وبالحديث عن الربيع العربي، من بعد معاركه في السوح والشوارع، يمكن اليوم التأكيد على أنه على صعيد النتائج كان أضعف مما تأمله أبطاله وشبابه، حيث أُبطلت فيه كل مصادر القوة والطاقة البناءة والخلاَّقة، بعضها تم بالصعق والسحق، والبعض الاخر بالتجفيف الخفيف، فوزعت إثر هذا الاحكام والاتهام حول سبب في ذلك، جزافا بين مشير إلى ضعف الوعي الشعبي العربي بمسألة التغيير الشامل وليس فقط الجزئي أو الشكلي وضروراته، ما ينفي بذلك الطابع الثوري عن الربيع باعتبار أن الثورة تعبير عن وعي جديد ذي نسق فكري بديل للواقع، ولعل هذا ما دفع بالدكتور يوسف ندا إلى وصف ثورة الـ25 من يناير في مصر بالانتفاضة وليس الثورة، وبين من حمَّل النخب وصراعاتها الوهمية حول مشروع المجتمع، مسئولية تبديد جهد الشعوب من أجل التغيير، وهناك من ركز على المؤامرات الخارجية من القوى الفاعلة في المسرح الدولي المتضررة، من أي حركة تحرير للشعوب العربية وامساكها بتلابيب سيادتها على نفسها ومقدراتها.
لكن الغريب في الأمر، هو أن كل هذه الفرضيات، عوض أن تكون مثارا للنقاش والكتابة التحليلية العقلانية لسبب الارتكاسة الثورية لربيع العرب، عبر استحثاث حيوي للعقل لا سيما النقدي منه، كي يغوص في بُنى المجتمع النفسية والسياسية ورصد حالتها من بعد الانتكاسة الثورية، بما يتيح للمراجعات الضرورية أن تتبدى ملامحها الموضوعية الأولى، تم تجاوز العقل واستمر الصخب الأيديولوجي عبر المنصات والمواقع الفضائية منها والافتراضية، حول محن تيارات الحكم فيما بعد الربيع، والتآمرات التي أسقطت أفلان وأعلت علان على رأس السلطة، واشتعلت حروب الغضب والسباب وهي إلى اليوم مشتعلة النيران بين شباب أمة في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أوسع وأخص.
من هنا يبدو عنصر ضعف العقل النقدي محوريا في عدم بلوغ السياسة سن الرشد في التجارب القطرية العربية لما بعد الاستقلال، إذ أن الفراغ المهول على مستوى نشاط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى