
بقلم احسن خلاص
تعج السنة بأيام عالمية كتعبير عن حرص المجتمع الدولي على الاهتمام أكثر وتسليط الأضواء بشكل أكبر على مجالات يجمع العالم على أنها حيوية وتهم الإنسانية جمعاء مثل البيئة والشجرة والطفولة وغيرها من التعابير عن رغبة الإنسانية في التخلص من آثامها المتراكمة عبر التاريخ ومنها أو على رأسها العجز الفادح للبشرية عن إيجاد ما يجعلها تعيش معا في سلام، فضلا عن أن تحافظ على بيئة نظيفة وصحية وخطة مشتركة لمحاربة الفقر والجهل والأوبئة التي تفتك بالبشرية والنزاعات وكل أشكال الهيمنة والسيطرة والازدراء متسللة بين جوانب الأنانية المفرطة والتعصب والمركزية الاستعلائية التي صارت طبيعة راسخة عند البشر. لا بأس أن نذكر العالم أنه منذ أربع سنوات وقع على التزام عالمي بمبدأ العيش المشترك في سلام والفلسطينيون اليوم تحت نير الاحتلال والعدوان الصارخ أمام مرأى ومسمع المبادرين والمنادين بالعيش المشترك في سلام.
منذ عام 2014 بادرت المنظمة غير الحكومية عيسى التي يقودها الجزائري خالد بن تونس الذي يقود أيضا الطريقة الصوفية العلوية من إقامته بباريس، بادرت بالسعي لاقتراح يوم عالمي للعيش المشترك في سلام، سعي قاده بن تونس ضمن نشاط منظمة عيسى دام أكثر من ثلاث سنوات طرق فيها كل الأبواب من أجل إقناع السلطات المركزية الحكومية والمنظمات غير الحكومية وعمداء أكبر البلديات في العالم بضرورة دفع الأمم المتحدة لان تتبنى رسميا وبالإجماع اتخاذ يوم من أيام السنة رمزا لرغبة الإنسانية في العيش المشترك في سلام.
وكانت منظمة بن تونس قد اقترحت يوم 21 سبتمبر إلا أن موظفي الأمم المتحدة ولأسباب يقال إنها مرتبطة بالمناخ، اختاروا يوم 16 ماي استجابة للائحة تقدمت بها الجزائر عام 2017 بواسطة ممثلها في الأمم المتحدة آنذاك وزير الخارجية الحالي صبري بوقادوم وفاء للمبادئ والأسس التاريخية التي تقوم عليها السياسة الخارجية للجزائر والقائمة على السلام الدائم والعادل وفق الشرعية الدولية ورفض جميع أشكال العدوان والنزاع بين البلدان وبين أبناء البلد الواحد.
وقد وردت في مستهل النداء الذي زكته الجمعية العام للأمم المتحدة في ديسمبر 2017 الجهات التي يتوجه إليها وهي كما جات في حرفية النص: “إلى كل من يعملون معًا ضد تحديات عصرنا، ومن يؤمنون بإنسانية متصالحة، مدركين لوحدتها الوجودية، نرسل رسالة من أجل جعل اليوم الدولي للعيش معًا في سلام، 16 مايو، وسيلة نسج وتعزيز دائرة الأخوة بين المواطنين والمجتمعات والشعوب والدول. دعونا نوقع جميعا مع المسؤولين المحليين والإقليميين والوطنيين المنتخبين والزعماء الاقتصاديين والدينيين والمنظمات الوطنية والدولية، الإعلان العالمي للعيش معا في سلام”، فجاءت الإجابة على الشكل التالي: “نحن، مواطنو العالم ، وصناع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، نعلن أننا نؤيد الإعلان العالمي للعيش معًا في سلام لصالح : “التسامح والاندماج والتفاهم والتضامن، ونعبر عن رغبتنا العميقة من أجل العمل والعيش معا، متحدين في اختلافاتنا وفي ظل التنوع بغية تشييد عالم مستدام قوامه السلام والتضامن والوئام”.
ولم يكتف الإعلان العالمي للعيش معا في سلام بالدعوة العامة بل خص بعضا من الفئات الفاعلة والمؤثرة في سير العالم بنداءات خاصة، إلى المواطنين والمنتخبين على جميع مستويات القرار ومسيري المؤسسات والقادة الدينيين ورؤساء الدول والحكومات ومنظمات ومؤسسات وطنية ودولية فالجميع معني ومدعو للانضمام إلى الإعلان والتزام مبادئه بحيث وزع الإعلان المهام بين هذه الفواعل المدعوة.
وينطلق الإعلان من أن التجربة البشرية عبر التاريخ ليست كلها نزاعات وصراعات بل ثمة تجارب حياة جسدت الوئام يمكن الاستلهام منها بذكاء وأن هناك ” ملايير من النساء والرجال يعيشون بالفعل معًا، بذكاء جيد من خلال عودتهم إلى قيم التسامح والرحمة متجاوزين الخوف من الآخر وثقافة نفسي نفسي التي تؤدي إلى صراعات سياسية، اقتصادية واجتماعية وبيئية تضر بالسلام” ملتزمين بالاعتراف بكل أشكال التنوع ومحاربة التمييز لتسهيل التعايش المتناغم في المدن”.
ونجد الإعلان العالمي للعيش معا في سلام، إلى جانب هذه الجوانب التي أشرنا إليها على سبيل المثال لا الحصر، عامرا بالمواعظ تجاه البشرية لتكف عن منغصات العيش المشترك في سلام إلا أننا لا نجد فيه دعوة إلى قوى الاستكبار العالمي لتكف أيديها عن المستضعفين في الأرض، لم تدع إلى نزع السلاح في العالم كما لم تدع المستغلين والمحتلين والعابثين بالمقدسات الإنسانية إلى الكف عن ذلك وكأن هؤلاء غير معنيين بالعيش المشترك في سلام. فما يجري اليوم على الأراضي الفلسطينية المحتلة يضع العالم الذي زكى بالإجماع وثيقة الإعلان العالمي للعيش معا في سلام في فخ. فلا نجد همسا اليوم لأصحاب اتفاقيات السلام “الإبراهيمية” ولا للمنظمات غير الحكومية التي ترفع هذه الشعارات منها منظمة عيسى التي تكلف نفسها عناء الدفاع عن مقترحها.
كيف للبشرية أن تحتفل باليوم العالمي للعيش معا في سلام في اليوم الموالي الذي يحتفل فيه الصهاينة بيوم إنشاء كيانهم الغاصب. أليس حريا بالأمم المتحدة والقوى الداعية إلى السلام أن تغتنم فرصة 16 ماي للدعوة إلى وقف كل أشكال العدوان على الشعوب المستضعفة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني؟
إننا في مفترق طرق اما الحرب أو السلام فلنختار من موقعنا أيهما نسلك