بقلم: لخضر بن يوسف
فرضت جائحة كورونا الاستثنائية التي يعيشها العالم في مواجهة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» وتحت وطأة انتشار الفيروس وتفشي رائحة الموت في ردهات المستشفيات هواجسا مخيفة أرقت الناس وأرعبتهم وسجلت تحولات اجتماعية ظرفية ، مخلفة تأثيرات سلبية متعددة يراها العالم بأسره في هذا الفيروس الفتاك ، بالرغم من تعب العلماء من بحثهم في إيجاد لقاح أو مصل لكورونا ، وإجهاد الأطر الطبية رغم محدودية موارد المنظومات الصحية ، وجهود الجيش والأجهزة الأمنية الجبارة ، حالة ترقّب يعيشها الناس في ظل ظروفنا الراهنة مع جائحة كورونا ، يواجه جميع أفراد الأسر صعوبات كثيرة للتأقلم مع الإجراءات الاحترازية ، ومنها الحجر المنزلي ، نظراً للانفتاح والأمان السابقَين.. هنا يأتي السؤال : مَن عليه تحويل هذا التحدي إلى فرصة ذهبية في بناء الأسرة ، من خلال القول للأبناء « أننا معاً قادرون على تجاوز هذه الأزمة »؟ بالرغم من كل السيئات التي خلفها هذا الفيروس ، إلا أن وجود الناس في بيوتهم كنتيجة لاستراتيجية التباعد الاجتماعي – قد يبدو ممارسة جديدة فضلى باعتبارها فرصة للنجاة إذا كنا ناقلين محتملين للغير – والمسافات الآمنة والعزل المنزلي والحظر، كل ذلك ساهم في إظهار القيم العائلية – ولو قسراً – من خلال تواجد العائلات في منازلهم بالقرب من بعضهم مكانياً وزمانيا ليعيشوا حالة القرب في ميل القلوب على السواء ، تواجد الأسر و العائلات في بيوتها تماشياً مع قرارات القيادة السياسية التي تحكم البلاد يُؤشّر لاحترام الناس للغة القانون وخوفهم على بعض محبة وعاطفة من أن يحمل أحد أفراد الأسرة الفيروس ويعدي الآخرين ، وفي ذلك عاطفة وغَيْريّة وإيثارِ ، فالتواجد القسري أو الطوعي للناس في بيوتهم جعلهم قريبين من بعض مكانياً وزمانيا لتنشأ حالة قرب العائلة والتواصل والاتصال والمستقبل وذكريات الماضي القريب والبعيد على سبيل تعزيز أواصر المحبة والألفة .
إعادة لتشكيل العلاقات
عودة اجتماع الأسر الجزائرية في البيوت ، بسبب الحجر المنزلي ، ما هو إلا إعادة لتشكيل العلاقات بين أفرادها وانتقالها إلى علاقات واقعية ، بعدما انزاحت ، خلال السنوات الأخيرة ، إلى علاقات افتراضية وهمية ، جراء تنامي استعمال وسائل التواصل الحديثة ، تواجد الوالدين والأبناء في بيوتهم يجعلهم يضطرّون للتعارف من جديد ويخلق حالة من الألفة و يعزز ويقوي المحبة بينهم ويسد ثغرة الفراغ الكبير جداً في هذه الفترة ، أو وضع برامج منزلية تشاركية تحفز الأبناء على ملء وقت فراغهم بالحجر بما هو مفيد لهم صحياً واجتماعياً ، خصوصاً في حال كونهم يعملون والوقت كان قصيراً لتواجدهم مع بعضهم البعض ، بتواجد الوالدين في العزل المنزلي فإننا سنجد الدور يرتكز على فردَين ، هما عماد هذه الأسرة ، والمحرك والداعم المحوري للحفاظ على الأسرة في زمن كورونا ، إنهما (الأم والأب) قوام وعماد المجتمع ، فهما من عليهما احتواء الأبناء في ظل هذه الأزمة وتوعيتهم تخلق حالة من الشعور عند الأطفال تحديداً بأن الرجل مسؤول ويتحمل كافة المسؤوليات اتجاه الأفراد والمجتمع وضرورة تعميق المواطنة الإيجابية واسترجاع الثقة لديهم ، بالارتكاز على السياسات الحياتية التي تضع الحفاظ على حياة الإنسان وحمايته على رأس الأولويات ، كما أنهما المسؤولان عن غرس وتعزيز أهمية الالتزام بالتوجيهات الوقائية والجلوس بالمنزل فجائحة “كورونا ” ، ستجعل الآباء والأمهات يعيدون النظر في طريقة تعاملهم مع أبنائهم ، حيث ستتعزز قيم المراقبة ، فكورونا ستعيد علاقة ” المْصاحبة والمعايشة ” بين الآباء والأبناء ، من خلال كسر كل العادات السيئة والرتيبة التي خلقها الشباب من خلال انغماسهم في العالم الرقمي لأن وعي الشاب الجزائري اليوم يتشكّل ويلتقط عناصره من العالم الرقمي ، كما أن تنشئته تمت عبر وسائط التواصل الاجتماعي ، وعلى الوالدين استثمار هذه الأزمة بتحويلها إلى فرصة لاستعادة ما فقدته بعض الأسر من تواصل صحي ودائم بين أفرادها ، انطلاقا من هنا يمكن القول أن الأسْرة ستسترجع دورها كمحضن للتنشئة ، حيث مكّن الحجر الصحي من اكتشاف الآباء والأمهات لشخصيات أبنائهم وتطلعاتهم المستقبلية ، وبالتالي حصول تقارب في الرؤى ووجهات التفكير بين الطرفين لتتجسد القيم العائلية في العمل والعاطفة والشعور والاحترام والمحبة وغيرها ، حتى رسم الخطط المستقبلية لشباب العائلة يكون على أوجه إبّان العزل المنزلي حيث الوالدين يرسمان خطوط الرؤى المستقبلية للتخطيط لشبابهم صوب حياة عصرية وفق الراهن والمتغيرات والسياسات الحياتية .
بعد جائحة “كورونا “
مرحلة ما بعد جائحة “كورونا ” هي تعزيز للغة الحوار والتواصل والاتصال والمحبة المشتركة ، وخلق حالة من القيم العائلية الإيجابية النموذجية وتحويل التحديات إلى فرص خلاقة حقيقية وجادة ، وللاستثمار الأمثل للوقت و تعزيز العلاقات العائلية وتجديدها بما يتوافق وضرورات المتغيرات والمستجدات الآنية والظرفية الزمنية وكسر روتينها وتعظيم القيم العائلية في كل الأوقات دون حد أو قيد خصوصاً في زمن كورونا ، فحالة التصالح والقرب العائلي ضرورية لخلق جو عائلي مليء مفعم بالحيوية والنشاط والسعادة قوامه التراص والتماسك والتعاون والاتفاق في التوجهات والتطلعات والتخطيط للمستقبل على سبيل الخروج من جو الكآبة والملل .
يبدو أن هذه الأزمة – الأزمة الوبائية – خُلقت لتكون فرصة لاستعادة الأسرة مفهومها القديم في الترابط الأسري الوثيق ، وهي خطوة لنا في التواصل والانسجام مع أبنائنا عن قرب ، والاجتماع معهم لفترة طويلة ، وهذا ما يساعد في غرس وتعزيز قيمة التعاون ، واستغلال الوقت في الاستفادة القصوى لتطوير مهاراتهم وسلوكياتهم للأفضل.