لا يتناسب أبداً ما يقومون به وما يرتكبونه من جرائم وموبقات، ومذابح ومجازر، وعمليات إبادة جماعية وتطهيرٍ عرقيٍ مقصود، وحرقٍ وقصفٍ ودمارٍ وخرابٍ، وتجويعٍ وتعطيشٍ وحصار، وقضاءٍ على كل مقومات الحياة ووسائل العيش، وتدميرٍ للمستشفيات وقتلٍ للمرضى والجرحى والنساء والأطفال والأجنة والنطاف، في فلسطين عموماً وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، مع ادعاءاتهم بأنهم الجيش الأكثر مناقبية والأفضل أخلاقاً في العالم، والأكثر انضباطيةً والتزاماً بقوانين الحرب والأعراف الدولية.
ولا يتناسب مع دعواهم بأنهم الجيش النظامي الوحيد في المنطقة الذي يلتزم المعايير الإنسانية في عملياته العسكرية، ولا يخالف جنوده ضمائرهم ولا يفقدون في الميدان إنسانيتهم، ولا يتجاوزون النظم والقواعد، ولا يخالفون الأعراف والمواثيق، ويتخذ الجيش كافة الإجراءات الضابطة لعملياته والمنظمة لمهامه، ويخضع عناصره، ضباطاً وجنوداً، وقادةً ومسؤولين، للتحقيق والسؤال، والعقاب والجزاء، ويشكل لجان تحقيقٍ سريةٍ وأخرى علنيةٍ، ويعلن عن نتائجها، ويكشف أسماء الضباط المخالفين والجنود المتورطين، ويسمح للجان الرقابية بمتابعة إجراءاته ومراقبة قراراته والتأكد من جدية توصياته.
لكن تحقيقاً موضوعياً جاداً، مهنياً منصفاً، مستقلاً معتدلاً، أو استقصاءً قضائياً وتفتيشاً قانونياً، سيثبت قطعاً بالأدلة والبراهين، والشواهد والشهود، والصور والتسجيلات، والاعترافات التلقائية الناتجة عن الصدمات النفسية، كذب ادعاءات الكيان الصهيوني، وبطلان كلامه، وسيظهر حقيقة الجيش وسياسته، وسيؤكد حقاً أنه دمويٌ وحشيٌ، عنصريٌ متطرف، متفلتٌ غير منتظم، وفرديٌ غير ملتزم، يتصرف جنوده ويتحكم ضباطه في مسار العمليات وفقاً لعقيدتهم المنحرفة، وعنصريتهم المفرطة، وتعاليم حاخاماتهم الحاقدة، الذين يدعونهم لمزيدٍ من القتل والإبادة، وارتكاب المجازر وعدم الخوف من العواقب.
قد لا نكون بحاجةٍ إلى أدلةٍ وبراهين، ولا إلى لجان تحقيقٍ وهيئاتٍ مستقلةٍ للاستقصاء لكشف الحقائق وإظهار ممارسات جيش العدو المخالفة لكل القوانين والنظم، والأعراف واللوائح وأخلاق المحاربين النبيلة، وشيم المقاتلين القديمة، حيث اعتاد المحاربون الأشراف عدم قتل الأطفال والنساء، واستبعاد الشيوخ والمرضى والمسنين، وتجنب الاعتداء على دور العبادة والمدارس والمصحات والمستشفيات ومراكز الإيواء، وعدم قتل الآمنين والمدنيين واللاجئين إلى مراكز الحماية، وأولئك الذين يرفعون الرايات البيضاء ولا يحملون أسلحةً، وتأمين الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، وطواقم الإسعاف ورجال الدفاع المدني وغيرهم.
بينما يقوم جنود جيش الاحتلال وضباطه، بعيداً عن العمليات العسكرية النظامية، والغارات الجوية العنيفة والقصف المدفعي المتواصل، بالتنافس فيما بينهم في عمليات القتل الجماعية والإبادة العنصرية، حيث يقتلون الباحثين عن الأمان، والساعين وراء كسرة الخبز وشربة الماء، والمستلقين على ظهورهم جرحى ومصابين على أسرة المستشفيات وفي الأروقة والمعابر والطرقات، ويدخلون إلى مراكز الإيواء وينفذون عمليات إعدامٍ ميدانية ضد مدنيين عزل، ولا يميزون في جرائمهم بين طفلٍ صغيرٍ ورجلٍ عجوزٍ، بل يقتلونهم أمام عائلاتهم وبحضور أطفالهم الذين نجوا من القتل والقصف والدمار.
يسجل الجنود والضباط جرائمهم بلا خوف، ويصورونها بفخرٍ وفرحٍ، ويرسلونها إلى أسرهم وعائلاتهم، ويهدونها إلى زوجاتهم وعشيقاتهم، ويحتفلون بالدم والنار بأعياد ميلادهم، ويرسلون الهدايا إلى أطفالهم وزوجاتهم، صوراً لمن قتلوا، ومشاهد لما خربوا، وآثاراً لما حرقوا، ولا يترددون في الرقص الجماعي فوق أشلاء القتلى وأجسادهم، ويجبرون الفلسطينيين على تهيئة المكان وتأمينه لهم قبل قتلهم، ومنهم من أرسل صوراً تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي وهم يسحقون ألعاب الأطفال ويحرقون ثيابهم، ويمزقون صورهم، ويجلسون في غرف النوم والمكاتب، ويسرقون ما يجدون فيها من أموال وحلي وذهب، قبل أن يفجروا البيت ويدمروه، ويلتقطوا لأنفسهم صوراً وهم مستلقين على الأرض، يصرخون ويرقصون على صوت التفجير وآثاره.
ولو تسنى لبعضنا الدخول إلى وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، أو الدولية التي يشارك فيها مستوطنوهم، ويتحاور فيها جنودهم، ومراقبة حواراتهم، والتجسس على أحاديثهم، فإنهم سيجدون جنود جيش الاحتلال يعترفون بجرائمهم بلا خوف، ويعددون ما قاموا به بكل فخر، ويذكرون تفاصيل دقيقة ندت عن وسائل الإعلام، وتعمدت قيادة أركان جيش الاحتلال طمسها والتخلص منها، لكن جنودهم يتفاخرون بها وبعدد من قتلوا، وبالخراب الذي أحدثوا، وبحجم الدمار الذي قاموا به، ولا يبدون ندماً على ما فعلوا، بل إن بعضهم يهدد ويتوعد، ويعد ويتعهد بأن يتفوق على زملائه الذين قتلوا أكثر منه، وقاموا بأفعال خبيثة أشد وأسوأ من أفعالهم، ولعل بعضهم يقتل فقط لمجرد القتل، ويقنص من بعيدٍ لهوايةٍ عنده أو لرغبةٍ خبيثةٍ فيه، دون أن يكون هناك خطر يهدده، أو سلاح بأيدي من قتل يخيفه.
إنه الكيان الصهيوني نفسه، الذي عرفناه قديماً وخبرناه كثيراً، الذي ارتكب ضدنا أبشع المجازر وأفظع المذابح، ومارس ضد شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية مختلف أنواع البطش والإرهاب، منذ أن تأسس على عين دول الاستعمار وقواه حتى اليوم، ها هو يكرر نفسه ويعيد ذاته، ويعيد ارتكاب المجازر نفسها لكن على أبشع ما تكون، على الأرض نفسها وضد الشعب نفسه، وها هي أجياله تتنافس فيما بينها أيهم يكون أشرس وأعنف، وأقسى وأشد، وما ادعاؤهم بالأفضلية والمناقبية إلا كذباً ودجلاً وزوراً وبهاتاناً، فجيشهم قاتلٌ وقيادتهم مجرمة، وشعبهم وافدٌ محتلٌ، غاصبٌ ومستوطنٌ، فلا مكان لهم بيننا ولا عيش لهم معنا.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 3/6/2024