ثقافة

قصة: “رائحة الشواء “

داهمتني رائحة الشواء الشهي والتي لا تقاوم، وخاصة وأنا أشعر بجوع شديد ثم أخذت بدافع من الغريزة وشهوتي للطعام بالبحث عن مصدر هذا الشواء وأين ذلك المطعم، فأنا الآن واقع بين ما يلتقطه أنفي من رائحة شهية أخاذة للعقل والنفس، ويرسلها لمعدتي التي تنتظر ذلك الطعام، فكما سرت في الماضي كثيرا خلف تساؤلات عقلي ونفسي، أسير أيضا خلف شهوة وأمر معدتي مثل ما أفعل الآن.

كنت في الإسماعيلية وفي فترة التجنيد وفي مأمورية وجائع ولم آكل من الأمس، ساقتني قدماي للمطعم أو بمعني أصح جذبني دخان الشواء، ثم قلت في نفسي إذا كان ذلك فعل الدخان بمعدتي؟؟ فما بال الشواء نفسه ،  كنت أسير أو ذاهب  قسرا عنى باتجاهه بلا وعي بإحساس الغريزة والجوع و الشهية……..أنا الآن أمام المطعم الآن، كان باب المطعم مزين بأحبال من أعلى لأسفل مطرزة بالخرز الملون، ففرقت ذلك الخرز بيدي وهممت بالدخول للمطعم، وإذا بعملاق يرتدي جلباب فضفاض ، مد يده التي كجذع شجرة  لرقبتي جامعا ياقة الأفرول والزراير وجذبني جذبة شديدة حتى اصطدمت رأسي ببطنه الرجراجة وكان وجهي يعلو سرته قليلا ،أما ارتفاع رأسي وانخفاضها كان بسبب شهيقه وزفيره ،ثم نظرت لوجهه الضخم وأنا أفتح  نصف عين واحدة  مخافة أن أغضبه ! لأعرف من هذا  وماذا يريد .؟؟؟،وإذا به يقول :ماذا تريد من المطعم قلت له أفٍ خوف وتلعثم :أريد  أن أتناول الطعام هنا  فقال بلهجة لا ينقصها القرف وغضب لا يخلو من شر تقرأه في عينيه ،وفى قسوة نظرته : اسمع يا دفعة أنت ، بعد أن أبعدني عن كرشه مسافة ثم ردني ثانية لكرشه مرات متتالية،وساعده على ذلك إرهاقي الشديد، وضعفي بسبب الجوع ، ونحول جسدي ومن قبل كل ذلك خوفي منه، ما زلت شبه  معلق بقبضة يده القوية الكبيرة المتينة، إهانة لي و استخفافا لشأني، وبعد وأن أدخل رأسي داخل المطعم إلا قيلا، وما زال هو على الباب وبقيتي بالخارج أيضا ، وبحدة متضمنة تهديد شديد  :  هنا مطعم كباب وكفته إن كنت تريد؛ الطعام، وأثناء ذلك دار و لف يده برقبتي والياقة وأنا معهم كعصفور وأشار  علي؛ مطعم فول وطعميه  وفلافل وهو يقول: أذهب إليه وتناول الطعام هناك  مع زملائك قبل أن ينفذ صبري معك ..ولكني أكدت له أنني أعرف أنه مطعم كباب… وكان ذلك ليس رغبة في الطعام هذه المرة؛  أكثر منه تبرأة نفسي والدفاع عنها و بأنني تناولت الطعام هنا  مرات سابقة ،وأعتقد أنه لم يكن موجود وقتها ، ثم أخرجت الكارنيه الذي به النقود والذي  كان محشور في  جيبي بيني وبين كرشه الذى أقترب منه ذقنه أن صعد لأعلى أخفى خلفه جزء من قفصه الصدري  ،ورأى العملاق النقود فلمعت عيناه وأبتسم ابتسامة شيخ  محتال عندما يجد فريسة بلهاء ،ثم  لف بي مرة أخرى أقوى و أشد من الأولى ، ولكن هذه المرة لداخل المطعم الذي يملكه  والذي يبدو من  هيئته كعمده أو وجيه  من أثرياء الريف.. ولكنك إذا تعمقت في عينيه سترى ابن ليل، وقاطع طريق، ولص قديم، ووضع أمامي الطعام الذي طلبته والذي كنت صرفت النظر عن تناوله أثناء عملية رجرجتي وخنقي على كرشه، ولكنه دفعني دفعة قوية فأصبحت بداخل المطعم وأجلسني أيضا حتى شعرت أنني أتناول الطعام قسرا عني وبالإكراه، ثم استغرقت تماما بين وحدات المضغ والبلع والهضم ملبي نداء المعدة بانسجام وتناسق تام بين الوحدات الثلاث …. ثم نادي العملاق على الجرسون وقال له مشيرا ناحيتي أسأل البيه هل يحتاج شيئا آخر، وكان طبعا يقصدني. !!

بقلم: الكاتب والقاص إبراهيم الديب من مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى