أقلام

قطاع الإعلام.. التشريعات الجديدة وسياقات الراهن

احتل موضوع تنظيم “الصحافة الوطنية” منذ الاستقلال أحد الهواجس والألويات لدى القطاع الوصي على “الاتصال” وقد احالت السنوات الاولى بعد الاستقلال الصحافة الوطنية الى ممارسة ادوار تعبوية وتربوية واجتماعية رافقت فيها بشكل واضح التوجه السياسي آنذاك القائم على الطرح الاشتراكي في أبعاده السياسية والاقتصادية وكانت بالفعل المرحلة هاته بداية مخاض عسير لصحافة وطنية اعتمدت فيه كقطاع مرجعي في كيانات الدولة على الكفاءات المهنية الوطنية الأمر الذي جعل تطوير المرتكزات التنظيمية لصحافتنا الوطنية سواء في الصحافة المكتوبة والاذاعة والتلفزيون غير متاح بالكم الكافي والمطلوب لاعتبارات موضوعية.. ليأتي دستور 1989 الذي أقر التعددية الإعلامية والحزبية ويؤسس لمسار جديد في الصحافة الوطنية تعددت بموجبه قانونا المنابر الاعلامية في قطاع الصحافة المكتوبة ويتوج ايضا المسار بعد سنوات هي الأخرى ضاغطة وصعبة بقانون 2012 الذي أقر التعددية في قطاع “الإعلام السمعي البصري” ونكون اليوم ضمن معطيات ومتغيرات جديدة على الإعلام الوطني أمام قانون عضوي جديد رقم “23” القانون العضوي المتعلق بالإعلام الذي نقل الاعلام الى مسارات مسايرة لما شهده الاعلام من تحولات عديدة على اكثر من مستوى‪.‬‬

النشاط الإعلامي ضمن المبادئ والمرجعيات

حدد القانون العضوي الجديد “للإعلام” إطارا قانونيا واضحا لنشاط “الإعلام” وعرفه على أنه كل “نشر للأخبار والصور والآراء وكل بث لأحداث ورسائل وأفكار ومعارف ومعلومات عن طريق أي دعامة مكتوبة أو إلكترونية أو سمعية بصرية موجهة للجمهور أو فئة منه” ويضع هذا التعريف والتوصيف الدقيق لماهية “الإعلام” إطارا واضحا للنشاط الإعلامي ويحدد مختلف أشكاله وجوانبه وهو مدخل هام لتأطير أنشطة الإعلام في ظل البيئة الإلكترونية الجديدة كما نجد ضمن المواد الأولى للقانون العضوي للإعلام تثبيتا لما أسميه إطارا مرجعيا لممارسة “الإعلام” وهو ما وضعته أيضا التشريعات السابقة إذ نصت المادة الثالثة من القانون العضوي على أن النشاط الإعلامي يمارس بحرية وفي إطار الدستور وفي ظل احترام الدين الإسلامي والمرجعية الدينية والوطنية ووحدة التراب الوطني ومتطلبات النظام والأمن ،والدفاع الوطني ومقومات ورموز الدولة وكرامة الانسان والحريات الفردية والجماعية والمصالح الاقتصادية للدولة ويشير ايضا الاطار المرجعي لممارسة الإعلام إلى حق المواطن في إعلام كامل ونزيه وسرية التحقيق الابتدائي والقضائي والطابع التعددي للآراء والأفكار ويساير بالفعل هذا المدخل المرجعي ان صح التوصيف ما يشهده المجتمع من تحولات وموقع الدولة في قيم الممارسة والنسق الاجتماعي المرجعي إذ لا يمكن ممارسة الاعلام الذي يبقى رسالة في المجتمع إلا في اطار مرجعيات المجتمع والدولة على حد سواء وضمن القيم الانسانية والاجتماعية‪.‬‬

سلطات الضبط ومجلس أخلاقيات المهنة

يمكن اعتبار القانون العضوي الجديد للإعلام أرسى مسارا نوعيا في تأطير مهن “الاتصال والصحافة” فأضاف صلاحيات جديدة للسلطة المستقلة للضبط السمعي البصري وسلطة ضبط النشاط الإعلامي في الصحافة المكتوبة والإلكترونية ويؤشر هذا الاتجاه القانوني إلى حرص الدولة على تأطير النشاط الإعلامي في بيئته الاتصالية الإلكترونية وجعله أمام القوانين منظما ومؤطرا تفاديا لأي مظهر من مظاهر الفوضى التي قد تؤثر على المجتمع والمؤسسات على حد سواء كما أقر القانون العضوي الجديد إنشاء مجلس أعلى لأخلاقيات المهنة يتكون من كفاءات وطنية ومهنية نصف عدد أعضاء هذا المجلس الهام يعينهم رئيس الجمهورية في حين ينتخب الصحفيون والناشرون النصف الثاني من تشكيلة أعضاء هذا المجلس الذي يتكفل بإعداد ميثاق لأخلاقيات المهنة ويشكل رقابة ذاتية على الأداء ويسجل التجاوزات التي قد تقع في المجال الإعلامي ويعتبر أيضا قوة اقتراح مهمة ويمكن اعتبار أن توسيع نشاط سلطات الضبط الإعلامي في القانون العضوي الجديد للإعلام وإضافة سلطات جديدة يؤشر إلى معطى في غاية الأهمية وهو انتهاج واضح رسمي لدمقرطة “الاعلام” وجعله اكثر تحرر معبرا عن الديمقراطية والتعددية في البلد ،وهو انتقال نوعي للإعلام الوطني في ارادة سياسية واضحة واكبها التشريع بشكل واضح‪.‬‬

الصحفيون.. تقنين الكيان المهني
حدد أيضا القانون العضوي للإعلام “14.23” تعريفا واضحا ودقيقا للصحفي المحترف إذ “إنه كل شخص يمارس النشاط الصحفي ويتخذ من نشاطه هذا مهنته المنتظمة ومصدرا رئيسيا لدخله ويثبت هذا الصحفي المحترف حيازته على شهادة تعليم عال جامعية لها علاقة مباشرة بمهنة” الصحفي “وخبرة مهنية لا تقل ثلاث سنوات في المجال أو يحوز الصحفي المحترف شهادة تعليم جامعية عليا في أي تخصص مع تلقي تكوين من قبل مؤسسة في مجال الصحافة معتمدة في هذا المجال ويشير القانون العضوي إلى أن ممارسة النشاط الصحفي يتنافى مع أي وظيفة إدارية وتثبت صفة الصحفي المحترف عن طريق بطاقة مهنية وطنية للصحفي المحترف ويمكن اعتبار أن القانون العضوي الجديد حدد في هذه المواد المتصلة بتحديد” الصحفي “وأنشطته المهنية وكيانه المهني ضوابط مرجعية لممارسة الصحافة التي تعتبر بالنسبة للصحفي المحترف النشاط المهني الرئيسي التي يتقاضى بموجبها أجرا وهي وظيفته وبالتالي لا يمكن أن يكون الشخص الممارس للصحافة موظفا في هيئات عمومية أو خاصة ،ويتخذ من الصحافة وظيفة أخرى ،وقد لاحظ بالفعل المشرع الجزائري وجود اختلالات في ممارسة الصحافة لدى قطاع واسع من الممارسين الذين يوجد فيهم من هو موظف في هيئات أو لا يحوز على شهادات في الاختصاص ولا شهادات جامعية اتخذوا من الصحافة نشاطا مهنيا ليحدد القانون الجديد ضوابط جديدة في ممارسة المهنة ،ويحدد بشكل واضح ودقيق تعريف” الصحفي المحترف “الذي يبقى أحد مرتكزات الحقل الإعلامي باختلاف أشكاله ووسائله التقليدية منها والحديثة.. يتبع

بقلم د. محمد مرواني/ أستاذ جامعي في الإعلام والاتصال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى