أقلام

قيتارة الأغنية الجزائرية الراحل سامي الجزائري

بقلم: ليليا عثمان الطيب

إن الغناء هو جزء من التراث الإنساني، يقول تولستوي:”على الإنسان أن يكون رحيما لأن الرحمة تجمع بين البشر، وأن يكون أديبا لأن الأدب يوحد القلوب المتنافرة، وأن يتمرس بالفن والموسيقى لأن الأخيرة تنقذ القلوب من جراثيم الطمع والأنانية”، في البدء إرتبطت الموسيقى بالسحر، ولكنها مالبثت أن غادرته إلى المعابد وإختلفت وظيفتها وأصبحت جماعية بعد أن كانت فردية وأصبحت أكثر تنظيما وإتساقا مع الشعائر الدينية في تجلياتها المتباينة، وما للأناشيد والتراتيل من دور طقسي مقدس إنعكس بالتالي على العلاقة التبادلية بين اللغة والموسيقى من خلال تأثر الشعر بالموسيقى، وأخيرا غادرت الموسيقى المعابد لتصبح عالما بذاته .

أذكر حين كنت طفلة صغيرة كنت أشاهد مع عائلتي سهرة فنية في التلفاز (في فترة إقامتنا في البلد الشقيق ليبيا) لمجموعة من الفنانين العرب، وكان من بينهم المطرب اللبناني علاء زلزالي ولقبته مقدمة السهرة بألفيس بريسلي العرب، إلا أن علقت أمي فجأة عن اللقب قائلة:” المطرب الوحيد الذي يشبه ألفيس بريسلي هو سامي الجزائري، بل أن سامي أجمل من ألفيس بريسلي”، لم أكن أعرف وقتها لا المطرب الراحل سامي الجزائري ولا حتى المغني والممثل الأمريكي الراحل ألفيس بريسلي، وبعدها بسنوات قليلة إكتشفت أن أمي على حق، فكما تحتفي مصر الشقيقة بوسامة الممثل الراحل رشدي أباظة يحق للجزائر أن تحتفي وتفتخر بالراحل سامي الجزائري الذي جمع بين جمال الطلة وعذوبة الصوت.

عند كتابتي لهذا المقال قمت بالبحث في محرك البحث Google عن صور واضحة للمطرب الراحل سامي الجزائري إلا أنني لم أجد له أي صورة واضحة تبرز الكاريزما والوسامة التي يتمتع بها فهل نحن لانملك أرشيفا لصور الفنانين الجزائريين؟ ألم يكن هناك جلسات تصوير خاصة بالفنانين كما هو الحال مع كبار فناني مصر والمشرق العربي؟، وللأسف لم أجد لقيتارة الأغنية الجزائرية أي صورة سوى بعض الصور المأخوذة من أغانيه أو صور ألبوماته، وهذا يعتبر إجحاف في حق الذاكرة الفنية الجزائرية .

في السادس من شهر سبتمبر الماضي مرت الذكرى الحادية والثمانين لميلاد قيتارة وبلبل الجزائر سامي الجزائري المولود في السادس من نفس الشهر سنة 1945، ويعد أحد أجمل الأصوات الغنائية التي عرفتها الجزائر، وتوفي في عز شهرته وعطائه الفني، لقد جمع المطرب الراحل سامي الجزائري بين الوسامة وعذوبة الصوت، فهو أفضل من تغزل ببنات الجزائر بعيدا عن التكلف والكلام المبتذل ولاتزال رائعته “يابنات الجزائر..يلي خليتو فكري حاير” تتغنى بها النساء وتفتخر بكلماتها إلى اليوم، وهي من الأغنيات العربية التي لاتجد فيها أي ذكر لجسد ومفاتن المرأة، وهذا هو جوهر الفن تهذيب الخلق وإمتداد لعادات وتقاليد الشعوب .

تميز سامي الجزائري (1945-1987) بغنائه لكل الطبوع الشعبي والعصري والقبائلي والحوزي والشرقي، من مواليد ولاية تيزي وزو الجزائرية اسمه الحقيقي علي كانوني، إمتهن عدة مهن قبل الغناء حيث عمل كنجار ودهان وبائع سمك، إلا أن شاء القدر أن يغير مساره ويدخل عالم الفن من أوسع أبوابه ويصبح من نجوم الصف الأول وقتها في الجزائر، ولديه العديد من الأغاني التي تعتبر من روائع الأغاني الجزائرية والعربية حيث تغنى فيها عن الحب والحبيبة والجمال مثل “اقريت الحب في عينيك”، و “لعزيزة”، و “هي هي”، و “يا راضية”، و”الراحلة”، و”أنايا براني غريب”، و”وردية”، و”إنسايني”، “محني الزين”، “صبرت ومازال نصبر” وغيرها .

في العادة عندما يتغنى الرجل أو يتغزل بالمرأة يركز على مفاتنها وأجزاء من جسدها مثل عيونها وشعرها، إلا أن سامي في أغنيته “يابنات الجزائر” لم يذكر كل هذا بل عبر عنها كإنسانة وسيدة مستقلة فوصفها بلباسها التقليدي الأصيل بمعنى أنها منتمية لبيئتها ومحافظة على تراثها، ووصفها بالجمال دون أن يخص بالذكر جزءا معينا من جسدها، ووصفها بأنها تتقن الطبخ “كل صبع بصنعة” بمعنى أنها سيدة بيتها، فهي الجزائرية صاحبة الشخصية القوية والخلق الحسن التي لايعيبها شيء لهذا كان المقطع” يلي خليتوا فكري حاير” بداية ونهاية الأغنية، وربما يأتي يوم قد يصنف فيه الباحثين في تاريخ الطرب العربي سامي الجزائري بأنه أفضل من تغنى ببنات بلده .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى