بقلم: احسن خلاص
تستعد البشرية هذه الأيام لاستقبال عام جديد بأمل كبير في أن يمحو من الذاكرة العام الذي ينقضي. إنه عام 2020 الذي عرفت فيه الإنسانية أكثر الامتحانات قساوة في تاريخها، عام الخوف والجزع والحزن والألم في معادلة متعددة المجاهيل. لم يكن عام 2020 كسائر الأعوام السابقة ولن يكون بالتأكيد مثل اللاحقة فقد استيقظ العالم في صبيحته مذهولا مندهشا بعد أن فاجأه غاز لا هو من الكائنات الفضائية التي يحكى عنها في القصص وتصور في الأفلام ولا من قوة عالمية متطرفة كما كان حال الحربين العالميتين بل جاء من تطورات جينية فيروسية من قلب الطبيعة اختلف في ما إذا كان للإنسان ومخابره العلمية الأمارة بالسوء يد في ظهورها وانتشارها أم أن الأمر يتعلق بولادة تلقائية.
سرعان ما أنهى العالم الجدل وخرست ألسنة السياسيين شرقا وغربا وكفوا عن اتهاماتهم المتبادلة عندما أدركوا أن البحث في مصدر الفيروس المستجد إنما هو مضيعة للوقت أمام التهديد الذي يحمله الغازي الجديد فالأولوية لمواجهته وتأهب الإنسان لإدارة معركة مع كائن لا يعرف عنه في البداية إلا النزر القليل. كان يجب أن تواجه البشرية ما بات يهدد وجودها البيولوجي وكيانها الجمعي ونظامها العالمي من خلال إقامة حواجز لمقاومة انتشار الفيروس بإذكاء روح الوقاية والاحتراز من هذا العدو اللدود الذي كاد ينخر البشرية جمعاء كرد فعل أولي لا مفر منه قبل استنفار ما لدى الدول الكبرى من طاقات علمية للعثور على وصفات علاجية ملائمة تحد من موجات الوفيات التي تزايدت قبل البحث عن اللقاح المناسب للوقاية الناجعة منه تمكن البشرية من الخروج من قوقعتها واستئناف نشاطاتها بكل اطمئنان.
تجربة سنة كاملة تتابعت فيها أرقام الإصابة بالفيروس التي قاربت 78 مليون مصاب وخلفت ما يقرب من مليوني ضحية مع شفاء من يقرب من نصف عدد المصابين هذه هي الحصيلة الأولية من الخسائر البشرية في انتظار إحصاء شامل للخسائر المادية وما تلقاه الاقتصاد العالمي من ضربات موجعة لا تزال أثارها تنتظر السنوات المقبلة للبروز جليا وتأثيراتها على النسيج الاجتماعي للبشرية التي يرتقب أن تكون وخيمة إذا لم تظهر البشرية جهودا تضامنية مثل تلك التي تبرزها في مواجهة تأثيرات المناخ والاحتباس الحراري.
ولكي لم تكد تختم البشرية سنتها على وقع التشاؤم الممزوج بالخوف من المستقبل القاتم حتى أسرعت مخابر عدة في تجاربها الأولية لإنتاج اللقاح المناسب ومع بداية الثلاثي الأخير من هذه السنة بدأت تتهاطل عروض اللقاح من روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين وصارت اليوم تتنافس على أخذ الحصة الأكبر في السوق العالمية وهو ما جعل البشرية تتنفس الصعداء وتعلو تباشير عودة الحياة إلى الحياة وبدأ الكثير من الدول تفكر في التخلص تدريجيا من تدابير الوقاية الثقيلة المتعلقة بالحجر المنزلي وغلق الحدود أمام حركة السفر وتعميم تدابير الوقاية من استعمال الكمامات والمطهرات والتزام التباعد الجسدي وغيرها من السلوكات التي دخلت مع الوقت ضمن العادات اليومية في جميع أنحاء العالم.
لقد كان الجهد البشري في مواجهة الفيروس كبيرا وجبارا أمام شراسة الوباء الذي لم يكن متسامحا ولا رؤوفا بالبشر وقد أصاب من سكان العالم الأكثر حرصا على الوقاية والأكثر تشددا في التزام الرقابة مثل رؤساء الدول والحكومات آخرهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرورا بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. مقابل هذا الجهد البشري لم يستقر الفيروس على تركيبة واحدة بل عرف ما يقارب 4 آلاف طفرة منذ بداية ظهوره وأنتج في طريقه سبع سلالات اختفى البعض منها بشكل طبيعي وآخرها التي أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني وأثارت هلعا جديدا وأنذرت بأن لا يكون عام 2021 أقل سوء من العام المنصرف لاسيما وأن المسؤول البريطاني أعلن أنها تشكل 60 بالمائة من الإصابات بالفيروس ببريطانيا حاليا الذي يتميز عن السلالات السابقة بأنه سريع الانتشار إلى أكبر عدد من الأشخاص دون أن تطلعنا البيانات والإحصاءات الأخيرة عن أنه أشد فتكا من السلالات السابقة عكس التهويل القائم في بريطانيا والذي مس العديد من الدول في العالم العربي مثل مصر والعراق والسعودية التي عادت إلى تدابير الوقاية المتشددة من جديد مثل توقيف حركة السفر جوا وبرا وبحرا وعزلها عن العالم الخارجي.
وبمقابل الخوف الذي أحدثته بريطانيا بشر العلماء بأن لا شيء يدعو للقلق من هذه السلالة الجديدة من حيث تأثيرها وخطورتها وأنها تدخل ضمن نتائج آلاف الطفرات التي تقع على الفيروس والمرشحة لتمتد إلى سبع سنوات أخرى لتصل إلى مداها الطبيعي من عدد الطفرات وإنتاج السلالات دون أن يحدث ذلك تطورا نوعيا في درجة فتك الفيروس بما يعني أن اللقاحات المحدثة لن يتجاوزها الزمن بل هي قادرة على المدى المتوسط والبعيد على التصدي للجائحة إذا ما استطاع العالم تلقيح 60 بالمائة من السكان قبل نهاية عام 2021.
وتذهب التوقعات المتفائلة إلى أن هناك ثقة كبيرة في الجهاز المناعي للإنسان الذي سيساعد على التصدي للفيروس لاسيما عندما يتدعم باللقاحات المعروضة فالتحول الجيني للفيروس بطيئ بالمقارنة من سرعة تكيف الجهاز المناعي للإنسان وأن ما أشاعه البريطانيون من خوف لا مبرر له فقد كذب البريطانيون ولو صدقوا.