أقلامالأولى

كورونا ينتشر في أسواق السياسة

بقلم: احسن خلاص

بعد أن أعلن الرئيس تبون هذا الأسبوع عن أسفه من نشر أفكار سياسية مضللة بشأن انتشار فيروس كورونا ها هو الوزير الأول عبد العزيز جراد يطلق صيحة من تندوف تحمل اتهاما عندما اعتبر أن هناك أطرافا تحرض المواطنين على التمرد على تعليمات الوقاية التي أقرتها الحكومة انطلاقا من توصيات اللجنة العليا لمتابعة تطور انتشار الفيروس. وبهذا تكون السلطة قد اقحمت كورونا في المعترك السياسي وأدخلته في جدل جديد يضاف إلى الجدل الذي أثارته التعديلات الدستورية.

 

منذ بداية انتشار الفيروس في الجزائر حرصت السلطة على أن تبعد ملف الوباء عن التجاذبات السياسية وبثت للرأي العام المحلي خطابا تبين فيه أن السياسة المتبعة لتسيير الوضعية الصحية الوبائية إنما هي من صنع الخبراء وأظهرت عبر زيارة الرئيس تبون والوزير الأول إلى السلك الطبي والرسائل التي كان يبعثها أن القرارات الصادرة من الحكومة والتدابير الوقائية والمتعلقة بالحجر على تذبذبها هي من اقتراحات اللجنة العليا المنصبة بوزارة الصحة. ولأن المسألة ذات صلة بالأمن الصحي الذي هو جزء من الأمن الوطني فقد كان للمجلس الأعلى للأمن دور في رسم التوجهات الكبرى لسياسة الوقاية من انتشار الفيروس واتخاذ القرارات السيادية كغلق الحدود البرية والجوية والبحرية أمام نقل الأفراد أو غلق المدارس والمساجد وقد جاء قرار الهيئة الأمنية مخالفا لما ذهبت إليه هيئة الفتوى التابعة لوزارة الشؤون الدينية وفضلت السلطة الاستماع إلى رأي خبراء الصحة.

 

ولأن ملاحظات الخبراء وتوصياتهم لا ينبغي أن تخضع لتقلبات السياسة ولا أن تصدر تحت الطلب فقد وقع الإجماع بين الأطباء على ضرورة اتخاذ نهج صارم لكبح جماح الفيروس وإيقاف حركية المجتمع مؤقتا حتى يزول الوباء. وكان للمحامي مصطفى بوشاشي وهو أحد رموز الحراك أن نبه إلى ضرورة الامتثال إلى التدابير الوقائية مهما كان مصدرها الطبي، أي حتى وإن صدرت عن وزارة الصحة، كممثل للدولة.

 

من تكون هذه الأطراف السياسية التي تريد الخوض في تسييس كورونا ومحاولة الاستثمار فيه لخلق الفوضى وبث التشويش في أوساط المواطنين من خلال نشر مزاعم بأن السلطة تستغل امتداد الفيروس في المكان والزمان لبسط سيطرتها على المجتمع ووضع حد للحراك الذي يعد بالعودة إلى الشوارع بمجرد ذهاب الوباء. لا أحد يمكن الإشارة بالأصبع لهذا الطرف أو ذاك ما لم تعلن السلطة عن هذه الأطراف وأبقت على الإبهام في تحديدها وهو ما اعتبر صيحة تحذير استباقية من مغبة إقحام كورونا في الصراع السياسي.

 

وبغض النظر عن الوضعية الاستثنائية التي تمر بها الجزائر وهي تتأهب للمصادقة على تعديلات دستورية هامة تمهد لعملية تجديد المؤسسات المنتخبة فإن التعامل مع الوباء عملية تسيير حكومي تخضع للخطأ والصواب ويمكن أن تكون محل نقد سياسي من قبل المعارضة كما يحدث في الكثير من البلدان التي عجزت فيها الحكومات عن احتواء الوباء، ففي الولايات المتحدة الأمريكية ستخضع سياسة دونالد ترامب للمساءلة خلال الحملة الانتخابية للرئاسيات المنتظرة في نوفمبر القادم وفي فرنسا عبرت المعارضة عن تحفظها من سياسة ماكرون حيال الجائحة فلماذا نبعد تسيير الحكومة للأزمة الصحية عن النقاش السياسي ونتهم من يخوض فيه بالتمرد وخلق الفوضى لوضع السلطة في حرج بمناسبة عرض التعديلات الدستورية على الاستفتاء؟

 

ويبدو أن الطبقة السياسة مجمعة على ترك أمر الوقاية من الوباء للأطباء على اختلاف مشاربهم ومواقفهم السياسية فالأمر يتعلق بالأمن القومي وليس شأنا سياسيا فما عدا الموقف الذي عبر عنه رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله حيال غلق المساجد وتعليق صلاة الجماعة فإن أهم انتقاد للسلطة في فترة  الحجر الصحي كان منصبا على ما تسميه المعارضة اغتناما الوضع الاستثنائي لتكثيف اعتقال نشطاء الحراك.

 

وتأتي اتهامات السلطة لأطراف سياسية باستغلال الوباء لخلق البلبلة في خضم تزايد رهيب لعدد الإصابات بالفيروس بعد إجراءات التخفيف التي اتخذتها الحكومة منذ بداية الشهر الماضي وتعديل أوقات الحجر أو إلغائها في عدة ولايات وفتح المحلات المغلقة لأشهر تفاديا لانفجار اجتماعي لا يمكن احتواءه إذا ما استمرت وضعية العائلات التي تقتات من الاقتصاد الموازي في العوز وإذا ما بقي صغار التجار وأصحاب الحرف على تلك الحال. وتوجد الحكومة اليوم في وضعية لا تحسد عليها لا يمكن الخروج منها إلا بتوفر حنكة سياسية وقدرة هائلة على الاتصال الحكومي وهو ما لا يتوفر بالقدر الكافي حاليا أمام تذبذب الخطاب وتغيير القرارات والذهاب إلى رمي الكرة في مرمى أطراف لم تحددها للرأي العام بوضوح.

 

ويبقى التساؤل مطروحا: هل يجوز أخلاقيا أن نضع حياة المواطنين في مزاد السياسة؟ أليست الأرقام الجديدة المرعبة هي التي أعادت الجدل إلى الساحة لتصبح أداة ضغط على السلطة التشويش على أجنداتها السياسية بينما يبقى المواطن تائها وسط جدل لا ناقة له فيه ولا جمل؟

 

إن أفضل شيء يتمناه المواطن البسيط هو أن يأمن على عيشه وصحته وحياته وأن تكف السياسة عن حشر أنفها في قضية تعتبر اليوم قضية حياة أو موت.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى