أقلام

الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية (إيناس): كيف أصبح المدنيون أدوات الحرب الإسرائيلية الجديدة؟

مبادرة "قوتنا بوحدتنا" الحروب الجديدة قراءات متقاطعة التقرير العلمي للحلقة النقاشية الأولى

نظمت الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية (إيناس) في 25 أكتوبر 2024 أولى جلسات سلسلة النقاشات الدولية تحت عنوان “الحروب الجديدة قراءات متقاطعة”. انطلقت الحلقة النقاشية الأولى بسؤال محوري كيف أصبح المدنيون أدوات الحروب الإسرائيلية الجديدة؟” بمشاركة واسعة لنخبة من الباحثينات من العالم العربي، وذلك ضمن إطار مبادرة “قوتنا بوحدتنا”، التي أطلقتها الشبكة لتعزيز التضامن الأكاديمي والمعرفي والإنساني تجاه حرب الإبادة التي يشنها الكيان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان والمنطقة العربية.

افتتحت الدكتورة ماريز يونس، رئيسة الشبكة ومؤسسة مبادرة “قوتنا بوحدتنا”، الحلقة النقاشية الأولى بكلمة تناولت فيها الأهداف والرسالة الأكاديمية والمعرفية والإنسانية للمبادرة. شددت يونس على أن المبادرة تمثل استجابة للمسؤولية المعرفية تجاه العدوان الاسرائيلي الشامل الذي يتعرض له العالم العربي، معتبرة أنها حربا وجودية تهدد كافة مكونات الهوية الثقافية العربية. وأكدت أن دور الأكاديميين أساسي في مواجهة هذه الحرب، لافتة إلى أهمية تجاوز الخطاب الاستهلاكي التقليدي نحو خطاب نقدي معرفي قادر على فهم الجذور والمسببات التاريخية والاجتماعية لهذا العدوان الإسرائيلي غير المسبوق وتأثيراته العميقة على المجتمعات العربية خاصة والانسانية عامة.

أدار الحلقة النقاشية الدكتور عبد الحميد عبيدي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة قرطاج من تونس، الذي قدم الباحثينات المشاركينات، وأشار إلى أن السياق المستجد الذي تعيشه المنطقة العربية، والذي تندرج ضمنه هذه الحلقة النقاشية الأولى، يطرح ضرورة تبني التحليل المعرفي النقدي لتصاعد العنف الإسرائيلي في فلسطين ولبنان، والذي يُعد امتدادًا لمسار طويل من الاستعمار الاستيطاني. وأوضح عبيدي أن الهجمات الأخيرة لم تقتصر على عمليات القصف العشوائي فحسب، بل شملت أيضا تهجيرًا قسريًا لأكثر من مليون شخص من سكان الجنوب اللبناني إلى الشمال، الذين يعيشون اليوم في ظروف مأساوية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. وأكد أن استخدام إسرائيل لأدوات تكنولوجية متطورة، أسهم في زيادة أعداد الضحايا وتدمير البنية التحتية، معتبرا أن الصمت الدولي إزاء هذه الإبادة المستمرة بما في ذلك تقاعس المجتمع الدولي والحكومات العربية المجاورة، يزيد الوضع تعقيدًا ويُظهر تراجع دور هذه الجهات في إيجاد حل إنساني فاعل. واستعرض عبيدي مسؤولية الجماعة العلمية في هذا السياق، مؤكدًا أن على الباحثينات العرب دورًا أساسيًا في توثيق هذه الجرائم والمساهمة في بناء خطاب معرفي نقدي يحفز على تحمل المسؤولية الأخلاقية والمهنية والمعرفية أمام هذا الوضع التاريخي الدقيق الذي تشهده المنطقة العربية.

المداخلة الأولى كانت للدكتورة ماريز يونس رئيسة الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية من لبنان بعنوان “كيف نفهم لبنان اليوم؟”. تناولت فيها التركيبة الطائفية السياسية المعقدة، التي أصبحت لاحقا معوقا رئيسيًا أمام بناء دولة مدنية حديثة وفعالة. بالمقابل، وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يظهر الشعب اللبناني مشهدا مشرقا من التضامن والتآزر يتجلى بوضوح في فترات الحروب الكبرى، ما يبين قدرة اللبنانيين على تجاوز ولاءاتهم الطائفية واصطفافاتهم السياسية من أجل مواجهة التحديات الإنسانية. واختتمت بتساؤل حول التحديات المطروحة اليوم أمام المجتمع اللبناني لتحويل هذا التضامن العابر للطوائف إلى مشروع وطني دائم، قادر على إعادة بناء الدولة على أسس من المواطنة الحقيقية والعدالة الاجتماعية.

المداخلة الثانية للدكتور عبد اللطيف الحناشي، أستاذ تعليم عال في التاريخ المعاصر في جامعة منوبة من تونس بعنوان “العنف الصهيوني طارئ أم متأصل في المشروع الصهيوني؟” طرح الحناشي مسالة أصول العنف لدى الحركة الصهيونية كمدخل لفهم تنامي منسوب الاعتداء الإسرائيلي منذ ۱۹۴۸ . وقد بين المحاضر أن العنف هو معطى تأسيسي الدولة إسرائيل انطلاقا من نصوص عدد من منظريها سواءا في الحقل الديني أو في الحقل السياسي. ومن هذا المنطلق لا يمكن للحركة الصهيونية المسيطرة على دولة إسرائيل أن تواصل وجودها إلا عبر الممارسة الدائمة للعنف قصد القضاء النهائي على كل من يشكل خطرا على وجودها. كما أشار الدكتور الحناشي إلى أن هذا التأصيل للعنف يحول دون بناء سلم مع الكيان الصهيوني الذي يعمل على إفشال أي حلول سلمية مثل اتفاق أوسلو.

المداخلة الثالثة قدمتها الدكتورة سناء الشامي، مسؤولة علاقات التعاون الدولي الاقتصادي الثقافي في جمعية البندقية – الصداقة الإيطالية العربية من إيطاليا بعنوان “علاج الجذور”. موضحة أن مبادرة “قوتنا بوحدتنا ليست مجرد شعار بل رسالة توجه أساسا إلى الداخل قبل الخارج، وتحث على تفعيل الإتحاد كقوة معرفية حقيقية للتغيير في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتكرر على المنطقة العربية. فهذه الرسالة تحمل في طياتها نداءً لليقظة والتحرك نحو الداخل، إذ يجب أن نعيد بناء قوتنا من خلال التماسك الداخلي قبل الاعتماد على الدعم الخارجي، الذي أثبت عبر التاريخ أنه يسعى غالبًا لتحقيق مصالحه على حساب وحدتنا. لذا فإن هذا الشعار يحمل في عمقه رسالة نقدية تطالب بالتحرر من التبعية للسياسات الخارجية التي تستغل هشاشة النظام الطائفي. فالتاريخ يثبت بحسب الشامي أن الاعتماد على الآخرين دون بنية وطنية قوية يديم التفكك، مشددة على أهمية فهم الجذور الاستعمارية للحروب الحديثة التي ساهمت في تقسيم المنطقة جغرافيا وسياسيًا منذ القرن العشرين، ما جعل النزاعات السياسية والطائفية متأصلة في بنية المنطقة العربية.

المداخلة الرابعة قدمها الدكتور يسري أبو شادي، خبير في الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مصر بعنوان التكنولوجيا النووية وتأثيرها على المدنيين في حروب الشرق الأوسط”. استعرض أبو شادي الدور المتزايد للتكنولوجيا النووية في النزاعات المعاصرة، وأشار إلى أن إسرائيل تمتلك هذه التكنولوجيا بشكل يعزز قدراتها التدميرية، وأوضح كيف يؤثر ذلك على المدنيين من خلال الاستخدام المباشر أو التهديد الضمني وركز أبو شادي على ضرورة التفرقة بين الاستعمالات العديدة للتكنولوجيا النووية. فقد بين أن استعمالاتها السلمية والنافعة للمجتمع هي أكثر عددا ووظيفة من الاستعمال العسكري لها. في نفس الوقت عرج على ذكر الدول التي حاولت أن تمتلك هذه التكنولوجيا وهي العراق أولا لكن وقع إجهاض المشروع ثم إيران التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا الاتجاه، لكنه يعتبر أن الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط حاليا التي تمتلك هذه التكنولوجيا هي دولة إسرائيل. كما أشار إلى أن إسرائيل استعملت بالضرورة صواريخ ذات رؤوس نووية في قصف مناطق من لبنان وإلا ما كنا لنرى هذه الدرجة من الدمار.

المداخلة الخامسة للدكتور جيلالي المستاري، باحث في مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية الكراسك من الجزائر بعنوان من الطائفة إلى المجتمع أسئلة حول الفرص في زمن الحرب” سعى خلالها إلى طرح تساؤلات أساسية حول الحروب الإسرائيلية الأخيرة على غزة ولبنان، موضحا أنها لا تستهدف فقط إبادة الإنسان والمكان بحسب البروفسور ساري حنفي ، بل تمهد خاصة في السياق اللبناني والفلسطيني، لنزاعات طائفية تسهم في تفكيك الدول الوطنية الهشة وتحقيق استراتيجيات بناء كيانات جديدة على أسس طائفية وإثنية. وطرح سؤالا مركزيا حول إمكانية تجاوز النزعات الطائفية في ظل الحروب الإسرائيلية المتكررة، وايجاد فرص بروز بذور لوحدة وطنية تقوم على “عقد اجتماعي جديد”، ينطلق من صمود المواطنين اللبنانيين وتضامنهم الفطري والواعي في مواجهة الضربات الإسرائيلية والتشريد الجماعي. وفي إطار المقارنة، تطرق إلى التجربة العراقية بعد العدوان الأمريكي، حيث تفاقمت النزعات الطائفية، مقابل التجربة الجزائرية التي وحدت صفوفها خلال الاستعمار الفرنسي في سبيل الاستقلال. واختتم بالإشارة إلى أن تراكم تجارب لبنان، من الاستعمار إلى الحروب والنزعات الطائفية، قد يُمكنه اليوم من بناء مسار وحدوي ومواطنية جامعة تعزز التضامن الوطني بعيدًا عن الطائفية.

اختتمت الحلقة النقاشية بمناقشات ثرية حول الأدوات النظرية والتطبيقية المطلوبة لفهم الحروب الإسرائيلية الجديدة، حيث شدد المشاركون على أهمية بناء معرفة نقدية جديدة تتجاوز المفاهيم التقليدية، والعمل على إنتاج مقاربات تؤسس لإطار معرفي شامل لفهم التحديات التي تفرضها الحروب المعاصرة على المنطقة العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى