
في هذا المقال نسلط الضوء على أحد معلمي القرآن الكريم، وأحد شيوخ العلم بمِنْطَقَة الجلفة خلال القرن 19م، ألا وهو الشَّيخ سي آدم، ولعله من أوائل المعلمين وأشهرهم بمنطقة الجلفة، ومن الشخصيات العلمية والدينية التي عمّرت طويلا في بلاد أولاد نايل حيث بلغ عمره القرن، بذل فيها جهود مضنية خدمة للعِلْم والدين واللغة، فكان معلما بارعا، ورجلا فاضلا، وشيخا صالحا، كرَّس حياته في تحفيظ القرآن الكريم لأهله ولقومه، وقد تخرَّج على يده العشرات من طلبة القرآن الكريم، وقد وَرَدَ ذكره في كتاب: (أعلام الإصلاح في الجزائر، الجزء الأول)، لمؤلفه الأستاذ محمد علي دَبّوز، وجاء ذِكر اسم الشَّيخ آدم عند الحديث عن النشأة العلمية والدينية لعائلة الشَّيخ الإمام إبراهيم بيوض، أحد علماء الإصلاح في الجزائر.
المعروف والمشهور في الرواية الشعبية المتداولة بالجلفة عن الشيخ آدم، وما نقلته بعض المراجع المحلية بعد ذلك، أن الشَّيخ سي آدم قد قرأ عنه الشَّيخ الإمام إبراهيم بيوض نفسه، على الرغم أن الفارق السَّني الكبير بين الشَّيخين الذي يمنع تتلْمُذ الإمام إبراهيم للشيخ آدم، إلا أننا بعد بحثنا وتقصينا، تأكدنا لنا فعلا أنه قد تتلْمذَ أحد أفراد العائلة العلمية البيوضية، وهي من العائلات الدينية العريقة بواد مزاب بالجنوب الجزائري، على يد الشيخ سي آدم في كُتّاب الشَّيخ سي آدم بالجلفة في نهاية القرن التاسع عشر.
وما نؤكده في هذا البحث أن الذي دَرَسَ على يد الشَّيخ سي آدم، هو والد الإمام بيُّوض ( وهو الشَّيخ عمر)، وليس الشَّيخ إبراهيم نفسُه، فضلا عن العشرات من العائلات المزابية التي كانت تحرص على التحاق أولادها بكُتَّاب الشَّيخ بالجلفة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلادي.
أولا/- ترجمة للمعلم القرآني الشَّيخ آدم
هو الشَّيخ آدم بن أحمد بن الطيب الدلماجي (1222- 1343هــ )، (1807-1922م)، ولد بزاغر الشرقي ضواحي الصدارة بحاسي بحبح، لقبه العائلي حاليا بلعدل، وقيل أن لقب بكّاي، أصله من أولاد شيبوط فرع لأولاد نايل، ارتحل في سن مبكرة إلى الزاوية المختارية بأولاد جلال وبها حفظ القرآن الكريم، حيث لازم شيخها المختار، ونال عنه فنونا لغوية وشرعية، التحق بالزاوية النعاسية بمدينة دار الشيوخ، حيث مؤسسها الشَّيخ النعاس عبد الرحمان بن سليمان المتوفى 1907م، الذي فرح به وقرّبه منه وجعل له عنده منزلة كريمة، وأذن له بالتَّدريس والتعليم القرآني بزاويته المذكورة، فبقى بها لفترة طويلة، وقد واصل رسالة التربية والتعليم إلى أن توفاه الله سنة 1343هــ/1922م، ودفن رحمه الله في جوار الزاوية النعاسية.
وعن مكانة الشيخ آدم الدينية بمِنْطَقَة الجلفة وعن تصدره لتعليم القرآن الكريم، ننقل ما كتبه الأستاذ الباحث سعيد هرماس في ترجمته حيث يقول : (… والشَّيخ سي آدم صوفي، رحماني الطريقة، عالي الكعب في العلم والأدب، صاحب اطلاع واسع على الفقه المالكي، كان الأفراد فيه آنذاك بمِنْطَقَة الجلفة، يحفظ الأشعار والأنساب، وترك قصائد ورسائل علمية، عاش طوال حياته دينا صينا عفيفا، وقد تخرّجت على يديه الكثير من الطلبة كانوا على قدر كبير من العلم الشرعي).
كما ذكر الأستاذ بن سالم المسعود موقف سلطات المحتل الفرنسي ضد الشَّيخ سي آدم بموجب تقرير صدر سنة 1869م، وقد ورد فيه: “القاضي سي آدم المعروف باسم “سي يادم” والمتوفى سنة 1922 … يُعتبر أول معلم للقرآن ببلدية الجلفة بأول زاوية والتي أسسها صديقه الحميم الخليفة سي الشريف بلحرش وهو أيضا صهره لأن “شهرة بنت سي الشريف بلحرش” تزوجها سي آدم. كما أنه صديق حميم للشيخ عبد الرحمان النعاس صاحب أول مصلى داخل أسوار الجلفة وهو أيضا صديق حميم للباشاغا سي بلقاسم بلحرش مؤسس أول مسجد ببلدية الجلفة وهو ما يفسر القول بأن سي آدم هو أول إمام لمسجد سي بلقاسم. بين أيدينا تقرير فرنسي في سنة 1869م ضد الشيخ سي آدم، قاضي مقاطعة زاغز الغربي، وفيه ورد: ” القاضي سي آدم لا ينصاع للأوامر الشفهية والكتابية الموجهة له منذ 03 سنوات فهو لا يقيم بمقاطعته بل في برج الجلفة مع زوجته شقيقة الباشاغا سي بلقاسم … لقد تم تنبيه المجلس الفصلي للمحكمة الإسلامية بشأن سي آدم وأنه لا يطيع الأوامر … وقد اقترحنا عزله في تقرير آفريل 1867م ولكن ذلك لم يُنفّذ … إنه متشدد جدا وهو يتجنب التواصل مع كل من هو ليس مسلما …”.
ثانيا/- ثبت دراسة الشَّيخ عمر بيوض عند الشَّيخ آدم
اعتمدتُ في ترجمة المعلم القرآني الشيخ سي آدم على ما كتبه الأستاذ الباحث سعيد هرماس في كتابه القيّم: ” من فضلاء منطقة الجلفة من1861 إلى مطلع القرن الحادي والعشرون ” والذي عرفَّنا على الكثير من العلماء والمشايخ، ونفض الغبار على العديد من الشخصيات المنسية في مِنْطَقَة الجلفة، وقد ذكر الباحث في ترجمته أنَّ الشَّيخ آدم دَرَسَ عنده الإمام إبراهيم بيُّوض نفسه، وكان عمر الشَّيخ آدم وقتئذ قد ناهز السبعين سنة، كما ذكر أنه لم يقف على تاريخ ميلاده الصحيح، ورجحه بأن يكون في العقد الرابع من القرن التاسع عشر.
وقد علّق الباحث سعيد في هامش كتابه: ( بأن الأستاذ الباحث بلعدل أحمد بن محمد، قد ذكر هو الآخر في كتابه المخطوط: (التحفة العاجية في تاريخ الدلامجية)، بأن الشَّيخ آدم عندما درس عنده الشَّيخ إبراهيم بيوض قد ناهز السبعين سنة، وأنَّ تاريخ ميلاده حسب رواية الشَّيخ بن مشيه لخضر بن النذير كانت سنة 1807م، وهو ما جعل الباحث سعيد يرفض ضمنيا سنة 1807م كتاريخ ميلاد للشَّيخ سي آدم، ( وهو محق في طرحه ومناقشته للرواية)، بحكم أنَّ (كما هو متداول) الشَّيخ إبراهيم بيُّوض (المولود سنة 1889م)، عند التحاقه بكُتّاب الشَّيخ آدم كان عمره ست سنوات، أي أنّه التحق بكتاب المعلم القرآني سنة 1905م، وفي هذه- أي 1905م- يكون الشَّيخ آدم قد جاوز القرن، ومن ثمَّ فهو أمر مستبعد وترفضه طبيعة التَّدريس القرآني كما قال الباحث.
وقد عثرنا على ذِكر طيب وحسَن للمعلم الشيخ آدم في مصدر تاريخي مهم، وهو كتاب أعلام الإصلاح في الجزائر، لصاحبه الأستاذ محمد علي دَبّوز، ومن خلال ما جاء في الكتاب يمكننا القول بأنَّ الاختلاف ليس في تاريخ ميلاد الشَّيخ آدم التي ذكرها الشَّيخ بن مشيه لخضر بن النذير، والتي اعتمد عليها بعض الباحثين، بل الاختلاف في مَنْ دَرَسَ عند الشَّيخ آدم، هل هو الإمام إبراهيم بيوض نفسه كما متداول، أم والده ( الشَّيخ عمر)، والحقيقة التاريخية والثابتة في مصدر الأستاذ محمد علي دَبّوز تقول أن والد الشَّيخ إبراهيم بيوض- الشَّيخ عمر- (المولود سنة 1868م، والمُتَوفَّى سنة 1921م)، هو من دَرَسَ على يد الشَّيخ آدم بالجلفة بداية من سنة 1874م إلى 1875م، وبذلك يكون الشَّيخ آدم قد بلغ السبعين سنة فعلا، حين التحق به تلميذه ” الشَّيخ عمر بيوض” وعمره قد تجاوز ست سنوات فعلا.
ونذكر هنا؛ بأن رواية الشَّيخ بن مشيه لخضر بن النذير التي تؤكد بأن ميلاد الشَّيخ آدم كان سنة 1807م، قد نقلها الأستاذ الشًّيخ علي بن عبد الله نعاس في كتابه: تنبيه الأحفاد بمناقب الأجداد، كما ذكر تاريخ وفاته سنة 1922م.
واستنادا إلى ما وَرَدَ؛ فإن الشَّيخ سي آدم قد عاش نحو 115عاما، في تحفيظ القرآن الكريم لفترة زمنية طويلة، رحم الله الشَّيخ آدم المربي الكبير الذي جاهد بعلمه وقلمه ولسانه، في زمن منعت فيه السلطة الاستعمارية الفرنسية تعاليم الدين الإسلامي بين الجزائريين، وضيّقت على التَّعليم العربي، وحاصرت معلمي الحرف العربي، ووضعتهم تحت رقابتها الدائمة.
ثالثا/- كُتّاب الشَّيخ آدم بالجلفة من خلال كتاب أعلام الإصلاح في الجزائر.
لقد تتلمذ العديد من المشايخ من خارج مِنْطَقَة الجلفة على أيدي علماء ومشايخ أولاد نايل سواء بمسعد أو بالجلفة، ومن بين الشيوخ الذين كان لعُلماء الجلفة ومسعد فضل ودور في تعليم علوم القرآن الكريم وتعليم اللّسان العربيّ في فترة الاحتلال الفرنسي، نجد بعض مشايخ مزاب، نذكر منهم عائلة الحاج إبراهيم الإبريكي، وعائلة الشَّيخ إبراهيم بيُّوض بن عمر بن بابة، هذا الأخير دَرَسَ والده عمر ( المولود سنة 1868م، والمُتَوفَّى سنة 1921م)، في كُتّاب أحد شيوخ القرآن بالجلفة وهو الشَّيخ آدم، حيث لما بلغ ست سنوات انتقل والده بابة (المُتَوفَّى في أكتوبر1884م)، من القرارة إلى الجلفة، حيث كان تاجرا، أدخل ابنه عمر إلى كتّاب الشَّيخ آدم (بداية من 1874م)، وحفظ على يده القرآن الكريم وأخذ عنه العلم، وترك فيه الأثر الطيب، كما تعلمت هذه العائلات من أولاد نايل فصاحة اللِّسان العربيّ، وتعرّفت على الثقافة الشعبية الغنية بالمِنْطَقَة ، كما تعلّموا الشجاعة والفروسية التي اشتهرت بها القبيلة، وإلى جانب هذا؛ فقد عُرف عن أولاد نايل حُسن المعاشرة مع جيرانهم، وعن هذا كله؛ يصف الأستاذ محمد علي دَبّوز في معرض حديثه عن والد وجَدّ الشَّيخ إبراهيم بيُّوض، مُثنيا على الجانب العلمي والديني لمشايخ الجلفة بقوله: ( وكان في مدينة الجلفة كُتّاب لتحفيظ القرآن والتربية الدينية يُعلّم فيه معلَّم صالح حازم مُربى يسمى الشَّيخ آدم، وكان كثير من الميزابيين التجار في الجلفة قد أدخلوا أولادهم في كُتَّابه، فحفظوا القرآن وظهرت فيهم للشيخ آدم أحسن الآثار، ولعلّ الشَّيخ الحاج إبراهيم الإبريكي ممن حفظ القرآن في هذا الكتّاب، فاختار السيد بابة لابنه عمر أن يأخذ قسطه من هذا الكتاب الذي لا يوجد مثله في سور الغزلان، وأن يقيم عند أحد أصدقائه في الجلفة من سراة ميزاب يزيد في تربيته، ولعل هذا السيد عيسى بن بابة والد الشَّيخ الحاج إبراهيم الإبريكي رحمهما الله، فأقام في الجلفة مدة فحفظ أجزاء من القرآن الكريم، وتعلّم خط الشَّيخ آدم الجميل وزاد في تربيته، ودربه على القراءة الصحيحة الفصيحة، وأذاقه حلاوة العلم وترك فيه أحسن الآثار، وطبعته الجلفة بطابعها الجميل، وكان أغلب سكان الجلفة من قبائل أولاد نائل، وهم قوم كرام فرسان فصحاء، مشهورون بحسن العشرة ومحاسن البادية، وصداقتهم لميزاب سيما للقرارة متينة في كل عهودهم، وكانت فيهم طلاقة في اللِّسان، وعربيتهم أقرب إلى الفصحى، فاختلط عمر في متجر صاحب مثواه وفى كتابه، فتعلّم لهجتهم وأخذ فصاحتهم وحفظ من أشعارهم الجميلة وأغانيهم المطربة، وأحاجيهم وأمثلتهم الحكيمة شيئا كثيرًا، وانعشت فيه بيئة الجلفة الفصيحة وراثة الفصاحة من أبويه فنشأ فصيح اللِّسان عذب الحديث، كما زادت الجلفة ببردها الشديد وثلوجها المتراكمة في الشتاء في جَلَدِهِ وأيدت كل أخلاق الرجولة فيه، وأثرت فيه بجوها الصحي وهوائها النقي فنشأ على الصحة والفراهة والنشاط ).
رابعا/- الجانب التجاري بين عائلة بيُّوض وأولاد نايل من خلال مؤلف الأستاذ دبّوز
وقد ذكر الشَّيخ بيُّوض وهو يتحدث للأستاذ محمد علي دَبّوز، صاحب كتاب: (أعلام الإصلاح في الجزائر، بعض الأخبار والتفاصيل المتعلقة بالجانب التجاري بين مزاب وأولاد نايل، وبخاصة عائلة بيوض، والتي ربطت علاقة وطيدة مع جيرانهم أولاد نايل؛ فيذكر الشَّيخ بيُّوض في معرض حديثه، بأن القراريون سيما والده وأجداده يحترفون الحرث مع أصدقاءهم عرب أولاد نايل، التي كانت تحل قرب القرارة، أين يشتركون في حرث الأراضي حول زقرير غرب القرارة أو الأراضي الزراعية في شرقها، ومما قاله الشَّيخ بيُّوض: (… والعمل الثاني لوالدي وأجدادي هو الحرث في البادية مع الأعراب، أن كل واحد له صديق أو أصدقاء من القبائل البدوية التي تحل قريبا من القرارة، وأغلب هؤلاء من أولاد نائل، فيشترك معهم في حرث الأراضي التي توجد حول زقرير في غرب القرارة، أو الأراضي الكثيرة الصالحة للحرث في شرقها، وتبعد هذه الأراضي عن القرارة بمائة كيلو ميترا وأقل، فالبادية التي بين مدينة القرارة وقطارة، وبينها وبين مدينة مسعد والجلفة تشتمل على أراضي صالحة للزراعة، فإذا أمطرت وسالت أودينها فرويت هب أصحابها لزراعتها بالقمح والشعير…).
ثم واصل الشَّيخ بيُّوض حديثه عن تجارة والديه مع أولاد نايل فيقول: ( وحرفة أبي وأجدادي الأخرى هي التجارة، وكان أغلب التجارة في ذلك العهد بالمقايضة مع يتبادلون السلع، لا بالدراهم، وكانت تجارة القرارة في تلك العهد مع الشمالية القريبة منها مسعد، والجلفة وبوسعادة، يحملون إليها منتوجات القرارة التمر والمنسوجات الصوفية، البرانس والقشاشب والجبب، وملاحف النساء الحمراء والصفراء، ومناديل الطعام، والأغطية للنوم، ويجلبون من كل بلد بضاعته، وكانوا يجلبون من بوسعادة زيت الزيتون وأعمدة البناء، إن مدينة بوسعادة هي باب الصحراء، والسوق الكبيرة في الجنوب الشرقي في الجزائر)
– للمقال مصادر ومراجع.
بقلم الأستاذ: الأخضر عالب