أقلام

لعنة النبي التي تلاحق ماكرون

 الأستاذ الدكتور عبد الله ثاني قدور
أستاذ سيميولوجيا الاتصال قسم علوم الإعلام والاتصال
ومدير مخبر الاتصال الجماهيري وسيميولوجيا الأنظمة البصرية
ومدير مجلة الصورة والاتصال (جامعة وهران1 أحمد بن بلة)

 

 

توالت الصفعات على وجه ماكرون منذ انتخابه رئيسا لفرنسا، وكثرة الانتكاسات الداخلية والخارجية، جعلته يتصرف بحماقات مكشوفة ضد الأصدقاء والأعداء،مما أدى إلى الاضطرابات في العلاقات مع الحلفاء وأزمات داخلية متفاقمة عنوانها الأبرز الاقتصاد، وأخطر الصفعة في نظرنا هي لعنة النبي محمد صلى عليه وسلم التي تلاحق ماكرون في عهدته الرئاسية،من خلال تصريحاته الشهيرة بشأن أن “الإسلام دين يواجه أزمة” وتقديم حكومته مشروع قانون لمحاربة ما وصفه بـ”الانعزالية الإسلامية”، والتي أثارت انتقادات عنيفة داخل وخارج فرنسا، مع إصراره على أن الرسوم المسيئة لنبي الإسلام تقع في إطار حرية التعبير، وكل ذلك نتيجة لإحيائه ماضي فرنسا الاستعماري من جديد ،إنه متشوق للماضي الاستعماري القذر، والمجازر الظالمة القاسية بحق بلاد الاسلامية، من مذابح، وتعذيب، ونهب لممتلكاتها جهارا نهارا، واضطر لاحقاً للاعتذار تحت ضغط الحملة الشعبية في العالمين العربي والإسلامي لمقاطعة البضائع الفرنسية.

والجزاء من جنس العمل، فجاء من ينتج صورة كاريكاتيرية لماكرون في ملصق دعائي يشبهه بالزعيم النازي أدولف هتلر، مما دفع الرئيس الفرنسي في غضب هيستيري إلى تقديم شكوى ضد أحد سكان إقليم (فار) جنوبي البلاد وقد انتشرت لوحات إعلانية تحمل هذا الملصق في إقليم فار كالنار في الهشيم، بسبب فرض ماكرون شهادات صحية لدخول الأماكن العامة ضمن إجراءات مكافحة فيروس كورونا. وتعجّب صاحب لوحات الإعلانات ميشيل فلوري من قرار مقاضاته ورأى أن إيمانويل ماكرون يناقض نفسه، ففي الوقت الذي يسمح فيه بنشر صور مسيئة إلى النبي محمد بزعم حرية التعبير يرفض تشبيهه بالدكتاتور.

وكل هذه الصفعات المتتالية. وخاصة الصفعة المهينة التي لن ينساها ماكرون، والتي تعرض لها في 8 يونيو الماضي على يد أحد المحتجين الغاضبين من سياساته الاقتصادية، خلال “جولة شعبية” له ضمن حملاته الانتخابية المبكرة، في تجمع لمواطنين خارج مدرسة في منطقة دروم جنوب شرق فرنسا، حيث هتف المواطن الفرنسي: “تسقط الماكرونية” ثم وجّه إلى ماكرون صفعة على وجهه أثارت جدلاً واسعاً داخلياً وخارجياً.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتلقى فيها الرئيس الحالي لفرنسا إيمانويل ماكرون صفعة، فقبلها بعامين تلقى الرجل صفعة من نوع آخر خربت عليه أناقته وجعلت مرافقيه ينفرون منه واضطرته إلى الانسحاب، بعد أن أصابه مُزارع ببيضة في رأسه ألقاها عليه أثناء تجوله بمعرض الزراعة السنوي في باريس عام 2018.

 

السترات الصفراء

 

وتلقى ماكرون صفعة أخرى، ولكنها جاءت من مئات ألاف من الفرنسيين ارتدوا السترات الصفراء عام 2018 ليعلنوا احتجاجهم على سياسات ماكرون التي تأثرت بها الطبقات العريضة من الشعب، لصالح شريحة صغيرة من الفرنسيين الأغنياء. لن ينسى الفرنسيون يوم 17 نوفمبر 2018، الذي أظهروا فيه غضبهم من ماكرون وسياساته، مما دفعه لقمعهم بشدة ليسقط مئات الجرحى في ذلك اليوم المشؤوم.

 وأول ما خرجت حركة السترات الصفراء في البداية للتنديد بارتفاع أسعار الوقود  وارتفاع تكاليف المعيشة، ثم امتدت مطالِبها لتشملَ إسقاط الإصلاحات الضريبية التي سنّتها الحُكومة، والتي ترى الحركة أنّها تستنزفُ الطبقة العاملة والمتوسطة فيما تُقوّي الطبقة الغنيّة. دعت الحركة منذُ البِداية إلى تخفيض قيمةِ الضرائب على الوقود، ورفع الحد الأدنى للأجور، ثم تطوّرت الأمور فيما بعد لتصل إلى حدّ المناداة باستقالة ماكرون لكنها أطاحت بالعديد من وزرائه، ولم يوقف احتجاجات السترات الصفراء الجامحة إلا جائحة كورونا التي عمّقت الأزمة الاقتصادية ،ومعها غضب الفرنسيين من ماكرون.

وصفعة أخرى بسوء إدارته لأزمة كورونا، مما أدى الى تعرضه لسيل من الانتقادات الشعبية ومن خصومه بسبب نتائج سوء إدارته لملف كورونا. وأثار ماكرون غضباً داخلياً واسعاً في أبريل الماضي بعد فرضه إجراءات العزل العام للمرة الثالثة، بعد أن أصر لأسابيع على استمرار فتح البلاد مخالفاً نصائح العلماء، مما حوله إلى هدف لسهام النقد من خصومه الذين يضعون انتخابات العام المقبل نصب أعينهم. حيث علقت حينها مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، على قرارات الرئيس حول الغلق الشامل، بأنها “ووترلو” بالنسبة لماكرون، وهو تعبير يستخدمه الفرنسيون للإشارة إلى الهزيمة القاضية ومستوحى من المعركة التي هُزم فيها نابليون وقضت على أسطورته.

وكتبت زعيمة اليمين المتطرف، التي من المتوقع أن تكون المنافس الرئيسي لماكرون في انتخابات 2022، في تغريدة على تويتر: “من المؤسف أن الفرنسيين هم الذين يتحملون تبعات هذا التأخير، وعواقب تكبره، وعدم السلاسة في اتخاذ القرار، بثمن باهظ يدفعونه من حياتهم اليومية”. ويتهم معارضو ماكرون وقطاع من الجمهور بأنه يتصرف كأنه ملك يحيط نفسه بحاشية من المخلصين ولا يستمع لأحد، سوى لقليلين من المستشارين، خارج هذه الدائرة منذ دخوله الإليزيه ف2017. وفي مارس الماضي، أظهر استطلاع للرأي العام أن غضب التيار اليساري من الرئيس ماكرون ساعد في وضع لوبان على مسافة قريبة من تحقيق النصر في حال مواجهتهما في انتخابات العام المقبل، بحسب ما ذكرته صحيفة The Times  تايم البريطانية.

 

 صفعة الغواصات

وتأتي الصفعة الاخيرة التي قسمت ظهر البعير، صفعة الغواصات الفرنسية والأزمة الكبيرة التي أحدثتها على مستوى العالمي. وهي آخر الصفعات التي يتلقاها ماكرون خسر فيها مؤخراً صفقة ضخمة تُقدَّر بعشرات المليارات كانت بلاده قد وقَّعتها بالفعل مع أستراليا، ووصفت باريس مبادرة الشراكة الأمنية بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة والتي تم بموجبها إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية واستبدالها بصفقة غواصات نووية توفرها واشنطن ولندن لكانبيرا، بـ”طعنة أوكوس”.

وفي ظل هذا التنافس الشرس بين الدول الكبرى في التصنيع العسكري، بذلت فرنسا جهوداً دبلوماسية مرهقة وممتدة على مدار سنوات، ليس فقط بهدف التوصل إلى صفقة الغواصات التقليدية لأستراليا والتي تبلغ قيمتها نحو 65 مليار دولار، ولكن أيضاً بهدف تأسيس شراكة أمنية بين الجانبين تجعل فرنسا المورد الأول للسلاح وتقنيته إلى القارة الأسترالية.

 

وحسب وكالة رويترز أن أزمة الغواصات الفرنسية أحدث صفعة يتلقاها ماكرون وستكون آثارها داخلياً وخارجياً كبيرة، وبالتالي لم تكن صفقة الغواصات الملغاة مجرد عقد لتوريد 8 غواصات فرنسية إلى أستراليا، بقدر ما كانت شراكة استراتيجية ممتدة كانت ستوفر شرياناً رئيسياً لعدد كبير من الشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة وخلق مئات الآلاف من الوظائف على مدى 50 عاماً قادمة، وهو ما يوجه ضربة قاسية لماكرون الذي يطمح لولاية رئاسية جديدة ويواجه في الوقت نفسه غضباً داخلياً متصاعداً بسبب الأزمة الاقتصادية والبطالة التي خلقتها سنوات حكمه وفاقمتها الجائحة.

 

أزمات دبلوماسية متتالية

 

وترسم هذه الصورة رؤية أكثر عمقاً لحجم الغضب الفرنسي بعد الإعلان عن “أوكوس”، والذي يبدو أن خطوة استدعاء باريس لسفيريها في واشنطن وكانبيرا بناءً على طلب مباشر من ماكرون ليست نهايته وإنما بدايته، فالقصة هنا تتعلق بضربة قاصمة وجهتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لقطاع الصناعات العسكرية الفرنسية، بحسب وصف تقرير موقع Firstpost حول أزمة السلاح الفرنسي حالياً بعنوان “من الغواصات إلى حاملات الطائرات: كيف دمرت الولايات المتحدة الصناعات العسكرية الفرنسية”.

 

وفي هذا السياق، استخدم السفير الفرنسي لدى أستراليا جان بيير تيبوو لفظ “الخيانة” لوصف ما حدث في صفقة الغواصات، قائلاً إن بلاده “قد تعرضت للخداع المتعمد على مدار عام ونصف”، مضيفاً أن “الجريمة تم التخطيط لها من خلال مفاوضات سرية ترقى إلى درجة الخيانة من خلال استعمال لغة مزدوجة وأساليب ملتوية”، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية. وقد استخدم وزير الخارجية الفرنسي أوصافاً شبيهة، في أول رد فعل من باريس على إعلان مبادرة “أوكوس”، حيث قال إن ما حدث (إلغاء أستراليا صفقة الغواصات الفرنسية) “طعنة في الظهر”، وأن ما حدث من جانب إدارة بايدن تصرف “يليق بترامب”، في إشارة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي شهدت علاقات واشنطن مع حلفائها الأوروبيين شرخاً عميقاً خلال رئاسته.

وبحسب المجلة الأمريكية، لا يمثل إلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا واستبعادها من تحالف “أوكوس” انتكاسة كبيرة لاستراتيجية باريس في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وحسب، لأن تلك الشراكة كان من المفترض أنها تشمل الهند أيضاً، وهو ما يهدد صفقات أخرى موقعة أو تعمل شركات دفاعية فرنسية على الاستحواذ عليها في المنطقة، لا سيما مع الهند واليابان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى