
تتجه الأنظار نحو القمة السابع والعشرين للأمم المتحدة للمناخ Cop27، التي ستستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية بداية من 6 الى 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، ومن المنتظر ان تناقش فيه قضايا متعددة ومتنوعة نظرًا لكون الالتزامات المبدئية تبدو مؤكدة، في ظل ما خلفته الحرب الروسية الاوكرانية من تذبذب في سوق الطاقة.
سيعقد المؤتمر السابع والعشرون للأطراف (COP27) في مدينة شرم الشيخ المصرية بداية من 6 الى 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، وقد تم اختيار الدولة المستضيفة للمؤتمر وفقا لنظام التناوب بين القارات المختلفة، وقد تقدمت مصر العام الماضي بطلب لاستضافة دورة هذا العام من المؤتمر، ووقع الاختيار عليها باعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة التي أبدت رغبتها في استضافته، والذي سيكون أهم مؤتمر بعد مؤتمر باريس، ومن المنتظر ان تكون من بين اهدافه تعزيز التنفيذ الحقيقي لاتفاقية باريس من خلال تشجيع الدول لرفع طموحاتها المناخية وتقديم التزامات جديدة، والتوقف النهائي عن الاعتماد على الفحم، و التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري، ووضع حد للاستثمارات في الاقتصاد الرمادي والبني. وكذلك تسريع الانتقال الطاقوي، وسيعقد هذا المؤتمر في ظل أزمة طاقوية حادة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
قد تكون شرم الشيخ عامل تغيير في قواعد اللعبة بعد فشل المفاوضات الى حد بعيد في المؤتمرين السابقين الخامس والعشرين الذي عقد في مدريد عام 2019، والسادس والعشرين في غلاسكوف 2021، ونظرًا لأن عام 2020 كان عامًا أبيضا بسبب فيروس كورونا، وكذلك في ظل ما خلفته الحرب الروسية الاوكرانية من تذبذب في سوق الطاقة، فإلى ذلك الحين كل الآمال تبقى معلقة في أن تؤتي المفاوضات أكلها.
اتفاقية باريس:
فيما يتعلق باتفاقية باريس، كونها الخطة الناجعة للبشرية لتجنب كوارث مناخية وطبيعية، وهي المرجع لما يليها من اتفاقيات، بالنظر إلى أنه إذا استمرت درجة حرارة الارض في تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق درجة حرارة حقبة ما قبل الصناعة، فإن العديد من التغييرات غير المرغوب فيها على الكوكب سيكون لا مفر منها.
لقد كان من اهم الأهداف الرئيسية التي التزم بها جميع الموقعين خلال هذا المؤتمرCOP21)) الحد من غازات الاحتباس الحراري (انبعاثات في حدود 55 جيجا طن بحلول عام 2030، مع بذل الجهود لتقليلها إلى 40 جيجا طن)، وتحفيز إنتاج وتعميم استعمال الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرهما، والحفاظ على درجة الحرارة العالمية عند حدود 2 درجة مئوية والعمل على تخفيضها الى 1.5 درجة مئوية، وكذلك تخصيص 100 مليار دولار سنويًا من قبل الدول المتقدمة للدول الفقيرة حتى عام 2020 لمواجهة تداعيات تغير المناخ.
الالتزامات الأولية:
هناك التزامات أولية سبقت الحدث من طرف البلدان الأكثر تأثيرا والجهات الفاعلة الرئيسية، على سبيل المثال، أوروبا التي تتحدث بصوت واحد في جهودها لمكافحة الاحتباس الحراري، إذ توصل الاتحاد الأوروبي حديثا إلى اتفاق حول أهداف المناخ من خلال خطة طموحة تسمى “الصفقة الخضراء”، يلتزم بها الأعضاء السبعة والعشرون بخفض صافي الانبعاثات بنسبة 55 ٪ على الأقل بحلول عام 2030 مقارنة بعام 1990، وتحقيق هدف الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050. كما تتضمن هذه الخطة مجموعة من التدابير للإصلاح الشامل ، بما في ذلك تطوير الطاقات المتجددة بنسبة 40٪ بحلول عام 2030 ، وحظر بيع السيارات التي تستخدم الوقود الأحفوري بحلول عام 2035 بهدف الحصول مستقبلا على جميع السيارات صافية من انبعاثات الكربون بعد عام 2035 ، والاعتماد على السيارات الكهربائية وتلك التي تستخدم الهيدروجين ، وفرض كذلك ضرائب على الواردات من الدول التي لا تلتزم بخفض الانبعاثات ، وفرض ضرائب على الشركات التي تولد انبعاثات مع تمديدها لتشمل أيضًا قطاعات البناء والانجاز والنقل ، وكذلك التنمية في الزراعة والغابات ، مستهدفة زراعة حوالي ثلاثة مليارات شجرة جديدة.
ان الازمة الطاقوية الأخيرة التي تمر بها أوروبا على وجه الخصوص سيسرع حتما الانتقال الطاقوي ويسرع كذلك خطط الاستغناء عن الوقود الاحفوري، كما من الممكن طرح إشكالية السيادة الطاقوية، وكذلك سوق وعقود النفط والغاز.
اما بالنسبة للولايات المتحدة التي تعد من أكبر الملوثين، ففي قمة المناخ الذي عقدت عن طريق الانترنت في أبريل من السنة الماضية ودعيت إليها 40 دولة من طرف الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي تتزامن مع يوم الأرض العالمي، وهي القمة الأولى من نوعها بعد اتفاقية مؤتمر باريس للمناخ، والمخصصة لتقليص الانبعاثات العالمية للكربون، بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من اتفاقية المناخ. تعهد الرئيس الأمريكي بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 50 إلى 52٪ بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2005، هذا الهدف يقارب ضعف التزام واشنطن السابق بخفضها، والسماح للاقتصاد الأمريكي بتحقيق الصفر كربون بحلول عام 2050.
أما افريقيا التي لا تشكل انبعاثاتها سوى 3% من الانبعاثات العالمية من الكربون، وكون أن أمراض تلوث الهواء في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تتسبب في حوالي 155 حالة وفاة لكل 100000 نسمة اي ما يقارب من ضعف المتوسط العالمي، فمازالت تنتظر ان تفي الدول المتقدمة بوعودها في المساعدات المالية لمحاربة ومواجهة الاحتباس الحراري.
التحديات والآفاق:
في انتظار انعقاد هذا المؤتمر نتمنى أن يصل كل بلد إلى شرم الشيخ وفي جعبته أولوية التكيف الخاصة به وأن يكون مستعدًا للالتزام والعمل لتجنب وتقليل ومعالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ وارتفاع حرارة الأرض، خاصة الدول الأكثر تلويثا للكوكب مثل الولايات المتحدة، الصين والهند واليابان وروسيا.
بطبيعة الحال، فإن الرهان الأكثر أهمية هو تمويل الإجراءات المناخية خاصة بالنسبة للدول الفقيرة لأنه بدون التمويل الكافي لن يكون لدى البلدان الفقيرة التي تقف على خط المواجهة فرصة في مواجهة تغير المناخ. ونظرًا لتعهد الدول المانحة في عام 2010 بحشد 100 مليار دولار سنويًا لمساعدة البلدان النامية على مواجهة التغير المناخي تبقى الآمال معلقة لتحقيقه في شرم الشيخ.
المهم أن صحة الكوكب تعتمد على قدرة الجميع والدول الأكثر تلويثًا على وجه الخصوص مثل الصين والولايات المتحدة والهند واليابان وروسيا. لتسريع خطتهم في تحقيق صفر انبعاثات بحلول عام 2050. يبقى من الضروري تسليط الضوء خلال هذا المؤتمر على أن موارد الطاقة التقليدية أصبحت الآن شيئًا من الماضي، والتركيز على القرارات والإجراءات ذات صلة بحماية الناس والطبيعة، وإنشاء بنية تحتية مقاومة للمناخ، والمزيد من أنظمة الإنذار المبكر الفعالة، وتفعيل المحاصيل المقاومة لظروف الطقس القاسية، ووضع حد للصناعات ومركبات الملوثة، ومكافحة انبعاثات الميثان، وكذلك محاربة القضاء على الغابات…الخ، وبما أن البلدان الفقيرة عانت من أكبر العواقب مثل انعدام الأمن الغذائي ونزوح السكان ونقص المياه … إلخ. فان الكثير من الأمل منتظر من هذا المؤتمر كون المناخ شأن الجميع ولا يمكن لأي بلد الحفاظ عليه بمفرده.
محمد الرشيد شريطي : مهندس متخصص في شؤون الطاقة
البريد الالكتروني: r_cheriti@yahoo.fr