أقلام

مئة وثمانية وستين سنة مرت..الذكرى لانتفاضة “أولاد أم الإخوة”

بلغة الأرقام وبعيداً عن لغة الحشو السردي وحسب توثيقات الفرنسيين أنفسهم.. أولاد أم الإخوة هم قبيلة وجزء من أغاليك أولاد نائل بايعوا الأمير عبد القادر سنة 1837 خلال مروره بمضاربهم كما شاركوا في ثورة الزعاطشة سنة 1849 وانضموا إلى مقاومة الشريف محمد بن عبد الله بداية الخمسينيات من القرن التاسع عشر.. كما دعموا ثورة أولاد سيدي الشيخ سنة 1864 ويعتبرون شريان العديد من المقاومات الشعبية وملاذاً أمانا لرجالات وثوار الجزائر ينحصرون في الجزء الجنوبي والشرقي لجبل بوكحيل وسفوحه يبلغ عددهم 3979 نسمة موزعين على 12 بطنا تابعين للبلدية المختلطة الجلفة مقاطعة المدية حسب مرسوم 1886… أما عن إحصاء قانون سيناتوس كونسيلت لتعداد سنة 1931 فإن قبيلة أولاد أم الإخوة تتكون من 5687 خيمة مقسمين إلى 1342 عائلة ونلاحظ أن كل هاته الأرقام والتكهنات والإحصاءات لإدارة الاحتلال يصعب إعطاؤها بدقة لأن قبيلة أولاد أم الإخوة من البدو الرحل ونمط عيشهم يعتمد على الرعي أساسا والحركية الدائمة وعدم الاستقرار..
انتفاضة “أولاد أم الإخوة” هي جزء من سلسلة مقاومات أولاد نائل للمحتل الفرنسي اندلعت انتفاضتهم البطولية يوم 12 أكتوبر من سنة 1854 بمنطقة عين الناقة شمال قصر مسعد وبلغ عدد فرسانهم من 500 إلى 600 فارس من أبطالهم بن هاشم بن غيابة والحطاب بلخيرات وجامد بن سعد وأحمد صيار وڨعمز بوزيد..
عن نتائج معركة تينجيخت الأكثر وحشية ودموية وقعت شرق جبل بوكحيل بتاريخ 17 أكتوبر 1854 بعد سلسلة من المطاردات إذ أعلن الفرنسيون حملة ثلاثية على قبيلة أولاد أم الإخوة..
01- فيلق الأغواط بقيادة دوباراي متبوع بمئة فارس من الڨوم
02- فيلق الجلفة بقيادة كولونا دورنانو
03- فيلق بوسعادة بقيادة تيودور بأن معهم مئة من الڨوم لتطويق مضارب القبيلة أين احتموا بجبل بوكحيل..
النتائج حسب تقرير الحاكم العام بيليسي بتاريخ 23 أكتوبر 1854 وعدد المبشر رقم 172…
استشهاد أكثر من 80 فارسا من ابناء القبيلة، وغنم ومصادرة 10000 رأس غنم و 800 جمل، ناهيك عن الغنائم الهائلة التي جمعها الڨوم، كما أن الاحتلال صرح عن وفاة ملازم واحد، م. بيزاز، و 04 جنود مشاة. كماأصيب بجروح بليغة مترجم مكتب العرب بالأغواط السيد إسماعيل بوضربة كادت تودي بحياته، وهو المولود بمرسيليا سنة 1823 م من أم فرنسية وصاحب كتاب “رحلة إلى غات وغدامس” والده أحمد أحد أعيانالجزائر وكان حاضرا في مفاوضات الداي حسين مع الفرنسيين.. وعن السلوك القوي والثائر لجيش الاحتلال خلال معارك انتفاضة أولاد أم الإخوة، فقد تمت ترقية وإلحاق ألقاب جديدة للقادة الفرنسيين المشاركين في المعارك، بالإضافة إلى الجنود الصبايحية من جميع الأسلحة الذين قاتلوا جيدًا تحت أوامر السلطة الفرنسية منهم قماري وبن التومي..
وعن شهداء أولاد أم الإخوة في معركة عين الناقة 13 شهيدا
ومعركة تينجيخ 80 شهيدا وبعدها هجوم “واد الرتم” بالقرب من بسكرة حسب الضابط سيروكا 07 شهداء من أبناء القبيلة ،المجموع 100شهيد من خيرة فرسان قبيلة أولاد أم الإخوة .
ومن الجانب الفرنسي وان كان قد تكتّم المحتل كعادته عن خسائره . ففي معركة عين الناقة صرحت سلطة الإحتلال بمقتل أربعة من جنودها  إلى جانب ضابط التموين “دو بوا جيلبر” و 09 جرحى… وقد اضظرت الأحداث إلى هجرة أولاد ام الاخوة  قسرا إلى تونس ، بإستثناء عدد قليل من الخيم الفقيرة ، فمكثو لاجئين بين نفطة وتوزر من بلاد الجريد التونسي لمدة 18شهراً وبداية عودتهم كانت في  شهر ماي 1856 تدريجيا وبصفة نهائية في سنة  1864.. وهذا بوساطة من القايد بن عياش بن سلمي بن جعرون من عرش أولاد عيفة الذي لعب دوراً بارزا في إرجاعهم..  وهم مشردين ممزقين الأوصال.. اشتغل “بن عياش” منصب أول قايد على القبيلة إلى ان استقروا في مضاربهم.. وهذا حسب مخطوط سيرته الذاتية.. وكذلك إستئناسا بشهادة العقيد الفرنسي سيروكا إذ يقول عن  إنسحاب أولاد أم الإخوة وعودتهم  من تونس مع بعض الحرازلية برفقة المقاوم بن ناصر بن شهرة متسللين خفية عبر وادي سوف.. هنا نفتح قوساً لتوافق الوثائق الأرشيفية مع صحة ماجاء في الرواية الشفوية..
 
ليتواصل مسلسل المقاومة بكل أشكاله ففي شهري جويلية وأوت من سنة 1871 وتزامنا مع الثورات الرحمانية وحسب ما جاء في أحد التقارير الأرشيفية الفرنسية فإن قبيلة أولاد أم الإخوة تمردت عن سلطة الاحتلال مرة أخرى، وباتت تشكل خطرا، فوضعيتهم مقلقة وأنهم ثاروا ضد قيادهم وسرعان ما تطورت الأحداث إلى عصيان ضريبي وعدم تسديد الزكاة والعشور.
ومن خلال ما مر بنا سابقا يتضح لنا أن الحملة الفرنسية على أعراش الجلفة لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت ضمن مخطط استعماري محكم للتوسع نحو الجنوب والصحراء.. وتبريراً للممارسات الإرهابية والإبادة الجماعية ضد أكثر القبائل شراسة وعداء للاحتلال في المنطقة ما هي إلا سياسة استعمارية لترهيب وتخويف السكان المجاورين لتتناقل أخبارها الأعراس وتترك صداها… وهذا ما أكده بصريح العبارة الجنرال بيليسي نفسه في نهاية تقريره… لعلنا استطعنا ومن خلال هذا المقال أن ندرك جزءاً من المقاربات إلى الحقيقة حول التوافق بين ما جاءت به الرواية الشفوية وما هو موثق في الأرشيف الفرنسي لإحدى حلقات وبطولات نضال الشعب الجزائري ببساطته وإيمانه كسر شوكة الاحتلال الفرنسي وكبريائه..
كما نلاحظ ان عامل الجغرافيا وطبيعة تضاريس المنطقة الوعرة بعد كل عمل أو مقاومة هناك مخاوف من التحصن بالجبال والتوغل في أودية الصحراء كلها عوامل شكلت مَشَاكِل وعائقاً لجنود الاحتلال وأرغمته على تغيير سياسته تجاه أهالي المنطقة.. البعد القبلي وخصال أبناء المنطقة من صفاتهم التحررية والتي اتسمت جملتها بالعزة ونبذ التسلط وعدم الخضوع للغير وهذا ما نتج عنه من اختيار ديار الغربة والهجرة والتشتت على سياط المذلة ومإنجر عنها من سلب في الحقوق كحق الحالة المدنية وما أفرزه من تجهيل وتفقير..

سعد بلخيرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى