أقلام

مائتا (200) يوم من الحرب على غزة

إنها أكبر حرب يخوضها الكيان الصهيوني منذ نشأته في سنة 1948، وضدّ فصيل مقاوم محاصر في منطقة جغرافية مفتوحة لا تتعدّى مساحتها 365 كم مربع. يقول العدو أنّه قضى على 13 ألف مقاوم من كتائب القسام وسرايا القدس لتبرير همجيته والتقليل من فعل إبادة المدنيين، كما يقول أنّه قضى على معظم الكتائب القتالية لحماس والجهاد الإسلامي ولم يبق منها إلّا أربعة موجودة بأنفاق رفح لتبرير هجومه على المدينة الأخيرة الصالحة للحياة، والتي تجمّع بها أغلب سكان غزة بعد أن تمّ تحطيم منازلهم بالبلدات المختلفة للقطاع. ومع ذلك لم يصل الكيان إلى تحقيق أهدافه السياسية والحربية بعد مائتي يوم من عملية طوفان الأقصى والمتمثلة في القضاء على حماس والجهاد الإسلامي بقطاع غزة وتحرير ما تبقى من الأسرى.    

1- العقاب الجماعي في استمرار رغم قرار مجلس الأمن

في المائة يوم الأولى من الحرب على غزة كان عدد الشهداء الفلسطينيين بقطاع غزة قد وصل إلى 23 ألف ضحية معظمهم من الأطفال والنساء، كما تعدّى عدد المجروحين الخمسين ألف لم يجدوا المستشفيات والأدوية والأطباء والممرضين لتلقي العلاج. وبعد مائتي يوم من الحرب على غزة، تعدّى عدد الشهداء عتبة 34 ألف ضحية وتجاوز عدد المجروحين عتبة 76 ألف، وهذا يعني أنّ الإبادة الجماعية تراجعت من حيث العدد في المائة يوم الثانية من الحرب حيث وصلت 11 ألف شهيد و26 ألف جريح. هذا التراجع العددي في الإبادة الجماعية قد يعتبره بعض الوقحين من قادة ونخب الغرب، وكذا من قادة ونخب الدول العربية المطبعة انجازا في حدّ ذاته لصالح الفلسطينيين بما أن عدد القتلى والجرحى في تراجع بسبب الضغوط الأمريكية والغربية عموما.

مواصلة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة من قبل الكيان الصهيوني نتيجة منطقية للدعم الحربي والدبلوماسي الغربي عموما والأمريكي خصوصا. فرغم تبني مجلس الأمن للقرار 2728 الذي طالب بوقف فوري لإطلاق النار، وبتأييد من قبل 14 عضوا وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت، إلاّ أنّ الآلة الحربية الصهيونية واصلت عدوانها على الأطفال والنساء في عز شهر رمضان المقدس عند المسلمين. نذكر أنّ أمريكا رفضت تعديل مشروع نص القرار قبل التصويت والذي اقترحه الممثل الروسي والقاضي بوقف دائم لإطلاق النار، وهدّد باللجوء إلى حق الفيتو في حال اعتماد صيغة المقترح الروسي.

كما قام مجلس النواب الأمريكي بالتصويت وبالأغلبية (366 مؤيد و58 معارض) على مساعدات مالية قدرت بـ 26.4 مليار دولار، قيل أنّ الهدف منها هو تدعيم الدفاعات الجوية الصهيونية أو ما يعرف بالقبة الحديدية، خاصة بعد الهجمة الإيرانية على الكيان. ومهما يكن تبقى مساعدات مالية تساهم في الاقتصاد الصهيوني الذي شهد بعد طوفان الأقصى تدهورا نتيجة الهجرة القسرية لسكان غلاف غزة وشمال فلسطين، وكذا تجنيد المدنيين في الجيش الإسرائيلي.

2- القضاء على المنظومة الصحية أو القتل غير المباشر للفلسطينيين

منذ بداية الحرب على غزة، لجأ الكيان الصهيوني إلى تدمير المستشفيات بدعوى أنّها تضم أنفاقا يستعملها المقاومون كملاجئ. وقد بلغ عدد المستشفيات بقطاع غزة 35 تضم 2614 سريرا، دمّر منها الجيش الصهيوني أكثر من 25 مستشفى أصبحت خارج الخدمة، أشهرها مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة الذي يضم ثلاث مستشفيات تخصصية، وتبلغ القدرة السريرية الإجمالية له 564 سرير، وهو مبنى حكومي دمرته كليا القوات الصهيونية وهو خارج الخدمة حاليا. تدمير المستشفيات وكذا المراكز الصحية والعيادات لم يشف غليل الكيان المارق، حيث لجأ أيضا إلى اغتيال الأطقم الطبية من أطباء وممرضين ومسعفين، كما دمر العشرات من سيارات الإسعاف.

إنّها ببساطة خطة ممنهجة من قبل قادة الكيان للإجهاض بطريقة غير مباشرة على المجروحين وباقي المرضى الكبار. وقد وصل الحقد الصهيوني إلى درجة تدمير أكبر مصنع للأدوية بقطاع غزة والموجود بحي صلاح الدين ببلدية دير البلح، وقد يلجأ الكيان كعادته إلى تبرير همجيته بدعوى أنّ المصنع يستعمله المقاومون لصناعة المواد الكيماوية في  الصناعة الحربية المحلية.

3- المجاعة إحدى الطرق غير المباشرة لاغتيال الفلسطينيين             

تطلق صفة المجاعة عندما يعاني سكان جهة ما سوء التغذية على نطاق واسع يؤدي إلى حدوث وفيات مرتبطة بالجوع، وهو الهدف الذي يسعى إليه الكيان الصهيوني كعقاب للشعب الفلسطيني باعتبار أنه مشارك في الجريمة كما أشار رئيس الكيان، وذلك عن طريق غلق كل منافذ القطاع ورفض دخول المساعدات الغذائية بالكمية اللازمة. وقد أفادت تقارير أممية أن المجاعة وشيكة في الجزء الشمالي من القطاع التي يقطنها حاليا نحو 300 ألف شخص، ومن المتوقع أن تحدث بين الشهر الحالي وشهر مايو.

كما يشير التقرير الأممي أن الحدّ الأقصى لانعدام الأمن الغذائي قد تم تجاوزه بشكل كبير، وأن سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة يتم بوتيرة قياسية، وأن معدلات الوفيات الناجمة عن المجاعة تتسارع بين هؤلاء الأطفال. كما جاء في التقرير أنّ نصف سكان غزة استنفذوا بالكامل مؤونتهم الغذائية وقدراتهم على التكيّف ويعانون من التضور جوعا. وينهي التقرير بالتحذير من الموت الجماعي جوعا بالآلاف إن لم تتخذ إجراءات وقائية وإدخال المساعدات الغذائية إلى القطاع. وقد صرّح مسؤول أممي أن المجاعة في غزة المفتعلة من قبل الكيان ترقى إلى جريمة حرب.

4- المطبعون يتباهون بإلقاء المساعدات جوا لقطاع غزة وتركيا يتم رفض طلبها

أمام هذه الأوضاع الكارثية، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإسقاط المساعدات جوا على سكان القطاع، وقد تبعتها في ذلك بعض الدول العربية المطبعة حيث سمح لها الكيان الصهيوني باستعمال الطائرات لإسقاط مساعدتها الغذائية على السكان الجائعين في منظر مخزي للإنسان. ومع ذلك راح المطبعون يتباهون بهذه العمليات المفضوحة في قنواتهم التلفزية واعتبار ذلك من النتائج الإيجابية لسياسة التطبيع مع الكيان، وهو ما ينطبق عليه المثل العربي القائل: “إن لم تستح فافعل “وقل” ما شئت”.

وقد رفض الكيان الصهيوني في هذا الإطار طلب تركيا بإلقاء المساعدات الغذائية جوا، وقد اغتاظ الرئيس أوردوغان على رفض طلب تركيا وقام بمعاقبة الكيان تجاريا حسب وزير خارجية تركيا. كما تسعى هذه الأخيرة إلى إعادة تجربة سفينة مرمرة، حيث يستعد أسطول الحرية للإبحار من ميناء توزلا التركي إلى غزة لكسر الحصار الصهيوني المفروض على القطاع. وحسب تقارير صحفية، فمن المنتظر أن تبحر 3 سفن محملة بـ 5 آلاف طن من المواد الغذائية ومياه الشرب والمساعدات الطبية بمجرد إعطائها الضوء الأخضر من السلطات التركية. وأعرب حوالي 280 ناشطا حقوقيا عن استعدادهم للصعود على متن السفينة يمثلون أكثر من 30 دولة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وألمانيا وماليزيا وحتى جمعيات خيرية جزائرية.

5- رجوع السكان إلى الأطلال

قصد الهجوم على مدينة رفح آخر معقل المقاومة حسب الكيان الصهيوني، سمح هذا الأخير لبعض سكان القطاع القاطنين بها هربا من الموت، بالعودة إلى وسط وشمال القطاع. وحسب التقارير الصحفية فإنّ الكيان سمح بالعودة للنساء والأطفال والرجال الذين تتجاوز أعمارهم 50 سنة. الأوضاع بالشمال مزرية، لا ماء ولا غذاء ولا مأوى، لقد دمّر الكيان المنازل وآبار المياه وحتى بعض المزارع المنتشرة هنا وهناك. إنها سياسة مبرمجة من قبل الحكومة المتطرفة للتهجير القسري للفلسطينيين أو الموت البطئ.   

6- كم بقي من الأسرى

بعد آخر عملية تبادل للأسرى بين حماس والكيان الصهيوني التي جرت في نهاية نوفمبر من السنة الفارطة، قيل حينئذ أن عدد الأسرى الصهاينة لدى حماس بلغ 137 أسيرا. وإذا كانت حركة حماس تعلن في بداية الأمر عن قتلى الأسرى من قبل القوات الصهيونية من خلال هجومها دون تمييز على سكان القطاع، فإنها تراجعت مؤخرا عن ذكر موتى الأسرى للحفاظ على ورقة ضغط الشارع الصهيوني الذي ازداد عددا وقوة للمطالبة بإجراء صفقة التبادل والرضوخ لمطالب حماس وسقوط حكومة نتياهو.

أشارت بعض التقارير الصحفية مؤخرا أن عدد الأسرى نزل إلى أربعين أسير، وهو ما يعني أن العديد منهم قُتل تحت القصف الصهيوني، وهو الأمر الذي يزيد من متاعب الحكومة المتطرفة التي أمست لا تبالي للأسرى كما كانت في السابق، وكل هاجسها أمسى يتمثل في فشل تحقيق نصر عسكري على حماس وتحرير ولو القليل من الأسرى إرضاء للشارع الصهيوني.

7- العرب مستاؤون من الرد الإيراني والمقاومة الشيعية

ماذا كان ينتظر الرأي العام العربي من إيران وأذرعها المنتشرة في العراق وسوريا واليمن ولبنان في رد طهران على تل أبيب عقب قصف الجيش الصهيوني للقنصلية الإيرانية بدمشق؟ نسي العرب تخاذل أنظمتهم المطبعة، ونسي صفقات السلاح التي أبرمتها ذات الأنظمة، والقواعد الأمريكية المنتشرة بالمنطقة والتي ساهمت في الدفاع عن الكيان الصهيوني خلال الهجوم الإيراني إذ صرحت أمريكا أنها أسقطت ما يقارب 80 بالمائة من المسيرات. كذلك فعلت بريطانيا وفرنسا التي أعلنت أن مشاركتها في الرد على الهجوم الإيراني جاء بطلب من الأردن. بل هناك تقارير صحفية فرنسية (مجلة Le point على سبيل المثال) وبريطانية أشارت إلى مشاركة دول عربية في الدفاع عن الكيان منها المملكة العربية السعودية.

8- الفيتو الأمريكي: نعم لحل الدولتين لكن دون دولة فلسطين! 

بعد أن نسي العم سام القضية الفلسطينية، جاء طوفان الأقصى ليذكره بوجود شعب مقاوم لا يرضى لا بسياسة التطبيع ولا بسلطة التنسيق الأمني ولا بالتخاذل العربي. فتذكّر نفاقا رفقة المجموعة الدولية أن هناك ضمن القرارات الأممية شيء اسمه حل الدولتين يعود إلى قرارات الأمم المتحدة بعد حرب 1967. هذا التوجه الجديد للسياسة الأمريكية استغلته الجزائر لطرح مشروع قرار يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوا كاملا في الأمم المتحدة. وقد أيد القرار 12 عضوا من بين 15، فيما امتنعت بريطانيا وسويسرا عن التصويت، واستعملت أمريكا حق الفيتو لتؤكد للمرة الألف عن مساندتها الدبلوماسية للكيان، ومعارضتها المطلقة لحل الدولتين.

وقال نائب المندوبة الأمريكية روبرت وود أن تَمتّع فلسطين بالعضوية الكاملة في المنظمة الأممية إجراء سابق لأوانه، وأنه يجب أن يمر عبر المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع، مؤكدا في تناقض صارخ أن بلاده مع ذلك تُواصل دعم حل الدولتين رغم أن فلسطين لا تستوفي شروط العضوية الكاملة وفقا لميثاق الأمم المتحدة دون شرحها داعيا السلطة الفلسطينية إلى إجراء إصلاحات لتصبح دولة، دون نسيان أن حماس لا تزال تتمتع بالقوة في قطاع غزة. فهل هناك درس لسلطة رام الله وللعرب المطبعين أعمق من هذا؟

 

محمد سعيد بوسعدية: كاتب وباحث  

 

RépondreTransférer

وداد الحاج

رئيس تحرير يومية الوسط الجزائرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى