
بقلم احسن خلاص
يغلب على القراءات المتداولة حول ما يمكن أن تفرزه الانتخابات التشريعية الكثير من الحذر وعدم المغامرة بتوقع النتائج فضلا عن الخارطة التي ستفرزها هذه الانتخابات التي انطلقت حملتها بحماس يبدو أكبر من الأجواء التي عودتنا عليها في المواعيد الانتخابية السابقة. وبالفعل من لم تتوفر إلى حد هذه اللحظة مؤشرات أو إرهاصات عن قدرة أي طرف على حسم السباق وحتى الأحزاب التي دخلت المعترك الانتخابي هذه المرة، بالرغم من التجربة الانتخابية التي يتمتع بها الكثير منها، إلا أنها دخلت بكثير من التواضع وبقليل من التبجح عكس ما كان عليه الحال في المواعيد التشريعية السابقة أين كان حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي ينطلقان في السباق الانتخابي بثقة في الفوز لا غبار عليها حتى أنهما يظهران للرأي العام أن السباق لن يخرج عن دائرتهما بينما سيوزع بقية الأحزاب فتات ما تبقى من الأصوات، حيث يحتفظ الإسلاميون بمواقعهم التقليدية تماما كما تحتفظ الأحزاب العلمانية (الديمقراطية) بمواقعها ومعاقلها وفق خارطة معدة مسبقا في مجملها.
لقد أخلط الانتقال السياسي الذي حدث مع الحراك الشعبي أوراق المتتبعين حيث كان له تأثير سلبي على المكانة والدور المرجوين من حزبي السلطة التقليديين دون أن تتمكن أي قوة من القوى الوطنية أن تأخذ مكانهما في طليعة القوة السياسية الضاربة للسلطة ولم نعد كما كان يظهر في المشهد التقليدي أمام حزب الرئيس الذي يقود قاطرة الانتخابات وكأن المشهد السياسي بصدد إعادة التشكل بعدما تحول إلى قطع سياسية مبعثرة على الساحة السياسية وقد زاد الحضور الكبير والقياسي للقوائم الحرة في المعترك هذا المشهد غموضا.
ومع أن حقل التوقعات بمخرجات الانتخابات التشريعية مليء بالألغام فإننا سنحاول أن نتمسك بقليل من الشجاعة التي يمتلكها الباحثون العلميون وروح المغامرة التي تصاحب عادة المؤمنين بالاختراق والإعجاز ونطرح فرضية مفادها أن بإمكان الإسلاميين أن يحققوا ما لم يكن متوقعا ويظفروا بأغلبية مريحة تمكنهم من قيادة حكومة ما بعد 12 جوان ويفرضوا بذلك التعايش السياسي مع الرئيس تبون.
ولكي لا تبقى هذه الفرضية مجرد كلام يطلق على عواهنه، من الضروري أن ندعمها ولو بقليل من الدلائل والمؤشرات. ولعل أهمها وأقربها إلى الواقع أن نتائج جمع التوقيعات الخاصة بالترشيح أعطت للأحزاب الإسلامية لاسيما حمس وحركة البناء مكانة معتبرة بل إن حمس صنفت وحدها في المرتبة الأولى في عدد التوقيعات المحصلة من قبل الأحزاب ولم تقل نتائج حركة البناء وجبهة العدالة والتنمية أهمية مما يدل على أن أحزاب التيار الإسلامي أبلت البلاء الحسن لتحصيل أكبر من توقيعات الترشيح بالرغم من صعوبة العملية.
ويضاف إلى نجاح عملية تحصيل توقيعات الترشح أن الأحزاب الإسلامية، بالرغم مما عرفته من عواصف وأزمات أدت إلى انشقاقات وانقسامات في شجرتي نحناح وجاب الله، إلا أنها من الأحزاب التي حافظت على قدر من التنظيم والانسجام النضالي حيث لم تؤثر الاضطرابات التي حدثت على مستوى القيادات كثيرا على تقاليد العمل الإسلامي على المستوى القاعدي والمجتمعي ولا حتى على صلة هذه الأحزاب بالجمعيات التي تدور في فلكها. وهو ما أهلها لأن تبقي على نسبة معتبرة من الجاهزية التي كانت تتمتع بها قبل أن يصيبها الانقسام.
ولعل من أهم ما ميز هذا الامتداد المجتمعي أنه حافظ على المعالم والرموز القائمة منذ النشأة الأولى منها إحياء ذكرى وفاة الشيخين نحناح وبوسليماني والارتباط الوثيق مع حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين والمقاومة في القدس، إضافة إلى العمل الخيري المتواصل الذي تقوم به الجمعيات المحيطة بها وعلى رأسها حركة الإرشاد والإصلاح. لم تنل الهزات السياسية التي تعرضت لها القيادات الإسلامية كثيرا من قوة العمل الاجتماعي والجواري للتيار الإسلامي بشكل عام بالرغم من أن غلق المساجد لأكثر من عام كامل جراء جائحة الكورونا قد أثر إلى حد ما على الأداء المسجدي للعمل الديني لهذا التيار وهو السند القاعدي للعمل السياسي.
هذه العوامل وغيرها كفيلة بأن تجعل قادة التيار الإسلامي يطمحون لمستويات أكبر مما تعود التيار على تحقيقه في السابق حيث لم يخل موعد انتخابي دون أن يصرخ الإسلاميون منددين بالتزوير الذي طالهم بل كانوا يعدون ويتوعدون أنهم كانوا قادرين على تحقيق أضعاف ما حققوا لولا غياب إرادة سياسية لدى السلطة لإجراء انتخابات مفتوحة ونزيهة. فوصول الإسلاميين إلى قيادة أغلبية برلمانية لم يعد مجرد خرافة فالرصيد المعتبر من التجربة السياسية والانتخابية وتراجع الأحزاب الوطنية والذي يضاف إليه التغييرات الهامة في نظام الاقتراع قد يجعل الأمر في دائرة الممكن إلى درجة مخالفة جميع التوقعات السائدة.
لكن ماذا لو فاز الإسلاميون بالأغلبية البرلمانية المطلقة أو أوشكوا على ذلك؟ ما هي السيناريوهات المنتظرة التي ستفرزها مثل هذه المعطيات؟ ما هو التأثير الذي يمكن أن يحدثه هذه التحول على الداخل الإسلامي وعلى علاقة الإسلاميين بالتيارات الأخرى وكيف سيكون رد فعل التيار المقاطع للانتخابات؟ وقبل كل هذا كيف ستتعامل هذه الأغلبية مع سلطة الرئيس تبون؟ هل ستتعايش معه أم أنها ستشكل حكومة إسلامية أو ائتلافية؟ هل سيعاد طبع التجربة التونسية والمغربية في الجزائر؟ مشاهد كثيرة تتزاحم على الذهن عنوانها المشترك: ماذا لو فاز الإسلاميون بالانتخابات التشريعية؟ سنحاول في المقال المقبل تناول هذه المشاهد ضمن السعي إلى الخروج عن النمطية الحذرة والمغامرة بتصور أبعد السيناريوهات.
… يتبع