
بقلم احسن خلاص
خرج اجتماع مجلس الوزراء بقرارات مثيرة لاهتمام المواطنين عامة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين بشكل خاص غير أنه فضل الصمت، على الأقل مما يظهر من البيان الذي توج الاجتماع، عن تفاصيل مهمة كان استجلاءها قد يزيل الكثير من الغموض، لاسيما القرارات المتعلقة بفتح الحدود وإنشاء الصندوق الخاص بالأموال المنهوبة المسترجعة.
بإصدار قرار فتح الحدود البرية والجوية يكون مجلس الوزراء قد خطى خطوة ولو جزئية في اتجاه تنشيط الروابط الجزائرية بمصالحها الاجتماعية والاقتصادية في الخارج وهو القرار الذي كان منتظرا واستجابة لرغبة مئات الآلاف من الجزائريين العالقين خارج الوطن دون القدرة على توديع أهاليهم إلى مثواهم الأخير أو الاطمئنان على صحتهم.
لقد كان القرار الحتمي بقطع التواصل المباشر بين الجزائريين والمحيط الخارجي ضربة قاصمة حتمتها ظروف الجائحة حيث رأى المختصون أن هذا الغلق جنب الجزائر خسائر فادحة في الأرواح جراء الانتشار السريع لفيروس كورونا حتى أن النسب التي شهدتها الجزائر من الإصابات إنما جاءت من الاستخفاف الذي حدث في الأسابيع الأولى من ظهور الفيروس في الصين وانتشاره إلى أوروبا فقد جاء غلق الحدود البرية والجوية الجزائرية بعد ما يقرب من شهر من اكتشاف أول حالة لرعية إيطالية في الجنوب الجزائري.
ومع ذلك يمكن القول إن قرار الجزائر بغلق الحدود مهما كانت الخسائر التي تسبب فيها لاسيما للخطوط الجوية الجزائرية ولمصالح المواطنين المعطلة إلا أنه قرار منقذ بالنظر إلى أن الجائحة كبدت الدول الكبرى التي تتمتع بقدرات عالية في نظامها الصحي خسائر لم تكن تنتظرها اضطرتها في النهاية لأن تلجأ إلى هذا الإجراء الردعي في الوقت الذي أخذت فيه البشرية وقتا لا يستهان به لاكتشاف الوباء ووقتا أكبر لوضع اللقاح المضاد للفيروس حيز الاستغلال.
ولا يمكن لقرار إعادة النظر في قرار غلق الحدود على أهميته القصوى والارتياح الذي يمكن أن يدفع إليه إلا أنه يثير مخاوف لدى المواطنين من لتقصير في تطبيق الشروط المطلوبة والبيروقراطية التي يمكن أن تصحب عمليات تنقل الأفراد من وإلى المطارات الجزائرية لاسيما وأن معدل الرحلات محدود أمام الطلب على التنقل الذي ينتظر أن يكون ضخما. وقد يضطر الرأي العام تفاصيل من وزارة النقل حول المقاييس المطلوبة وإجراءات التنقل ذاتها لكي لا يتحول هذا الانفتاح الجزئي إلى مصدر للفوضى.
وتعد القرارات التي اتخذها اجتماع مجلس الوزراء الأخير مهمة ومفصلية في مجملها. لكن ثمة قرار قد يحتاج إلى مزيد من التفسير والتوضيح على يد الحكومة في الأيام القادمة يتعلق بإنشاء صندوق خاصة بالأموال المنهوبة المصادرة بعد الحكم القضائي النهائي بإدانة ناهبيها. وإن كان القرار يكتسب أهميته انطلاقا من كونه جاء ليضع حدا لتساؤلات يمكن أن تطرح حول مصير الأموال والأملاك المنقولة وغير المنقولة المحجوزة إلا أن السكوت عن وجهة مشروع الصندوق قد يبقي على الغموض ويجعل الرأي العام يكتفي بنصف الحقيقة دون الاطلاع بشكل كامل على المجالات والميادين التي ستوظف فيها. ولم يشر بيان مجلس الوزراء إلى التفاصيل المتعلقة بهذا الصندوق وعما إذا كانت الحكومة تعد مشروع قانون أو نص تنظيمي يتكفل بالإجابة الدقيقة والتفصيلية عن نقاط الظل التي تكتنف فكرة إنشاء مثل هذا الصندوق.
ومن بين الاقتراحات التي ستنشأ عن هذا الغموض أن توجه المحجوزات لتنشيط المؤسسات المملوكة للمدانين بعد الركود الذي أصابها بعد سجن أصحاب هذه المؤسسات ووضع بعضها تحت إدارة المتصرفين وهذا التنشيط من شأنه الحفاظ على مناصب الشغل لاسيما وأن العديد منها دخل في فراغ رهيب وهي التي كانت تتغذى بالنفوذ الذي كان يتمتع بها أصحابها ضمن نظام حكم الرئيس بوتفليقة. فهل ستعمد الدولة على الحفاظ على هذه المؤسسات باعتبار أن المحجوزات إنما هي في الأصل ملك للدولة حولت بصفة غير شرعية إلى الحسابات البنكية وسجلات الممتلكات الخاصة لهؤلاء وسجلات زوجاتهم وأبنائهم وأقربائهم.
ومن جانب آخر يمكن أن توظف منتوجات هذا الصندوق من أجل التضامن مع المتضررين من الوضع الذي آلت إليه المؤسسات المملوكة لهؤلاء المحكوم عليهم. غير طرق الحصول على تلك المكاسب لم يكن دائما بتحويل قروض بنكية أو عن طريق عمليات مشبوهة متعلقة بالأعمال التجارية بل قد يكون من ضمن المعنيين بالحجز ذوي نفوذ على رأس مؤسسات الدولة استغلوه من أجل الثراء الفاحش لأنفسهم وذويهم مثل ما هو حال الوزراء والمدير العام للأمن الوطني الأسبق عبد الغني هامل.
وتكون السلطة قد فكرت في إنشاء هذا الصندوق بالنظر إلى المبالغ الخيالية التي أعلن عنها خلال المحاكمات فهي مبالغ معتبرة لا يمكن صرفها في الميزانيات القطاعية بشكل عادي وينتظر أن يتضمن قانون المالية التكميلي تفاصيل عن إنشاء هذا الصندوق الذي يظهر أن المحجوزات كلها ستتحول إلى قيم مالية بعد أن تخضع المحجوزات إلى عمليات بيع بالمزاد العلني. كما يمكن أن يضم الصندوق الأموال والممتلكات المهربة إلى خارج البلاد والتي وعد الرئيس تبون باسترجاعها بعد صدور الأحكام النهائية في حق مهربيها.
المؤكد أن ثمة نقاط ظل ينبغي تسليط الضوء عليها وقد تكون الأيام والأسابيع المقبلة كفيلة بالرد على الكثير من التساؤلات المعلقة، لاسيما ما يتعلق بالتعامل مع المسيرات الأسبوعية وانطلاق الحملة الانتخابية للتشريعيات والارتفاع المستمر لأسعار المواد الأساسية وهي المسائل التي تحظى بأهمية قصوى ضمن اهتمامات المواطنين.