
* عمل لأربعة أعوام سفيراً في تونس
* شغل المنصب نفسه في ليبيا لثلاثة أعوام
لم يكن تعيين سفير فرنسي جديد بالجزائر مجرد إجراء إداري لتعويض تقاعد السفير الأسبق و إنما ترجمة لرغبة في التكيف مع خصوصيات المرحلة الجديدة في العلاقات بين الدولتين و للسعي لتدارك ما خسرته باريس من نفوذ في الساحة الجزائرية على الصعيدين السياسي و الاقتصادي
السفير الجديد “فرانسوا غوييت”، مثل مصالح بلاده بالرياض منذ 2016 وهو آخر منصب له، وهو يملم جيد وخيار مثالي كونه خبيرا بشؤون المغرب العربي و منطقة الشمال الإفريقي و يتقن التواصل باللغة العربية،
و أمس نقل تقرير سياسي نشرته يومية «الشرق الأوسط» اللندنية إن الحكومة الجزائرية ترحب بالسفير الجديد، الذي كانت على علم منذ ثلاثة أشهر بأنه سينتقل من المملكة العربية السعودية للعمل في الجزائر، ونقلت المصادر نفسها عن مسؤولين حكوميين أن غوييت «اختيار جيد لملف الذاكرة والآلام التي خلفها الاستعمار، الذي يقف حاجزاً نفسياً أمام تطور العلاقات، خصوصاً في شقها السياسي». يشار إلى أن غوييت عمل لمدة أربعة أعوام سفيراً لدى تونس، بعد أن شغل المنصب نفسه في ليبيا لثلاثة أعوام. كما عمل مستشاراً للسفارة الفرنسية في دمشق ونيقوسيا، وكان على علاقة جيدة مع الصحافيين الفرنسيين والعرب في باريس، عندما شغل منصب نائب مدير عام المكلف الإعلام بالخارجية، بداية تسعينات القرن الماضي. ويرتقب أن يكون أبرز ملف سيعكف عليه، بعد تسلمه مهمته الجديدة في سبتمبر المقبل، إحداث تنسيق بين الأعمال التي كلف بها الباحثان شيخي وستورا، وأكدت مصادر مهتمة بالقضية أن الجزائريين لم يحددوا بدقة ما يريدون من وراء مسعى «الاشتغال على الذاكرة»، بعد أن أبدى الفرنسيون لأول مرة استعداداً للتعاطي مع مطالبهم في هذا الجانب. وصدرت عن الرئيس ماكرون لفتة قوية، عندما سلم الجزائر مطلع الشهر الماضي رفات 170 من رموز المقاومة ضد الاستعمار خلال القرن التاسع عشر.
وذكر مقربون من شيخي، مدير مؤسسة الأرشيف الوطني الحكومية، أن الرئاسة الجزائرية «لم تحدد له المطلوب من العمل المكلف به، الذي ينبغي أن يكون مشتركاً مع ستورا». وظل شيخي لسنوات طويلة يطالب بـ«استعادة أرشيف ثورة الاستقلال من فرنسا». كما صرح لوسائل الإعلام في مناسبات تاريخية بأن الجزائر تنتظر اعتذاراً من فرنسا عن جرائم الاستعمار (1830 – 19625). فيما تتحفط فرنسا على تسليم جزء من أرشيف لأنه مصنف ضمن أسرار الدولة.
وأفاد ستورا، الذي ولد بشرق الجزائر عام 1950، لوسائل الإعلام بأنه لا يعرف شيخي، وأنه لا يمثل الحكومة الفرنسية في ملف الذاكرة. وقال صاحب كتاب «ذاكرة جزائرية» إن الرئيس إيمانويل ماكرون طلب منه إعداد ورقة عن الاستعمار والتاريخ المشترك بين البلدين. وأوضح بهذا الخصوص لدى استضافته بتلفزيون وراديو «مونت كارلو»، أول من أمس، أن الرئيس «يريد تفكيراً حول حرب التحرير، وغرضه من ذلك تهدئة النفوس التي تألمت من هذه الحرب، وهي مسؤولية ثقيلة لأن كل الرؤساء الذين تعاقبوا في (فرنسا) حاولوا ربط علاقة صداقة مع الجزائر، التي تعد بلداً مهماً في منطقة البحر المتوسط، على الصعيدين الاستراتيجي والجيو سياسي».
وأضاف المؤرخ أن حرب الجزائر «مست ملايين الأشخاص في قلوبهم وذاكرتهم»، وتحدث عن «رهان كبير لفرنسا»، التي يريد رئيسها ماكرون فتح هذا الملف بـ«جدية»، بحسب ما صرح به عندما زار الجزائر كمرشح للرئاسة نهاية 2017. وأكد خلال زيارته أنه «لا يريد أن يبقى حبيس الماضي».
الخسائر الفرنسية الفادحة
يأتي تغيير السفير الفرنسي في الجزائر في ظل انكمش الاقتصاد الفرنسي بوتيرة قياسية تعود لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بلغت 13.8 ٪ في الربع الثاني، إذ انهار الاستهلاك والاستثمار والتجارة في ظل إجراءات العزل العام الهادفة لاحتواء جائحة كوفيد – 19، على الرغم من أن الانخفاض جاء أقل قليلا من المتوقع.
والانكماش في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الأورو يفوق المعدل البالغ 10.1٪ الذي سجلته ألمانيا، حيث سيطرت السلطات على ارتفاع في معدل الوفيات بكوفيد – 19، ولم تضطر لفرض إجراءات عزل عام صارمة مثلما حدث في فرنسا، بحسب «رويترز».
هذه الظروف مجتمعة تجعل السلطات الرسمية في الإيليزي و الكيدورسي تبحث وبالحاح عن ترميم علاقتها مع كل الدول التي من شأنها ضخ فرص جديدة أمام الاقتصاد الفرنسي من خلال مبادرات الشركة و الاستثمار حيث خسرت فرنسا كثيرا من دورها التقليدي و أضاعت فرصا جمة موازاة مع التغييرات السياسية الحاصلة في أعلى هرم السلطة الجزائرية.
عبد السلام.غ