بقلم: الدكتور مولود احريطن
عندما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرش عن تعيين ستيفان دي مستورا مبعوثا خاصا له إلي الصحراء الغربية في شهر مايو الماضي سارع المغرب إلي رفضه لهذا التعيين دون تقديم أية مبررات أو حجج واضحة أو مقنعة ، و الآن و بعد مضي أكثر من ثلاثة شهور على الرفض المغربي تفاجأ الجميع بإعلان المغرب عن قبوله لهذا التعيين، فما هي يا ترى الأسباب التي دفعت الرباط إلي العدول عن رفض التعيين ؟ و لماذا القبول في هذا الوقت بالذات ؟ خاصة و أنه قبل ايام قلائل من إعلان المغرب عن قبول دي مستورا كان ممثله في الأمم المتحدة المدعو عمر هلال قد صرح أمام الجمعية العامة أن ملف الصحراء الغربية قد طوي بالنسبة له و تم تجاوزه مما يشكل تناقضا صارخا في خطاب المخزن و ينم عن حالة التخبط و الارتباك الشديدين الذين تعاني منهما الدبلوماسية المغربية بعد النكسات المتلاحقة التي تعرضت لها على أكثر من صعيد.
في واقع الأمر إن قرار المخزن المفاجيء بقبول تعيين دي مستورا مبعوثا خاصا إلي الصحراء الغربية، لم يأت انطلاقا من رغبة حقيقية و جادة في تسوية النزاع ، و إنما جاء تحت تأثير عدة عوامل جيوسياسية و معطيات ميدانية دفعته إلي اتخاذ هكذا قرار بهدف ربح بعض الوقت لالتقاط أنفاسه و ترتيب أوراقه استعدادا لما هو قادم و الذي بكل تأكيد سيكون اسوأ بكثير و أشد وطأة ، هذه المعطيات و العوامل نذكر منها :
اولا: الضربات الموجعة اليومية التي يتعرض لها جيشه المنهار المتخندق في حفر خلف جدار الذل و العار من قبل مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي و التي كلفته خسائر مادية و بشرية لا يمكنه تحملها في ظل ما يعرفه الاقتصاد المغربي من انهيار شامل بدأت معالمه تظهر تنعكس بشكل جلي على الحياة اليومية للمواطن مما ينذر بانفجار اجتماعي وشيك.
وثانيا: القطع المفاجيء للعلاقات مع المغرب من طرف الجزائر و ما تبع ذلك تدابير و إجراءات مؤلمة في مقدمتها الإعلان عن عدم تجديد عقد أنبوب الغاز الجزائري العابر للمغرب نحو اسبانيا و ما سيعني ذلك من فقدان الخزينة المغربية لمصدر هام من مصادر العملة الصعبة ناهيك عن انعكاساته المباشرة على توليد الطاقة الكهربائية و التزود بالغاز في المملكة مع صعوبة إيجاد بدائل ممكنة للغاز الجزائري على المدى القريب و المتوسط في ظل ارتفاع أسعار الغاز على المستوى العالمي ،مما يعني أن شتاء المغاربة سيكون قاسيا و غارسا هذا العام.
ثالثا: اقتراب حلول موعد تجديد عهدة المينورسو، إن بقت لها عهدة ، مع نهاية شهر أكتوبر القادم و تخوف المخزن من اتهامه من طرف المجتمع الدولي بالتسبب في عرقلة البحث عن حل للنزاع خاصة و أنه رفض الكثير من الشخصيات التي تم أقتراحها من قبل الأمين العام لهذا المنصب منذ استقالة كوهلر.
رابعا : خيبة الأمل الكبيرة التي تعرض لها المخزن بعد ما راهن بشكل كبير على تغيير المجتمع الدولي لموقفه من القضية الصحراوية على ضوء تغريدة ترامب ، خاصة الاتحاد الأوروبي، في ظل تمسك الإدارة الأمريكية الحالية بالشرعية الدولية ، وعدم تحقيق اية مكاسب تذكر من وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني.
إذن بين سخونة صيف جيش الاحتلال خلف جدار الذل و العار بفعل ضربات جيش التحرير الشعبي الصحراوي و قساوة الشتاء القادم الذي ينتظر الشعب المغربي بسبب توقف الغاز الجزائري، و بين سندان الوضع الاقتصادي و الاجتماعي المتردئ و مطرقة التخوف من الإدانة من طرف المجتمع الدولي بسبب العرقلة، و في ظل خيبة الأمل من التطبيع و نتائجه وجد المخزن نفسه مكرها على قبول تعيين السيد ستيفان دي ميستورا، و لكن هذا القبول يجب أن لا يجعلنا كصحراويين نغير من استراتيجيتنا أو نتنازل عن مواقفنا المعلن عنها منذ الثالث عشر من نوفمبر الماضي بعد أن تحررنا من قيود وقف إطلاق النار إثر قيام المغرب بخرقه بشكل سافر و صمت المنتظم الدولي المشين عن ذلك الفعل .
لقد جربنا و خبرنا مناورات المخزن طيلة ثلاثون سنة من وقف إطلاق النار، كما وقفنا على حقيقة وهن الأمم المتحدة و تواطئها مع الاحتلال و عجزها التام عن الالتزام بتعهداتها تجاه قضيتنا ، و المؤمن لا يمكن أن يلدغ من نفس الجحر مرتين، لذلك على القيادة الصحراوية أن تدرك جيدا أن مفاتيح الحل الحقيقية تمكن في احترام رغبة الشعب الصحراوي و المتمثلة في عدم قبول أي وقف لإطلاق النار تحت أي مبرر كان حتى تحقيق الانسحاب الكامل للجيش المغربي من كامل الاجزاء المحتلة من تراب وطننا ، و أن اية مفاوضات مباشرة قادمة مع العدو يجب أن تجري تحت افواه البنادق فليس هناك من يمكنه المزايدة علينا بشيء على الاطلاق، وكل ما يقوم به أو سيقوم به المخزن هي مجرد مناورات في الوقت بدل الضائع لتسجيل بعض النقاط و كسب الوقت لا أكثر و الا أقل، فاعتبروا يا أولوا الألباب.