
ق.و/وكالات
حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخلاص من “عار” استعمار بلاده للجزائر بنعت التواجد العثماني في هذا البلد العربي على أنه “استعمار منسي”، في تصريحات فُهمت على أنها جهل بالتاريخ ومحاولة للإيقاع بين تركيا والجزائر.
قبل أن ترتد النيران التي حاول الرئيس الفرنسي إشعالها في وجهه، برفض واستنكار واسعين في الجزائر على كافة المستويات الرسمية والسياسية والشعبية، بلغ حد استدعاء السفير من باريس.
والسبت، نقلت صحيفة “لوموند” الفرنسية تصريحات لماكرون اتهم فيها النخبة الحاكمة في الجزائر بـ”تغذية الضغينة تجاه فرنسا”.
كما طعن في وجود أمة جزائرية قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى البلاد عام 1830م، وتساءل مستنكرا: “هل كان هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟”،وادعى ماكرون أنه “كان هناك استعمارا قبل الاستعمار الفرنسي” للجزائر، في إشارة لفترة التواجد العثماني بين عامي 1514 و1830م.
وقال مواصلا مزاعمه: “أنا مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماما الدور الذي لعبته في الجزائر، والهيمنة التي مارستها، وشرح أن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون، وهو أمر يصدقه الجزائريون”وزعم الرئيس الفرنسي أن تركيا “تقود عمليات تضليل ودعاية” ضد بلاده في مسألة كتابة تاريخ مرحلة ما قبل 1962 ودعا إلى تبني بلاده لإنتاج فكري باللغتين العربية والأمازيغية؛ لمواجهة المواد التاريخية التي تدين فرنسا.
الرئاسة الجزائرية ترد بقوة
سريعا، استنكرت الرئاسة الجزائرية بشدة تصريحات الرئيس الفرنسي، وقررت استدعاء سفيرها لدى باريس من أجل التشاور.
وقالت الرئاسة الجزائرية، في بيان مساء السبت، إن تصريحات ماكرون “تمثل مساسا غير مقبول بذاكرة 5 ملايين و630 ألف شهيد ضحوا بأنفسهم عبر مقاومة شجاعة ضد الاستعمار الفرنسي” بين عامي 1830 و1962م.
وأضافت أن “جرائم فرنسا الاستعمارية، التي لا تعد ولا تحصى، هي إبادة ضد الشعب الجزائري، وهي غير معترف بها (من قبل فرنسا)، ولا يمكن أن تكون محل مناورات مسيئة”وأوضحت أن الجزائر “ترفض رفضا قاطعا التدخل في شؤونها الداخلية كما ورد في هذه التصريحات، وأن الرئيس عبد المجيد تبون قرر (بناءً على ذلك) الاستدعاء الفوري لسفير الجزائر بفرنسا محمد عنتر داود للتشاور”.
وبشأن جزائر ما قبل الاستعمار الفرنسي، أكدت الرئاسة الجزائرية أن كلام ماكرون ” تقديرات سطحية وتقريبية ومغرضة”وأضافت أن تصريحات ماكرون “تندرج في مفهوم هيمنة مبتذل للعلاقات بين الدول، وترويج لنسخة تبريرية للاستعمار على حساب النظرة التي قدمها تاريخ شرعية كفاحات التحرير الوطنية، ولا يمكن لأحد أو لشيء أن يغفر للقوات الاستعمارية ولجرائمها”.
الجاهل بالتاريخ
وخلف تساؤل ماكرون عن وجود الأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وحديثه عن التواجد العثماني بين عامي 1914 و1830 موجة غضب واستنكار لدى الجزائريين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونعته البعض بـ”الجاهل بالتاريخ”ويتفق المؤرخون والمراجع في الجزائر على أن التواجد العثماني في البلاد كان عبارة عن حماية طلبها السكان ضد الاحتلال الإيطالي والإسباني في عدة مدن ساحلية، وأنه يندرج ضمن الجهاد الإسلامي.
وفي هذا الصدد، اعتبر الإمام والخطيب السابق عمار محجوبي المقارنة بين الاستعمار الفرنسي والتواجد العثماني “سفاهة”وكتب، عبر صفحته على “فيسبوك”: “المقارنة بين الخلافة العثمانية والاستعمار الفرنسي نوع من السفه، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت.. وشتان بين الخبيث والطيب”.
من جانبه، قال الناشط السياسي والمسؤول السابق بوزارة الداخلية الجزائرية، خرشي النوي، إن “الوجود ما قبل الاحتلال الفرنسي، وجود عثماني إسلامي وليس وجود تركي قومي”.
وأضاف، في تدوينه عبر “فيسبوك”، أنه “ليس في تاريخ التواجد العثماني ما يشين، بل وجوده عطل لقرون قدوم الضباع الغربية”فيما اعتبر الإعلامي الجزائري الشهير حفيظ دراجي الرئيس الفرنسي “مراهقا سياسيا لا يقدر وزن الكلمات التي يقولها دون وعي”.
وأضاف عبر “تويتر”: “يجب أن يعلم ماكرون بأن العداء يأتي من الشعب الجزائري لفرنسا الاستعمارية التي قتلت ونهبت وأجرمت”ورفض دراجي محاولة ماكرون الوقيعة بين تركيا والجزائر، مخاطبا إياه بالقول إن “الجزائر هي التي استنجدت بالدولة العثمانية لمواجهة أجدادك الصليبيين”.
وكان الرئيس تبون دافع بقوة عن التطور اللافت للعلاقات بين الجزائر وتركيا وقال في مقابلة مع مجلة “لوبوان” الفرنسية، أواخر ماي الماضي، إن بلاده تتمتع بعلاقات ممتازة مع الأتراك “الذين استثمروا قرابة 5 مليارات دولار دون أي مطالب سياسية مقابل ذلك”.
وأضاف: “أولئك الذين أزعجتهم هذه العلاقة (بين الجزائر وتركيا) عليهم فقط أن يأتوا ويستثمرون عندنا”.
ونهاية 2018، كشفت الوكالة الجزائرية لتطوير الاستثمارات أن تركيا تخطت فرنسا وصارت أول مستثمر أجنبي في البلاد وحسب الوكالة ذاتها، فإن الاستثمارات التركية بلغت زهاء 4.5 ملايير دولار، كما تحصي البلاد تواجد أكثر من 800 شركة تركية في قطاعات عدة.
وفي السياق، ذكرت صحيفة “الشعب” الحكومية، ردا على تصريحات ماكرون، السبت، أن ” الرئيس الفرنسي يشعر بالغضب العارم والإحباط الشديد”؛ بسبب انحسار نفوذ بلاده على الساحة الدولية، وخسارة مكانتها الاقتصادية في الجزائر.
وأشارت، إلى مغادرة شركات فرنسية كانت تنشط في قطاعات استراتيجية كالماء والنقل، بجانب أن عزم الجزائر على تنويع وارداتها من الحبوب، بعدما كانت فرنسا المورد الرئيسي لعدة سنوات، لم تعجب الرئيسي الفرنسي ودفعته للإدلاء بتصريحات “هستيرية”.
- تصريحات الرئيس الفرنسي ليست مفاجئة
وبالنسبة للقيادي في حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر)، والناطق الرسمي باسمها، ناصر حمدادوش، فإن “تصريحات الرئيس الفرنسي ليست مفاجئة”وقال حمدادوش،: “هذه هي حقيقة فرنسا الرسمية وهذه نظرتها الاستعلائية والكولونيالية (الاستعمارية) وما كلام ماكرون إلا فضح لعلاقة الصداقة المزيفة بين البلدين”واعتبر كلام ماكرون عن تاريخ الجزائر “تزييفا للتاريخ واعتداءً واضحا عل سيادة الدولة وشؤونها الداخلية، ومساسا برموز الدولة وإهانة للشعب الجزائري”ودعا حمدادوش للتعامل بكل “ندية” و”سيادة” مع هذا التطاول، من خلال أفعال ملموسة تتمثل في تمرير قانون تجريم الاستعمار، ووضع قانون لتجريم استعمال اللغة الفرنسية ومراجعة العلاقات التجارية بين البلدين.