
أفرز الحراك الشعبي الجزائري كتابات كثيرة،تناوش بعضُ الكتاب والكتبة ما رأوه مشعل الحراك الذي لا ينبغي أن يخبو،.منهم بشير عمري الذي ينشر منشورات في مواقع حراكية ، وفي صحيفة “رأي اليوم”الإلكترونية في التنظير و التغيير الثوري* ﹗¡. كنت أتابع وأعلق على أغلب مكتوباته المنشورة في {رأي اليوم}، المبشرة بهذا الوعي .
فما هي أبرز مكونات هذه الجرأة¡التنظيرية ؟ وما قيمتها في معايير العلم والمعرفة والفكر ؟ وما الاتجاه الذي ينتمى له هذا المركب في التيارات الحركية سياسيا وأيديولجيا ؟ وما غايتاها على ضوء المتغيرات السياسية الكبرى إقليميا وعالميا ؟
دحيٌ لغوي :
يستخدم في كتابته أسلوبا دَوَّرا ثقيلا على الذائقة العربية ؛ فما أن تشرع في قراءة الكلمة الأولى حتى يبدأ رأسك في الإنخراط في دوران . يفاقم من أثره تفاحش الأخطاء اللغوية والغريبة مثلا : كلمات {الإنولاد أو الإنوجاد و معاسروأشاسيع} . وجملا مثل :{ليس يقف عجز المجتمعات المتخلفة في تأكيد وجودها الفاعل في التاريخ}. وهوايته هذه لا حدود لها : كانت تستميت رجالات الجمعية ـــــ مرحلة البناء (الثوري) وهي أشقى وأعتى المراحل وأعقدها . ومن{ مفاضح الأغلاط} كما يقول الحريري في “درة الغواص” : نجد الآتي :كما ويحيلنا ـــ المشرح ـــ متأت ــ أقام بوتين مشروعه للحكم القاطع في عديد فصوله مع الرؤى الغربية ـــ وزعمها وتزعمها في العالم ـــ كما ويحيلنا إلى التساؤل ــــ ليس يتمظهر ـــــــــــ يستخلد ــ والفاعلين يحملون مشاريع ـــــــــــ الوقائع المُمرحلة والُمُمعلمةـــــــــ باعتبارها جسرــ من الإنصاف أن يوكل الحكم والتقييم إلى محكمة اللغة الابتدائية.
*منهج “الدَّحِ”:
الدح هو الضرب والدفع، والفِعْلاَن ليسا دليلا قوة وبأس وشجاعة بالضرورة . وفي اللغة دَحَّ الوَلَدَ : ضَرَبَهُ بِكَفِّهِ مَنْشُورَةً فِي أَيِّ مَكانٍ مِنْ جَسَدِهِ ، وحسبك بالمضروب ترجمة عن قيمة الدّاحِّ ! كيف ذلك ؟ لتتعاوض الكلمات الآتية فيما بينها بما هو مناسب ودالٌّ : الدّاح ــــــ الولد المضروب ـــــ مواضع الضرب ــــ عمري بشير ــــــ الجزائر المستقلة ـــــ مناحي ومجالات حركة دولة ومجتمع الإستقلال وتاريخه.
حسم عمري أمره بأن استثنى مِنْ دحّه كلَّ من لم يكن جزءا من النظام الوطني،والتاريخ الوطني وأنابيش ممن ناصب النظام الوطني ومؤسساته ومنجزاته قاطبة الخصومة والعداء بلُبُسِ المعارضة والثورة والإسقاط مهما تكن الوسيلة والأداة والصورة ومحاذرة اللاّوطنية . ومن هنا يكون الدحّ كله للدولة الوطنية ومنجزاتها ” يبابا وخرابا” ! لماذا ؟ وما السبب ؟ لأنها دولة العسكر التي انحرفت بالثورة والاستقلال بإخفاء الجانب السياسي ما قبل الثورة، و احتكرت التاريخ وطمست ما لا يتسق مع طبيعهتا .
بناء على هذه” المسلمة ” التي لا فضل له في “إبداعها” سوى الترديد ، في نوبات هوائية توربينية تُعَجِّجُ فجأة ثم تهدأ فجأة أيضا . نسوق فيما يأتي ذكره نماذج عن عجاجه المتطاير .
في مقاله :” الثورية والاصلاحية في التاريخ جمعية العلماء الجزائريين” 22/5/20222022فرغم أن موضوعه الظاهر يدور حول النقاش التقليدي عن {الثورة والثورية} نضالا وثورة كبرى حقيقة لدى الحركة الوطنية بشقيها الإصلاحي {جمعية العلماء المسلمين الجزائريين } والثوري الاستقلالي {حزب الشعب} على وجه الخصوص، فإن الدعوى الحقيقية التي يدعيها المنشور هي : {أن ثورة التحرير الجزائرية 1954 ـــــــ 1962 . ليست ثورة إنما هي حرب تحرير} .والدليل على ذلك ما ورد في مقاله : أ ـــ مفهوم الثورة بحسب مقولة الشهيد بن مهيدي يبدو عموميا ومحض عملي يقف وعيه عن حد المهمة الرئيسة وهي طرد الغزاة من الأرض ــــــ ب ـــــــ عديد النقاد ينزعون صفة الثورة عن حركة أول نوفمبر 1954 ويكتفون بنعتها بحرب التحرير، لغياب المشروع الثوري في دقيق تفاصيله وعناوين بنيته المفهومية ـــــجـــ ــــــ وإذا كان خالد نزار هنا ينتقد بعديا ثورة التحرير الجزائرية باعتبارها خالية من مضامين حيوية في التاريخ مستوقفة عند الجانب العملي العسكري، ما أعجزها فيما بعد عن التعبير عن نفسها من خلال مشروع مجتمعي يمضي في عملية إعادة البناء (الثوري) وفق نسق وطني ذي مرجعية واستراتيجية وايديولوجيا واضحة ـــــ د ـــــ منزع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الإصلاحي .إذا جمعنا هذه العبارات والفقرات المذكورة في المنشور ، فسنخلص إلى أن ثورة التحرير الجزائرية 1 نوفمبر 1954ميلادية ، إنما هي حرب تحرير، وليست ثورة !!!. لكن من قِصَرِ النظر الفادح، والسطحية الفجّة النظر لتراث مسار النضال الجزائري منذ الاحتلال إلى الاستقلال نظرة {ميكانيكية} وهي العبارة التي يحاول عمري خلعها على الثورة التحريرية الكبرى،فهي كلمة أقمأ وأحط شأنا من أن تحوي ذاك الرصيد النضالي في مختلف المجالات . إذا اقتصرنا على ثورة التحرير الكبرى {نوفمبر 1954م}، حصيلة ذاك النضال الذي يحوي في شقه الفكري والثقافي وبرامجه السياسية والإعلامية يتضمن رؤى وأفكارا وخواطرا وتصورات تحررية ومستقبلية لجزائر الاستقلال.
وبالمناسبة فإن عمري بشير لا يرى سوى النظام الحرّ الديمقراطي نظاما سياسيا، لذا فهو يتهم دولة الاستقلال بانعدام الإيديولوجيا والرؤية السياسية الثورية؛ من أين له أن النظام الاشتراكي أو الشيوعي ليس نظاما سياسيا ؟ أين تُدرج الثورات الثلاث التي ميزت حكم الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله { الزراعية والصناعية والثقافية} ؟ أليس {الميثاق الوطني } وثيقة سياسية فلسفية لنظام سياسي؟ أليس كتاب { المزدكية أصل الاشتراكية} للشيخ عبد اللطيف سلطاني رحمه الله { 1902 م – 1984 م }عملا فكريا علميا سياسيا مناكفا مدافعا للنظام الاشتراكي؟
استطاب ما يُكال له من مدح؟
ويبدو أن عمري بشير استطاب ما يُكال له من مدح عبر مساحات التعقيب، فأمعن فيما يحسبه تصعيدا في مواجهة السلطة عبر متن }حراك !!!؛{ لم يكلف نفسه تفسير تقلصه رويدا رويدا إلى أن اعترضته السلطة بإجراءات قانونية، لما آل إليه من تسيب وفوضى ورفع شعارات تستهدف مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الرئيس والمؤسسة العسكرية وأحهزة أمنها ، وهذا المسلك يمثل ركيزة جوهرية في التنظير للثورات التي بدأت بالثورات البرتقالية واستقدمت تحت “الربيع العربي” الذي كشفت خباياه رويدل رويدا ، وأبدع في إخراج وثائقه وخباياه ببراعة كبيرة الدكتور أحمد بن سعادة في كتابيه “أرابيك أمريكاني” و”من هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم قادة للحراك الجزائري؟”، ومقالاته المتجددة حسب الأحداث التي ينشرها على موقعه .، فضلا عما ورد في مذكرات هيلاري كلينتون ومذكرات كوندليزرايس ” أسمى مراتب الشرف : ذكريات من سني حياتي في واشنطن ” الذي قال عنه عالم المستقبليات الكبير الدكتور وليد عبد الحي :”م يرهقني كتاب قرأته كما أرهقني كتاب وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس”، وهو حقا مكنز ثمين لتخطيطات الإدارة الأمريكية لسياساتها الخارجية في عهد بوش الابن، وتهيئة فلسطين لأوضاع كالتي تمر بها . . لذا كثف من طرح مسائل ذات صلة به، وأخذ يشقق أحكاما وما يبدو له تعميقا لمذهب فلسفي حراكي جزائري، بنكهات نظرات في التنظيم السياسي،ومتطلبات العمل التغييري }}}الثوري }!!! واستخدام {الوعي} بسيولة مفرطة؛ لكن فتور الماء الذي يسبح فيه غَيّب عليه أن من واجب مخاطبيه عليه وأتباعه الحراكيين أن يحدثهم عن الوعي : مفهومه و مقولاته وسياقاته،و مرجعياته و نماذجه، وأسباب تحصيله و تعزيزه و تعميق النظر في أطره التنظيمية وأدواته المعاصرة جدا.
وبدلا من هذا جميعه أخذ يصطاد مهيجات نفسية واجتماعية وعرقية وجهوية، ويصعد بها سُلّمَ مجده {{الحراكي الثوري }}} وعلى كل أحواله فإنه لا يرى نفسه مكلفا بطرح الحجة القوية التي تستحق وصفها بالحجة والدليل الذي تُطأطأ عنده الرؤوس !!!وندلل على هذا بمقاله ” الجزائر: سنة على مقتل بن إسماعيل.. الحراك والخلل بين الوعي والتنظيم” 12/8/202اتخذها مقاما لتنظيراته في الظاهر لكن تحليل المقال يُفضى لدي إلى أنه يجهد لبناء مجد فكري وإعلامي لا يعتمد معطيات فضلا عن الوقائع، وتعمد التجاهل الاحتقاري للسياقات والظروف والأسباب، والشروط، ولكن بعزف اللحن الذي لا يمل من عزفه : {جزائر الاستقلال اليباب }، فهذه رسالة العمري بشير الوجودية !!!وربما بدا له أنه من الفطنة والذكاء والألمعية أن يرواغ بعض من يعنيهم الأمر بنموذجه التفسيري لما يصفه بالوعي الحراكي الثوري ، وهي اللعبة السياسية التي لعبها أو لعبتها الجهة التي أحرقت بن اسماعبل رحمه الله تعالى . وفحوى هذا المقال و مقالاته {الروسيوية/ من جون جاك روسو}تنطق بالجواب ألا وهو { أن النظام هوصاحب اللعبة}!!! وهو ما تردده جهات عرقية متعصبة ،وبعض{المتعارضين} بالسباب والشتائم والوقوع في الحرمات والأعراض .قد يطالبنا بالدليل ؛ كونه لم يقل شيئا من هذا صراحة ! باختصار شديد فإن منطق منشوره هذا المتستر تحت قشور ألفاظه وجمله وأمثلته يفضى إلى أن الجريمة بحق جريمة سياسية ما كان لها أن تنطلي على الجزائريين لو تحلّوا بالوعيين الحراكيين الثوريين المجرد والعملي . وعليه فمن الطرف المستفيد من الجريمة النكرة الجواب على سطح المقال انسجاما أيضا مع مشهد طروحاته .
لا تاريخية الزعامة الوطنية العربية
أما منشوره ” في لا تاريخية الزعامة الوطنية العربية.. الجزائر كنموذج” 12/9/2022فمما لاحظناه عليه: أن الأطروحة الرئيسة الأم التي يدير عليها كل مقالاته ذات الصلة المباشرة أو غير المباشرة بالجزائر: أن للجزائر المعاصرة تاريخيان : تاريخ ثوري وتاريخ سياسي، الثوري معروف في مجمله وكثير من تفاصيله ، أما الثاني {السياسي} فقد تعرض لمؤامرة حجبه عن الرأي العام . هذه الفكرة أو الأطروحة ترقى عنده إلى مُسَلّمة . ولا يحتاج تأكيد هذه الملاحظة لعناء أو ذكاء لاستخلاصها من منشوراته. والمعروف أن تاريخ الجزائر السياسي الحديث منذ دخول الاستعمار الفرنسي {1830}إلى الاستقلال {1962} يصنف ضمن النضال والمقاومة السياسية حتى ثورة التحرير 1954 ، ثم أهم وثائق الثورة في مقدمتها بيان أول نوفمبر مرجع الثورة الأساس ، وقرارات مؤتمرات الثورة كمؤتمر الصومام 1956 إلى مؤتمر طرابلس 1962، ثم اتفاقيات أيفيان 1962 . ولا شيء بعدها يمكن عده تراثا سياسيا تظافر مكر السلطة منذ الاستقلال ونخبه بمن فيهم كبار المؤرخين الأجلاء على مؤامرة تجاهل الشق السياسي لتاريخ الجزائر في الحقبة المذكورة، ووجوب خفائه عن الرأي العام والأجيال المتلاحقة !!!دون وعثاء التفاصيل أنصح القارئ العربي والشباب الجزائري بقراءة سفر الدكتورعمار بوحوش {التاريخ السياسي للجزائر } بجزئيه، وقد وصف الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي في مراجعة علمية رصينة الجهد الذي بذل فيه بقوله ::” إننا أمام جهد علمي كبير، يحتاج لخبرة بحثية كبيرة، لكنه لاشك يرفد المكتبة العربية بمرجع هام عن دولة هامة وعن ثورة شكلت واحدة من أنجح الثورات المعاصرة. وأن الباحث إطلع على ألاف المراجع والوثائق باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية” .
بجراءة غريبة على المعرفة والحقائق والمعطيات والمناهج يقول : “أيديولوجية نخب الاستقلال الاشتراكية التي كانت صيحة ديماغوجية أكثر من كونها شيئا أخرا يتعلق بمنهج أو خيار استراتيجي لبناء مجتمع الدولة ودولة المجتمع بالشكل الصحيح.”. من حق الجزائريين الذين عاشوا حقبتي ما قبل الاستقلال ثم ما بعده حتى 1988 أن يسألوا : ما هي أسانيد هذا الحكم العابر للأحداث والوقائع والنصوص والتحليلات المؤسسة والسياسات وإنجازات دولة الاستقلال بما لها وما عليها، خاصة أثناء حكم الرئيس الراحل هواري بومدين زعيم المرحلة الاشتراكية الحقيقي . أجزم أن اشتراكية بومدين رحمه الله هي التي مَسَّكَت المتجرئ القلم َلِيَدَرَسَ تاريخ وطن ورجاله بحذاء بلاستيكي !
تجاسر على الوقائع والمعطيات والحقائق
و{الجراءة} بالوصف المهذب مستشرية في منشوراته، إذ؛يتجاسر على الوقائع والمعطيات والحقائق واثقا من أحكامه؛ فمثلا يَفْجُرُ في حق الكبار قائلا :” أما عن الحظيرة الأكاديمية للسياسة في الجزائر، فالأمر أعم وأطم، فبالإضافة إلى هزالة المنتج الأكاديمي النوعي للشأن الجزائري، بالمقارنة مع زخم انتاج الشارع للفعل السياسي على ضوء خيبة المتحزبة والمستقلة معا، فقد ظهر العقل الاكاديمي ليس أقل قيودا واقتيادا من قبل السلطة على المعرفة، ما اركسه في وحل الرداءة وعدم الكفاءة وبالتالي عدم القدرة عن التعبير نظريا بشكل علمي موضوعي عن الظاهرة النضالية السياسية للمجتمع الجزائري، الذي لا يزال منذ أيام الحركة الوطنية يبحث عن مجتمعه السياسي التعددي الحقيقي وتراثه الوطني الموءود”
نلاحظ ا الوصف الهابط في عبارته{ الحظيرة الأكاديمية . } فهذا منتهى قلة الأدب مع العلماء مهما كان الاختلاف معهم، والغرور الوبيل : فأي أهلية معرفية ترقي بهذا المُقَيَّل للحكم على تراث الدكتور أبي القاسم سعدالله مثلا ناسك العلم والمعرفة ، الذي كان ينقد ويقيم ويعترض لكن بروح العالم الكبير الوقور الشرس؛الناقد الحصيف، برؤية تتربع على {هيملايا تاريخ والفكر والأدب !} وكذا أترابه في المعرفة والفكر والعلم عبد الله شريط وعبد المجيد مزيان وعثمان سعدي وموسى لقبال واالربيع ميمون وغيرهم من سلف الأمجاد الكبار الذين برهنوا على قوة ثورة التحرير المباركة في خلق دافعية خارقة لإبداع فكر أكاديمي جزائري مبدع قطعه استعمار خبيث. ما هذا النكد الذي آلت إليه الجزائر أن يُتلفظ متهور مجترئ على خيرة ما أنجبت البلاد من علماء وباحثين ومفكرين بهذا الوصف السافل الحقير؟
ويلحق بهذه الارتكاسة؛ “جراءة” المنتفشة غرورا وادعاء ساقطا تجريد الجزائر من قلم صحفي مرجعي يعبر عن الحقيقية الوطنية بكفاءة! وبالطبع فإن القلم الكفء هو الذي يردد المشروخة السمجة : السياسي قبل العسكري، ودولة العسكر، وتحريف التاريخ الوطني،و احتكاره،و إخفاء التاريخ السياسي النضالي قبل ثورة التحرير،والتسبيح بحدث واحد وشخص واحد في ثورة التحرير عبقري الرؤية المدنية لدولة الاستقلال والإنقلاب على الحكومة الشرعية المؤقته ، وفشل دولة الاستقلال مطلقا . فإذاكان المولى تعالى نهى المسلم عن بخس الناس أشياءهم التي تعنى الماديات ؛ لأنه سلوك منحط ، واعتداء على حقوقهم ، فكيف إذا كان البخس لقمم فكرية وإعلامية أثناء الثورة وبعدها ؟ !
إتيان على حقائق التاريخ
ما يأتيه هذا الشخص في حق حقائق التاريخ مدعاة للضحك والغضب جميعا : يزعم أن أعظم خطيئة ارتكبتها دولة الاستقلال إزاء الوطن ما يصفه بعسكرة أسس الثورة ؟ هل يستحضر عقله عند الرمي بهذه المتناقضات الصبيانية؟ ماهو بيان أول نوفمبر وما هي ثورة نوفمبر ؟ أهي ” فاتّخذنا رنّة البارود وزنـــا. وعزفنا نغمة الرّشّاشِ لحنــا ” أم ” يا فرنسا لا تراعي نحن نمزح ونلهو …” ؟ ثم ما تراث السياسي قبل الثورة الذي يزايد به على الجزائريين ؟ ألم يقرأ وا في المدارس والجامعات تاريخ الحركة الوطنية، وأن الانتقال للمرحلة الثورية جاء حتمية لفشل المسار السياسي مع المستعمر ؟ كل هذا لأجل إعلاء محطة واحدة من محطات الثورة التحريرية كانت محل خلاف بين قادتها العظماء ، وهي اليوم في ذمة التاريخ تدرس برؤية وحكمة في سياقاتها ، وتخليصا لها من ذرائعية مبددات الوحدة الوطنية، وتعريضها للتفتت والخطر الوبيل، الذي تسهم مهذه البهلونيات فيه .
وعلى خط التطاول على التاريخ وحقائقه ، يمضى هذا المُقَيّلْ في حجور الاستئصال المصابين ب”الأبطال فوبيا “، فيصف الزعماء الجزائريين منذ الأمير عبد القادر إلى الزعيم هواري بومدين إلى الرئيس بوتفليقة بالزعامة الشعبية والشعبوية! كل هذا يتطوس به على موقع “رأي اليوم” تضليلا للأجيال الجديدة من العرب.
تمثل دولة الاستقلال عقدة مصطنعة لدى عمري : لأنّه لا يمتلك الصفة والأصالة والمُكنة التي تُكون عقدة بمستوى قيام دولة مستقلة بجهاد مرير عن مستعمر استيطاني . ومع هذا يتبوق تعبيرا “نضاليا حراكيا” بإفرازات هذه العقدة المعروفة المصدر والدوافع والغايات .”فدولة الاستقلال غنيمة غنمها تيار عسكري تغلب في معركة التسلط” ! وبالطبع فلا قيمة للتحليل العلمي للوقائع والأحداث في مجال ” التبوق” و” إعارة الخدمات ” !
أما مضحكات مناقضات البدهيات التي كشفنا عن كثير منها في موضع آخر ، فنضيف إليها ، تعليله لفشل التعددية السياسية ، أن المجتمع لم يدخل معركة التغيير الحقيقي ، التعددية بل معارك التغيير الأحادي، أي من قوى أحادية حاكمة قديمة إلى مشروع منظومة أحادية جديدة تبتغي الحكم دون تقاسم ولا تشارك! فأين التعددية الديمقراطية إذن ؟؟؟
يحوم حول المهلك المدمر
لكن عمري لا يمزح دائما إنما يحوم حول المهلك المدمر : كاستغرابه من عدم كتابة السياسيين والكتاب شهاداتهم عن العشرية السوداء ؟ أسئلة كثير تطرح هاهنا : لماذا بالضبط في هذا الوقت بالذات ؟ وما مدى قربها وبعدها عن موجة أبواق الفتنة وبعض رؤوسها داخليا وخارجيا في عمل كأنه منسق، وعمري بشير مفعم إعجابا بكثير من كتابهم وصحافييهم الذين يعبئون الشباب عبر قناة خارجية ” مجندنة” ؟ أليست المصالحة الوطنية ميثاقا وعهدا تجاوزت به البلاد مأساتها ؟
وعند هذه النقطة تبوح مكتوبات عمر بشير عن مجاملاته للتيار المعروف : فهو يزعم في مقال رأي اليوم 4/3/2023 أن “جل من بوسعهم الكتابة ويملكون تقنياتها وفن البوح عبرها، والأكثر من ذلك يتصفون بالموضوعية في الطرح ، هم ممن لا يجيدون التعبير سوى باللغة الفرنسية” ، ويضرب مثلا من السياسيين بسعيد سعدي .” أما عن المعربين فنشاطهم السياسي في المعرفة وأدب السياسة فهو كما عُهد عنهم شبه مغلق أو منغلق على مسائل متصلة بتاريخ الوطنية ووطنية التاريخ! وعمري بشير بطليعة الحال من تيار النخبة المفرنسة الراقية !
أما بعد : هذه المكتوبات تجمع بين دعوات ضفتي الداعين لإسقاط السلطة التي لا يمكن أن تعنى في هذه الظروف إلا سقوط الدولة ، و الذهاب للمرحلة الانتقالية . لكن ريح الوضع الدولي غيرت اتجاهها، فلا جَذَل .
د. محمد مراح