يسألني صحبي عن الألفة والتواد، يسألني عن فرحة القلوب، فهمت مغزى قصد صحبي، عرفت مربط تساؤله، فحاولت أن أجيبه بصدق.
قلت لصحبي: الحياة دون الوشائج فاقدة لروحها، فالقلوب المتناغمة تنجذب إلى بعضها طوعا، أما الأجسام المتنافرة يضرب بينها بسور عازل.
لافت أن الناس تحسن قياس المواد، لكنها تعجز قياس العواطف، فالمرء يقيس تلك المواد بأدوات خاصة، فيمكنه قياس الطول والوزن والسعة والحجوم، فيعرف وحدة قياسها، لكن في المقابل، تراه يجهل موازين التعامل الإنساني، فيهمل تلك القياسات.
في حياتنا نزن درجة القرب والبعد، نزن قوة الترابط والانفصال، فنحكم أن هذا قريب من القلب وذاك بعيد، ومعيار الحكم فيها صادق لا يكذب، فلغة القلوب وسهامها لا تكذب، وأسارير الوجه لا تكذب، وأسلوب المعاملة لا يكذب.
وتلك المودات لها مصنع خاص تولد فيه العواطف الحية، لها بيئة خاصة تنتعش فيها العواطف الصادقة، فيولد فيها حب صادق، لا تلون فيه، تلتقي فيه النفوس على الخير، فإن جالس؛ جالس بصدق، وإن تحدث، تحدث بصدق، وإن أعطى فلا يمن، إن حضر شارك، يهدي من يحب منافعه دون مقابل.
في تلك البيئة التي لا تعرف المراء ولا الغيبة ولا النميمة، ولا التنابز ولا المقاحرة، مصنع يلفظ الخبائث ، يرفض الضغائن ، قوامه الصّدق في القول والصدق في الأفعال ، مصنع يقيم التعامل على أساس صفاء القلوب ، فيزين التعامل بالإيثار، ويبنى الصف على قوة التلاحم والتراحم ، فيكون البناء جسما واحدا ، لا تضعفه الهزات ، ولا تهشّمه الأعاصير ، لأن أساس الروابط الحب الصادق .
الأستاذ حشاني زغيدي