أقلام

معركة “تونزة، قابق” بقصر الحيران بالأغواط

د.سليمان قاسم

 

جرت وقائع هذه المعركة في بداية الأسبوع الرابع من شهر ماي أي يوم 24 ماي سنة 1959 م بين قوة جيش التحرير الوطني قوامها فرقة كوماندو ضد وحدات العدو حيث نستعرض مراحلها من خلال هذه اللمحة القصيرة : 

تتكون قوة جيش التحرير الوطني من فرقة كوماندو  واحدة تعرف بالكوماندو الثالث بقيادة الشهيد صدوقي الحاج المعروف باسمه الحربي سي بن عيسى وبمساعدة نائبه الشهيد شرفي الحاج عريف أول وآخرون قد يبلغ عددهم 50 مجاهدا تابعين للولاية الخامسة الناحية الرابعة المنطقة الثالثة . كانت الفرقة مسلحة تسليحا جيدا إذ كان بحوزتهم قطعتان 29  والأخرى من نوع ( فام بار) والباقي أسلحة فردية  جماعتان واحدة من نوع 24 آلية بالإضافة إلى القنابل اليدوية . شارك العدو في هذه العملية بعدة فيالق من مختلف تشكيلاته من  القوات البرية وبمشاركة كتيبة من الدبابات والعربات المجرورة بالإضافة إلى الطيران الحربي بما فيه الطائرات العمودية، كانت هذه القوات بقيادة الجنرال “” تين “” القائد العام للقوات الفرنسية بالجهة الجنوبية للبلاد وقد جمعت هذه القوات أصلا لشن حملة تمشيط كبرى لناحية القعدة بآفلو الواقعة بسلسلة جبال العمور وجبل الأزرق شمال سيدي مخلوف والمناطق المجاورة.

يتفق الإخوة المجاهدون الذين رووا وقائع هذه  المعركة والذين حضروا هذا اليوم على أن الوضع العام بالجهة تميز بنشاطات عدة في المجالين السياسي والعسكري. وفي هذا الإطار شن جيش التحرير هجومات مركزة على مراكز العدو المنتشرة بالجهة وكان آخر هذه الهجومات هو ذاك الذي وقع يوم 23 ماي على مركز العدو بمدينة مسعد والذي نفذه الكومندو الثالث نفسه وبعد انتهاء العملية، توجهت القوة جنوبا ونزلت بتونزة التي وصلتها يوم 24 ماي 1959 م .

بعد الانسحاب من مسعد

وبمجرد وصول عناصر الفرقة للمركز لأخذ قسط من الراحة وصل أثرها  المناضل ذهوب الطيب برسالة من مصالح الرصد والأخبار من مركز المجاهدين تنبه بضرورة الاستعداد وأخذ الاحتياطات الضرورية لأن العدو قد تمكن بوسائل عدة من معرفة أخبار الفرقة، وكذلك خط سيرها بعد انسحابها من مدينة مسعد، إثر انتهاء العملية على الفور شرع قائد الكوماندو الشهيد بن عيسى وبحضور نائبه في دراسة الوضع على ضوء المعلومات الجديدة، وفي النهاية تقرر الاستقرار بالجهة ((اقتراح نائب قائد الفرقة)) وهذا اعتبارا لموقع الجهة ولتوفرها على بعض المواقع الطبيعية

والتي يمكن استخدامها في حالة ما إذا وقع هجوم من طرف العدو لأن الفرقة لا زالت متعبة من عناء الطريق ولم تسترجع بعد قوتها من اليوم السابق والذي تم فيه كما هو معلوم الهجوم على مواقع العدو بمدينة مسعد ولكن تحسبا لأي طارئ نصبت الحراسة في النقاط المناسبة وفي حدود الساعة السابعة صباحا شاهدت نقاط الحراسة والمراقبة تحركات لقوات العدو في شكل طوابير من الشاحنات العسكرية والعربات وهي قادمة من جهة الأغواط اتجاه مركزها في قصر الحيران الذي يقع جنوب تونزة وغير بعيد عنها وبمجرد أن أخبرت الحراسة بما شاهدته، جرى نقاش وتشاور بين القائد بن عيسى ونائبه والمجموعة حول كيفية المواجهة وكذلك نية العدو والاحتمالات المتوقع حدوثها . ولما كان العدو في طريقه نحو قصر الحيران، تصور البعض بأن القوة آتية لتدعيم المركز بينما اعتقد البعض الآخر أن هدفها أكثر من ذلك 

حالة ترقب

وبقي المجاهدون في مواقعهم بتونزة يراقبون الوضع عن كثب وينتظرون كيفية تطور الموقف، ولما وصلت قوة العدو لقصر الحيران واصلت سيرها واتضح منذ اللحظة الأولى أن خط سيرها هو في اتجاه تونزه، وعلى الفور أعطى قائد الكوموندو الشهيد صدوقي الحاج المدعو بن عيسى أمر برفع درجة الاستعداد لحالتها القسوة قبل أن يتطور الوضع ويصبح أكثر حدة، يبدو أنه وبعد فترة تبين لقيادة جيش التحرير من خلال وضعية تقدم قوات العدو أنها لا تعلم بتواجدهم بتونزة وتأكد هذا بصورة أوضح بعد أن وصلت هذه القوات لقرية قابق حيث انقسمت إلى قسمين قسم واصل سيره نحو الشرق والقسم الآخر واصل تنقله في اتجاه آخر. وفجأة لوحظ أن هذه القوات عادت أدراجها واختلطت مع بعضها ثم اتجهت في اتجاه واحد وبعد فترة قصيرة من سيرها اكتشفت أثار أحذية المجاهدين المتبقية على الأرض الرطبة (مبللة) وشرعت بعدها في إعادة انتشار قواتها بغرض أحكام الحصار حول منطقة تونزة بكاملها ((بحكم معرفتها الجيدة للمنطقة وطبيعتها)) وهكذا سار الوضع نحو التردي والتفاقم. أما المجاهدون فقد أيقنوا أن القتال مع العدو أصبح أمرا مفروغا منه وعلى هذا الأساس وبعد تحديد مواقع انتشار قوات العدو وكمحاولة أخيرة لتأخير لحظة الاشتباك معه حتى ينقضي جزء كبير من النهار أعطى قائد القوة أوامر بالانسحاب من الموقع في اتجاه الغرب مع مجرى الوادي المتواجد بالمنطقة ((وادي مزي)) ونفذ أمر الانسحاب ولكن العدو كان قد دفع بقوة أخرى مع مجرى الوادي في الاتجاه المعاكس وكانت قادمة من الجهة الشمالية لتتقابل مع المجاهدين وجها لوجه وتوقف كل طرف في مكانه ولم يقع أي تبادل للنار بينهما لقد ظن العدو في البداية أنهم استسلموا له بعد أن أصبحوا في وضع حرج للغاية حسب رواية العكسي. لما تبين لقائد قوة الكوموندو المجاهد بن عيسى حقيقة المأزق الذي  وقع فيه تصرف معه بطريقة تنبئ بمدى قدرته وخبرته العسكرية في مواجهة مثل هذه المواقف الصعبة وذلك بأن قسم الفرقة إلى مجموعتين :

– المجموعة الأولى : تتقدم نحو مواقع العدو زاحفة مستخدمة ما بالمنطقة من أشجار وغيرها حتى إذا وصلت لمسافة قريبة فاجأت العدو بنيرانها الشديدة والمركزة

– في حين ظلت المجموعة الثانية في موقعها لإبهام العدو بأنها تدرس كيفية استسلامها وفي نفس الوقت تقوم بتغطية المجموعة الأولى بتنفيذ الخطة وجرى خلالها قتالا شديدا تم خلاله القضاء على العديد من جنود العدو وأحدثت هذه العملية

مفاجأتها وسيطر الارتباك على جنود العدو والخوف وبلغت الصدمة ذروتها عندما تمكن أحد المجاهدين من إسقاط طائرة استكشافية (وهو الشهيد بن الغويني بوفاتح ) وشوهدت قوات العدو تتقهقر للخلف، الأمر الذي مكن المجاهدين من مواصلة انسحابهم مع مجرى الوادي قبل أن تتطور الأمور وتتعقد أكثر، ولما وصلوا للمكان المناسب توقفوا عن السير بهدف أخذ قسط من الراحة ولاستطلاع الوضع ثم التدبر في الكيفية التي ستمكنهم من مغادرة المنطقة لتجنب المواجهة مع قوات العدو التي تفوقهم عددا وعدة . لكن ما كان يجري الاستعداد له في الجانب الآخر عكس هذه التوقعات تماما إذ بعد حوالي ثلاث  ساعات بالضبط في حدود منتصف النهار استأنف العدو هجوماته بقوات أكثر عدد وركز هجومه على مجرى الوادي وضفته وطال انتشار قواته مواقع جيش التحرير الوطني واشتعلت المنطقة من جديد في قتال ضا روشرس وواجه المجاهدون الموقف بكل بطولة وشجاعة يعجز اللسان عن وصفها، وأوقعوا من جديد خسائر هامة في صفوف العدو ما بين قتيل وجريح، وحاول المجاهدون تجميع قواتهم بهدف شن هجوم كاسح على إحدى النقاط للخروج من الحصار المضروب عليهم لكن المحاولة لم تنجح وضاعف العدو من تركيز هجماته بعد أن تدخلت الدبابات في المعركة وأصبحت القوات البرية تقاتل بشيء من المرونة بفضل الحماية التي أمنتها لها الطائرات الحربية والمدرعات، الأمر الذي أدى بالمجاهدين إلى التشتت عبر المنطقة لتجنب الخسائر المحتمل وقوعها، ورغم هذا فقد واصلت إحدى المجموعات هجوماتها وتمكنت بعد جهد شاق أن تباغت من الخلف إحدى وحدات العدو والتي رفعت أيديها وكادت بهذه الحيلة أن تقضي على المجموعة لولا أن تنبه المجاهدون لها واكتشفوا عناصر من هذه الوحدة كانت منبطحة أرضا وهي في حالة استعداد  لمفاجأة المجاهدين بإطلاق النار عليهم فدار قتال رهيب بين الطرفين تم خلاله وللمرة الثالثة قتل وجرح العديد من عساكر العدو، وعطب طائرة أخرى وغنم كمية من السلاح … وتكالب العدو على ميدان المعركة بقوات أخرى جلبتها على وجه السرعة إلى الميدان جوا وتداخل الجيشان وأصبح القتال بعدها يجري عبر المنطقة بأكملها . كما قام طيران العدو وبمساعدة قواته البرية بقصف مواقع المجاهدين من الجو، لكن المحاولة لم تنجح بسبب تداخل الجيشين واستمر الوضع هكذا… وفي المساء أمر قائد المجاهدين جنوده بالانسحاب مرة أخرى في الاتجاه الذي انطلقوا منه بعد أن تأكدوا أن العدو سيواصل مطاردتهم في اتجاه مجرى الوادي، ورغم تنفيذ خطة الانسحاب بهذه الطريقة التي تعتبر مجازفة خطيرة إلا أن الحل المتاح في مثل هذه الوضعية يتطلب ذلك، وتمكن المجاهدون من بلوغ هدفهم بعد ما اهتدى أحدهم لحيلة وهي مواصلة السير، لتجنب قصف الطيران، ونجحت الحيلة جزئيا، وتنبهت قيادة العدو لهذه الخطة البارعة وقامت الطائرات الحربية بقصفهم بقنابل النبالم، حيث أصابت بعض المجاهدين بإصابات مختلفة، كما أستطاع العدو الحصول على حقيقة قائد الكماندو، واطلع على محتوياتها التي كان من بينها أسماء وعناوين بعض الأفراد المجندين في صفوف العدو ويمدون الثورة بالمعلومات والأسرار.. وتوقف القتال بحلول ظلام الليل ثم واصل المجاهدون انسحابهم مع مجرى الوادي في الاتجاه الشرقي.

 

نتائج المعركة

 

استنادا للمعلومات التي وردت فيما بعد، يؤكد الإخوة المجاهدون على  خسائر العدو في الأفراد والمعدات كانت كالتالي:

– مقتل 101 عسكريا وإصابة عدد أخر بجروح مختلفة.

. – إصابة طائرتين، سقطت إحداها بميدان المعركة وأعطبت الثانية وهي من نوع – 26

أستشهد في ساحة الشرف 05 مجاهدين وهم:

– بن الغويني بوفاتح بن قدور من عرش مخاليف الأزرق رامي بالقطعة الجماعية والذي كان بسيدي مخلوف في ليلة سابقة أين التقى بابن عمه مفتاح الذي زوده ب: 07 قنابل يدوية وكمية من الخرطوش قد جاءته من مدينة الجلفة من عند. أحد المجندين هناك وبعض المواد الغذائية 1

– العياشي عبد الله قتل بعد أسره.

– ممرض الفرقة .

– طعبي قويدر قائد الفوج.

– حيدار.

كما جرح ثلاثة مجاهدين وأسر أربعة عشر، أما الجرحى فهم:

– صدوقي الحاج (بن عيسى) قائد الكومندوس الذي يلقبه العدو ب :

والذي تم نقله إلى مكان آخر أين تلقى ( commondos je m’enfou) الإسعافات وشفي تماما.

– باباي.

– عبد الله بن عبد الرحمان.

اما الأسرى فهم 

– كريريش عيسى من قصر الحيران.

– العكسي عبد القادر (المتحدث) من الأغواط.

– معزوزي امبارك المدعو الفيقيقي الأغواط.

– عاشور اعمر.

– بوبقيرة أحمد.

– مجاهدان من مسعد (واحد غير معروف اسمه) وقد قتل من بعد في مسعد مع رفيقه المسمى السبتي.

تم في هذه العملية غنم 14 قطعة سلاح منها واحدة جماعية من نوع 24/ 29  كما تم أيضا غنم 05 أجهزة إرسال واستقبال .

ردود فعل العدو 

قام العدو الفرنسي بعد هذه العملية بحرق وإتلاف ونهب كل المنازل  من ممتلكات السكان وتمكن العدو من اكتشاف مخابئ التموين التابعة لجيش التحرير الوطني بعد تعذيب واستنطاق بعض الأسرى والمواطنين وقد أصبحت المنطقة محرمة وتم جمع السكان ووضعوا بمحتشد قصر الحيران العسكري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى